ب أماكن لكبار السن وذوى الهمم.. الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس النواب    الثوم ب 100 جنيه.. أسعار الخضروات والفواكة في شمال سيناء    تقرير: رصد مسيرات فوق محطة للطاقة النووية في بلجيكا    ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    بالرقم القومي.. 3 طرق للاستعلام عن لجنتك في انتخابات مجلس النواب 2025    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    خبير أمريكي يتوقع التخلص من زيلينسكي قبل عيد الميلاد    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    فقدان 200 شخص في غرق قارب مهاجرين قبالة السواحل الماليزية    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    الرئيس اللبنانى يؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة على البلاد    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    وزير الاستثمار: 16 مليار دولار حجم التجارة مع الصين.. ولدينا 46 شركة تعمل في مصر    «طلعوا الشتوى».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: استعدوا ل منخفض جوى بارد    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    «الكهرباء»: تركيب 2 مليون عداد كودي لمواجهة سرقة التيار وتحسين جودة الخدمة    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    البابا تواضروس ومحافظ الجيزة يفتتحان عددًا من المشروعات الخدمية والاجتماعية ب6 أكتوبر    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    أمواج تسونامي خفيفة تصل شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة من الميدان إلي الأبحاث
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 04 - 2012

ما علاقة ثورة يناير بشهر ابريل؟ يبدو السؤال منطقياً ومشروعاً. فالمؤتمر الدولي الذي نظّمه المجلس الأعلي للثقافة علي مدار ثلاثة أيام (من 14 إلي 16) تحت عنوان "الثقافة والثورة" قدّم أوراقاً كثيرة ومتعددة عن ثورة يناير خصوصاً، وليس عن فكرة أثر الثورات بشكل عام في الثقافة، مما كان يستوجب أن يُعقد في الذكري الأولي لقيام الثورة المصرية. لا يعرف الكثيرون كواليس المؤتمر، لهذا، وقبل بدء الجلسة الأولي بالمسرح الصغير بالأوبرا، وبعد كلمات الافتتاح، كان هناك تفسير لاختيار هذا التاريخ. بصوت مرتفع، ملأ القاعة الهادئة، انتفضت الكاتبة سلوي بكر لتقول إن وراء هذا المؤتمر نية سوء، إنه لتجميل صورة العسكر وتأييد عمر سليمان، الذي كان قد أعلن ترشحه للرئاسة قبل عقد المؤتمر بأيام. بدا التفسير غريباً لأغلب من كانوا في القاعة، وهم من المشاركين بأوراق في نفس هذا اليوم والأيام التالية، وبدا منطقياً وذا صلة لمن كانوا مجرد حضور فقط أو صحفيين جاءوا للتغطية. التفسير غريب لسبب وجيه جداً، أنه لا يُمكن تنظيم مؤتمر يكتسب صفة الدولية خلال عدة أيام، فمن بين المشاركين عرب وأجانب جاءوا من دولهم لتقديم رؤيتهم التحليلية للربيع العربي، وكانت هناك كتب مطبوعة بالفعل تضم البرنامج وملخصات الأبحاث وعن الفترة المباركية والثورات العربية. مما يعني أنه قد تم الإعداد له علي الأقل قبل ترشح نائب المخلوع. أمّا كواليس ما قبل المؤتمر، التي ربما يعرفها فقط المنطمون والمشاركون، أن عماد أبو غازي، وزير الثقافة السابق، هو صاحب الفكرة، وأنه تم الإعداد له أيام كان شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الحالي، أميناً عاماً للمجلس الأعلي للثقافة، وفي شهر نوفمبر الماضي تلقي المشاركون مكالمات تليفونية لإعداد أبحاثهم وتقديمها في شهر ديسمبر ليعقد المؤتمر في الخامس والعشرين من يناير 2012، أي في الذكري الأولي للثورة. الاضطرابات التي حدثت من اعتصامات ومظاهرات ضد أداءات المجلس العسكري، وتوقُّع نشوب الثورة من جديد في ذكراها الأولي أدّي لتاجيل الموعد لشهر فبراير ومنه إلي ابريل.
