أمّ المصلين بالجامع الأزهر، أول تعليق من الطالب محمد أحمد حسن بعد نجاحه بالثانوية الأزهرية    9 بنوك تخطر البنك المركزى بخططها للتوافق مع ضوابط تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة    مطالب فلسطينية بعقوبات دولية على الاحتلال لوقف المجاعة وإنهاء حرب الإبادة بغزة    ‌ماكرون في اتصال مع الشرع: لا بد من حماية المدنيين وتفادي تكرار مشاهد العنف ومحاسبة المسؤولين عنها    مشادة كلامية بين فليك ولابورتا في مران برشلونة    الداخلية تكشف ملابسات ابتزاز فتاة من قِبل خطيبها السابق بالزقازيق    من ساقية الصاوي إلى المنارة.. كيف استقبلت القاهرة حفلات زياد الرحباني؟    زياد الرحباني.. الموسيقار المتمرد وآراء سياسية صادمة    ناهد السباعي تتربع على عرش التريند بسبب إطلالة جريئة    فحص 394 مواطنا وإجراء 10 عمليات باليوم الأول لقافلة جامعة المنصورة الطبية بشمال سيناء    كيفية علاج الإمساك أثناء الحمل بطرق فعالة وآمنة بالمنزل    بيراميدز يقترب من حسم صفقة البرازيلي إيفرتون دا سيلفا مقابل 3 ملايين يورو (خاص)    أحمد حسن كوكا يقترب من الاتفاق السعودي في صفقة انتقال حر    انتقال أسامة فيصل إلى الأهلي.. أحمد ياسر يكشف    انتقال أسامة فيصل إلى الأهلي.. أحمد ياسر يكشف    غدا آخر موعد للتقديم.. توافر 200 فرصة عمل في الأردن (تفاصيل)    إخلاء سبيل زوجة والد الأطفال الستة المتوفيين بدلجا بالمنيا    الداخلية تكشف ملابسات ابتزاز فتاة بالزقازيق من خطيبها السابق    حزب الجبهة الوطنية يختتم دعايته ب8 مؤتمرات جماهيرية قبل الصمت الانتخابي    ماكرون: دعم فرنسي كامل للمساعي المصرية لإدخال المساعدات إلى غزة    قصة الصراع بين تايلاند وكمبوديا.. خلاف حدودى قديم قد يتحول إلى صراع إقليمى    أكسيوس عن مصادر: أعضاء بإدارة ترامب يقرون سرا بعدم جدوى استراتيجيتهم بغزة    سميرة عبدالعزيز في المهرجان القومي للمسرح: الفن حياتي وكل مخرج أضفت من خلاله إلى رصيدي    الأزهر يرد على فتوى تحليل الحشيش: إدمان مُحرّم وإن اختلفت المُسميات    صور| ترامب يلعب الجولف في مستهل زيارته إلى أسكتلندا «قبل تظاهرات مرتقبة»    محافظ المنيا يضع حجر الأساس المرحلة الاولى من مبادرة "بيوت الخير"    نجاح جراحة ميكروسكوبية دقيقة لاستئصال ورم في المخ بمستشفى سوهاج الجامعي    وزير الأوقاف يحيل مخالفات إلى التحقيق العاجل ويوجه بتشديد الرقابة    "الزراعة" تعلن التوصيات النهائية لورشة العمل تنمية المهارات الشخصية للعاملين بالقطاع    لن توقف المجاعة.. مفوض «الأونروا» ينتقد إسقاط المساعدات جوا في غزة    أبو ليمون يهنئ أوائل الثانوية الأزهرية من أبناء محافظة المنوفية    بعد إصابة 34 شخصًا.. تحقيقات لكشف ملابسات حريق مخزن أقمشة وإسفنج بقرية 30 يونيو بشمال سيناء    مصرع سيدة أسفل عجلات قطار بمدينة إسنا خلال توديع أبناؤها قبل السفر    "القومي للطفولة" يشيد بقرار محافظ الجيزة بحظر اسكوتر الأطفال    الدفاع المدني في غزة يحذر من توقف مركباته التي تعمل في التدخلات الإنسانية    انخفاض سعر الدواجن المجمدة ل 110 جنيهات للكيلو بدلا من 125 جنيها بالمجمعات الاستهلاكية.. وطرح السكر ب30 جنيها.. وشريف فاروق يفتتح غدا فرع جديد لمبادرة أسواق اليوم الواحد بالجمالية    مركز التجارة الدولي: 28 مليون دولار صادرات مصر من الأسماك خلال 2024    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح    الإنجيلية تعرب عند تقديرها لدور مصر لدعم القضية الفلسطينية    حبس أنوسة كوته 3 أشهر وتعويض 100 ألف جنيه في واقعة "سيرك طنطا"    في ذكرى رحيله.. محمد خان الذي صوّر مصر بعيون محبة وواقعية    مصر تدعم أوغندا لإنقاذ بحيراتها من قبضة ورد النيل.. ومنحة ب 3 ملايين دولار    ما حكم