ربما ظلت الكاتبة سلوي بكر علي قناعتها حتي انتهت الجلسة ورحلت، لكن في الجلسة الأخيرة لليوم الثاني، وأثناء مداخلة له، أشار وزير الثقافة، رداً علي ذلك(لم تكن بكر حاضرة)، أن المؤتمر لا علاقة له بالمجلس العسكري، وأنه سيعقد كل عام في ذكري الثورة، وختم بأن الهدف منه رصد وتسجيل الأسباب التي أدت للثورة ودراستها دراسة مستوفية علي المستوي الفني والسياسي وأثر ذلك علي الثقافة، وفي نفس الجلسة، التي أدارها الشاعر سيد حجاب، قُدّم اقتراح بعقد مؤتمر لتناول الحداثة وما بعد الحداثة علي المستوي السياسي والاقتصادي والفني، بعد ما طرحه المتحدث مصطفي يحيي حول الجرافيتي وفنون الشارع باعتباره فناً ما بعد حداثي.
في الجلسة الأولي، التي بدأت بارتياب حول تاريخ المؤتمر، انتهت بسؤال لسلوي بكر، موجه هذه المرة للمنصة التي يديرها حسن نافعة، عن فائدة الحديث عن الأحوال الاقتصادية والسياسية لمصر أيام مبارك في مؤتمر بعنوان "الثقافة والثورة"!

انقسمت جلسات المؤتمر إلي عشر جلسات، في جلسة "مقدمات الربيع العربي" تحدث أحمد النجار عن الأداء الاقتصادي والطريق إلي الثورة، أكّد فيه علي ما يسمي ب "فيروس الثورات" التي تبدأ باحتقانات وتمر باعتصامات وإضرابات ومظاهرات. ورصد النجار في دراسة مقارنة بين الدول العربية أن مصر كانت أسوأ دولة علي المستوي الاقتصادي وأنها اعتمدت علي تزوير البيانات واستغلال الإعلام لترويج الأكاذيب، ويري أن الفساد الاقتصادي القائم بالأساس علي المحسوبية والخصخصة أحد أهم أسباب الثورة. وفي انتقاد للحكومة الحالية، قال إنها "ليست حكومة ثورة فيما يخص الوضع الاقتصادي والسياسي، حيث أنها لم تسع لاسترداد الأراضي والمصانع التي بيعت بثمن بخس. وفي إطار مختلف، تحدثت الدكتورة ليلي غانم عن دور المرأة في الربيع العربي، ومشاركتها كمواطنة لا كأنثي، وعقدت مقارنة بين المرأة التونسية والمصرية، تفوقت فيه التونسية بطرحها لفصل الدين عن الدولة، ولفتت لتجاور فتاة منقبة لفتاة سافرة في الميدان، ودارت ورقتها حول تحول المرأة العربية من قوة رقمية لقوة فاعلة ومشاركة. وتوقعت غانم أن يحدث هذا التحول تحولاً آخر داخل الأسرة تنتقل فيه المرأة من دور التابع لدور الشريك وسيستوعب الرجل مع الوقت هذا الدور. وانتقدت غانم دور التيارات الدينية التي توقفت عن الدفاع عن حقوق المرأة ولم تعترض علي سحلها وتعريتها. وأشارت إلي أن هذه التيارات فازت فقط لأن لديها منابرها في الجوامع وتنظيمها وخدماتها. ورأت أن علي مصر أن تنهي إتفاقاتها الخارجية التي تنزع حريتها وتجعلها تابعة لدول أخري، فلا فائدة من تحقيق حرية داخلية ما لم يحدث استقلال عن الخارج.
وتناول المؤتمر في جلسة أخري مفهوم الثورة.. كانت ورقة جيدرا شابا تطرح سؤالا: هل كانت ثورة بمفهوم التغيير الجذري لهياكل الدولة والمجتمع أم كان الحدث مجرد انتفاضة شعبية ضد السلطة؟ وعن حقيقة الثورة، قارن بين ثورة 19 التي شارك فيها الشعب وثورة 52 التي حققت تغييرات جذرية في الدولة والمجتمع، بينما الثورات الشعبية، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتردية يمكن أن تستمر معها استكانة الشعوب أعواماً أو عقوداً دون أن تصل مقاوماته واحتجاجاته إلي مستوي الثورة، رغم أن هذه الأوضاع هي الخلفية التي بدونها لا يمكن أن تنفجر ثورة شعبية تستحق هذا الاسم. وفي كلمتها، رأت الكاتبة هويدا صالح أن تسريبات ويكيليكس شرارة أشعلت الثورات العربية بعد ما كشفته من خبايا الأنظمة العربية وفسادها ومناوراتها الفاضحة، كذلك تسريبات الاستخبارات الأمريكية إلي وكالة رويترز. وقرأ نبيل عبد الفتاح "أزمة الثقافة الدستورية في مصر" وقال إنه رغم الدور التكويني الذي لعبته النخب والدساتير والقوانين، عانت الثقافة الدستورية والقانونية بشكل عام من العديد من الأزمات الممتدة، منها أزمة الإطار المرجعي وعمليات الأقلمة في بنية الثقافة القومية المصرية لا سيما الدينية وإزاء قانون الأعراف والمكانة فيما يخص شرعية السلطة السياسية وممارساتها لصلاحياتها بين نمط من الأبوية والرعائية السياسية وشخصنة السلطة، كذلك الفجوات بين الإطار الدستوري والقانوني الرسمي والدستور والمخاطبين بأحكامه من القطاعات الاجتماعية العريضة، وأشار إلي أن النظام شبه الليبرالي (1923-1952) أدي للإسهام في عمليات تشكيل الثقافة الدستورية من خلال عمليات الاستعارة والإدماج. وحيد الطويلة تحدث عن تفاصيل يوميات الثورة التونسية وتابع تطور الأحداث قبلها بسنوات عبر تفاصيل بسيطة وموحية، استرجع معها أجواء الاستبداد التي خيمت علي تونس خلال 23 سنة، ورأي أن البذرة التي زرعت الثورة تفتحت عبر التعليم والثقافة بالإضافة لوسائل الاتصالات العصرية. وتركزت كلمته علي هتافات الثوار التي كانت أغلبها إن لم يكن كلها بالفصحي، وأن أبيات أبو القاسم الشابي التي حملها الناس بأصواتهم لم ينفد وقودها ولا نقصت شحنتها لسنوات طوال.

بدايةً من اليوم الثاني، وفي محور بعنوان "الظواهر الإبداعية وآليات التواصل"، ظهرت العلاقة المتبادلة بين الثورة والثقافة. قرأ الشاعر الإسباني خوسيه ماريا باث الربيع العربي في إطاره الثقافي، فلم يعتبرها اضطراباً سياسياً ظرفياً ولا مجرد تمرد ديمقراطي ضد النظم الاستبدادية، بل ثورة اجتماعية وثقافية ذات عمق. ولفت إلي أن الإبداع الشعري والسينمائي والموسيقي وظهور مدونات وكُتّاب في جيل جديد شكّلوا ثورة ثقافية طويلة المدي ستستمر. بينما تناولت شيماء الصباغ فولكلور ثورة يناير، مؤكدةً علي دور الأغاني والأشعار في الثورة، ومستشهدة بعبارة ماسبيرو "يغني الشعب كثيراً في مصر، في المنزل والحفلات الخاصة كما في الحقول وعلي النهر". وقرأ إليان يورسولا أتمولر "الكاريكاتير وثورة يناير" ورصد التغيرات التي حدثت لهذا الفن اثناء الثورة وبعدها، حيث التخلي عن الشكل التقليدي للورق المطبوع مستبدلاً بها أكثر أشكال التعبير إثارة، فتم رسم الكاريكاتير علي الحوائط وطبعه علي الملابس واللافتات. وقدّم كمال مغيث ورقة عن هتافات وكتابات الثورة المصرية كأحد أهم الفنون القولية والإيقاعية التي يبتدعها المصريون في مختلف أنشطة حياتهم، وأهمية الهتافات والشعارات من الناحية السياسية ودورها في الحشد والمناصرة واستنهاض الهمم. واستكمالاً لفنون الثورة، استعرض نبيل بهجت فن الجرافيتي، وقال إنه صوّر 45 الف صورة ترصد ثورة يناير..وتحدث عن علاقة الجرافيتي بالثورة في محاولة لرصدها وتوثيقها.

"الفن ميدان" بصوره وأهدافه، حضر في جلسة إبداعات الثورة. تحدثت بسمة الحسيني في ورقتها عن المبادرة وعن تقديم معادل ثقافي شعبي يلائم روح الثورة وحيويتها من خلال الميادين، ودعم المعرفة والإبداع والابتكار وحرية التعبير والخيال. ولفتت الحسيني في كلمتها القصيرة إلي تمكين الفنانين والمثقفين من القيام بدورهم في دعم الجبهات والتكتلات والقوي السياسية التي تتبني قيام الحرية والعدل والمساواة. وفي إشارتها لمن يشاهد احتفاليات الفن ميدان التي تقام في السبت الأول من الشهر، قالت إن المحجبة وطليقة الشعر تتجاوران، كذلك من يأتي من صلاة العشاء ومن يذهب ليشرب بعد الاحتفالية.
وشهد اليوم الأخير، الاثنين، قراءة في الثورة المصرية من وجهة نظر الغرب، واستعراضاً لمقالات خوان جويتيسولو وأوسوريو ألباريث، كذلك تأثير الديكتاتوريات والثورات علي أدب أمريكا اللاتينية وخاصة علي جيل الانفجار. وقرأ الصحفي الإسباني بدرو كانالس العلاقة بين الثقافة والثورة بناءً علي التاريخ الإسباني، وذكر في كلمته عبارة شديدة العمق في هذا الإطار:"الثورة هي الشكل الأكثر رقياً من الثقافة، والثورة التي لا تؤدي إلي تطوير الثقافة ثورة فاشلة". واستعرض كانالس عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في بلده عندما اضطر النظام الملكي إلي التراجع أمام الضغط الشعبي، وظهور جيل 27 الذي ضم لوركا ورفائيل ألبيرتي وداماسو ألونسو. وتحدث خالد سالم عن لاهوت التحرير والشاعر والأب إرنستو كاردينال، ومن خلاله عقد مقارنة بين موقف الكاردينال من ثورة بلده وموقف التيارات الإسلامية في مصر.
في الجلسة قبل الختامية تحدث حجاج أدول عن الثورة والثقافات الفرعية، ويقصد بها النوبيين والأقباط والبدو، وتركزت كلمة أدول علي الأضرار التي عاني منها النوبيون علي يد الأنظمة السابقة من تهجير وتهميش، وأشار إلي أن نظرية المؤامرة موجودة، غير أن المؤامرة الداخلية أقوي وأشد من الخارجية. وأكد أدول أن النوبيين رأوا أزمة مياه النيل منذ بدايات التسعينيات، وقدمت حلولا ومقترحات للنظام السابق ولم يعبأ بها. ورأي أن النوبيين هم خير من يمثلون مصر في أفريقيا.
وجاءت ورقة فيصل دراج في الجلسة الختامية حول المثقف المتسلط والمثقف الديمقراطي، وتناول "الهالة المعرفية" التي تقصد المنفعة لا الحقيقة، علي منظور محدد هو بلاغة المسافة، وانتقد المثل الشائع "من علمني حرفاً صرت له عبداً" واستبدله ب "من علمني، حررني". وقال دراج إن الطوائف العلمية استولدت طقوساً لغوية أقرب إلي لغة الكهانة في ضيقها وجفائها، وأبرز مثال لذلك لغة النقد الأدبي البنيوي، حيث لم يكن قصدهم إيضاح النصوص المعقدة بقدر ما كان الفصل الشامل بين لغة المعرفة ولغة الحياة العامة، وكان في ذلك ملاذ للتهرب من الشأن العام. وشبه الممارسات اللغوية البلاغية، كما التمترس وراء الاحتكار المعرفي، حيث أنه تبادل مجرد للأفكار يفترض الاعتراف بحقيقة العارف المختص الذي يرسل كلامه ولا يعترف بحقيقة الجمهور.

خرج المؤتمر بالعديد من التوصيات التي ننتظر أن تكون ملموسة علي أرض الواقع. فبالإضافة لعقد المؤتمر سنوياً في ذكري الثورة، طُرح مؤتمر الترجمة الذي سيبدأ في ترجمة أهم الكتب الحديثة التي تناولت الثورات المصرية والعربية، وتخصيص جوائز لإبداعات الثورة. وفي الجلسة الختامية، أشار شاكر عبد الحميد إلي توثيق الثورة علي المستويات المرئية والمكتوبة والمسموعة من أجل الحفاظ علي ذاكرة الأمة، كما أكدت توصيات المؤتمر علي وقوف وزارة الثقافة علي مسافة واحدة من كل الاتجاهات السياسية لتأصيل ثقافة الديمقراطية وتعميق ديمقراطية الثقافة والتأكيد علي ضرورة تعميق العلاقات بين المؤسسات الثقافية الرسمية والمؤسسات الأهلية لنشر الوعي الثقافي. وأشارت التوصيات إلي أهمية العمل نحو رصد متغيرات الخطاب الشعبي وتجلياته من منظور الإبداع الشعبي بداية من الأغنية والموال ونهاية بالنكتة، وقيام لجان المجلس كل في تخصصه برصد وتحليل وتوثيق تجليات الثورة. وستضم جائزة إبداعات الثورة الشعر والقصة والمسرحية والفن التشكيلي والبحث. وفي الجلسة الختامية، خرجت التوصيات بضرورة رعاية الشباب والمثقفين في المرحلة المقبلة وحتمية تفعيل دور المؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة في نشر الوعي الثقافي، من خلال تطوير المناهج الدراسية بها لتربية هذه الأجيال علي المشاركة في الحوار البناء وخلق جيل جديد علي درجة كبيرة من الوعي ليكون له دور فعال في المجتمع.
وفي النهاية، طالبت التوصيات جميع المثقفين بضرورة كشف الإعلام المغرض المناهض لقيم ثورة يناير وتنوير الجماهير بالتوجهات المضادة للثورة، والتأكيد علي أهمية دور وزارات الثقافة والتعليم العالي والإعلام في بناء وتشكيل الوجدان المصري والعربي، انطلاقاً من قيم الثورات العربية، ومحاولة البحث عن صيغ لائقة بتخليد شهداء الثورة، بما يتواءم مع الدور التاريخي والمفصلي الذي أنجزوه.

الحضور كان مكثفاً في جلسات أكثر من أخري، رغم أن المؤتمر تصادف مع إجازات رسمية، خاصة في الجلسة الافتتاحية. وجاءت أوراق المشاركين في مجملها ثرية، والمداخلات كذلك.. وحضر وزير الثقافة والأمين العام أغلب الجلسات في وسط الحضور، وشارك في المؤتمر أسماء هامة علي مستوي الفكر والثقافة، مثل فيصل دراج وحسن حنفي وعبد المنعم تليمة وخوسيه ماريا باث وكانالس. غير أن سؤالاً بقي معلقاً دون إجابة: كيف تستطيع وزارة الثقافة إنقاذ البلد من الوقوع في فخ الإسلاميين والعسكر؟ وما هو المقترح الثقافي لتوعية من لا علاقة لهم بالثقافة لكن لهم علاقة بالتصويت الانتخابي؟
أكدت ورقة المترجم خليل كلفت أنه ليس يسيراً تفسير أسباب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.