تعاطي «الحشيش»؟.. وزير الأوقاف يوضح الرأي الشرعي القاطع    مطالبات في المصري بالتجديد لمحمود جاد    المدرسة الأمريكية تقترب من القيادة الفنية لرجال الطائرة بالأهلي    إنتر ميامي يتعاقد مع الأرجنتيني دي بول لاعب أتلتيكو مدريد    أسوان تواصل توريد القمح بزيادة 82% عن العام الماضي (صور)    محافظ أسوان يتفقد نسب الإنجاز بمشروعات المياه والصرف ميدانيًا (صور)    إصابة سيدة في انهيار منزل قديم بقرية قرقارص في أسيوط    الصحة تدعم البحيرة بأحدث تقنيات القسطرة القلبية ب46 مليون جنيه    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 154 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات في مواعيدها    رسميًا إعلان نتيجة الثانوية الأزهرية 2025 بنسبة 53.99% (رابط بوابة الأزهر الإلكترونية)    مقتل 4 أشخاص في روسيا وأوكرانيا مع استمرار الهجمات الجوية بين الدولتين    وزير الثقافة ناعيًا الفنان اللبناني زياد الرحباني: رحيل قامة فنية أثرت الوجدان العربي    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 26-7-2025 بالمنوفية.. البصل يبدأ من 10 جنيهات    كيف احافظ على صلاة الفجر؟.. أمين الفتوى يجيب    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة من الميدان إلي الأبحاث
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 04 - 2012

ما علاقة ثورة يناير بشهر ابريل؟ يبدو السؤال منطقياً ومشروعاً. فالمؤتمر الدولي الذي نظّمه المجلس الأعلي للثقافة علي مدار ثلاثة أيام (من 14 إلي 16) تحت عنوان "الثقافة والثورة" قدّم أوراقاً كثيرة ومتعددة عن ثورة يناير خصوصاً، وليس عن فكرة أثر الثورات بشكل عام في الثقافة، مما كان يستوجب أن يُعقد في الذكري الأولي لقيام الثورة المصرية. لا يعرف الكثيرون كواليس المؤتمر، لهذا، وقبل بدء الجلسة الأولي بالمسرح الصغير بالأوبرا، وبعد كلمات الافتتاح، كان هناك تفسير لاختيار هذا التاريخ. بصوت مرتفع، ملأ القاعة الهادئة، انتفضت الكاتبة سلوي بكر لتقول إن وراء هذا المؤتمر نية سوء، إنه لتجميل صورة العسكر وتأييد عمر سليمان، الذي كان قد أعلن ترشحه للرئاسة قبل عقد المؤتمر بأيام. بدا التفسير غريباً لأغلب من كانوا في القاعة، وهم من المشاركين بأوراق في نفس هذا اليوم والأيام التالية، وبدا منطقياً وذا صلة لمن كانوا مجرد حضور فقط أو صحفيين جاءوا للتغطية. التفسير غريب لسبب وجيه جداً، أنه لا يُمكن تنظيم مؤتمر يكتسب صفة الدولية خلال عدة أيام، فمن بين المشاركين عرب وأجانب جاءوا من دولهم لتقديم رؤيتهم التحليلية للربيع العربي، وكانت هناك كتب مطبوعة بالفعل تضم البرنامج وملخصات الأبحاث وعن الفترة المباركية والثورات العربية. مما يعني أنه قد تم الإعداد له علي الأقل قبل ترشح نائب المخلوع. أمّا كواليس ما قبل المؤتمر، التي ربما يعرفها فقط المنطمون والمشاركون، أن عماد أبو غازي، وزير الثقافة السابق، هو صاحب الفكرة، وأنه تم الإعداد له أيام كان شاكر عبد الحميد، وزير الثقافة الحالي، أميناً عاماً للمجلس الأعلي للثقافة، وفي شهر نوفمبر الماضي تلقي المشاركون مكالمات تليفونية لإعداد أبحاثهم وتقديمها في شهر ديسمبر ليعقد المؤتمر في الخامس والعشرين من يناير 2012، أي في الذكري الأولي للثورة. الاضطرابات التي حدثت من اعتصامات ومظاهرات ضد أداءات المجلس العسكري، وتوقُّع نشوب الثورة من جديد في ذكراها الأولي أدّي لتاجيل الموعد لشهر فبراير ومنه إلي ابريل.
ربما ظلت الكاتبة سلوي بكر علي قناعتها حتي انتهت الجلسة ورحلت، لكن في الجلسة الأخيرة لليوم الثاني، وأثناء مداخلة له، أشار وزير الثقافة، رداً علي ذلك(لم تكن بكر حاضرة)، أن المؤتمر لا علاقة له بالمجلس العسكري، وأنه سيعقد كل عام في ذكري الثورة، وختم بأن الهدف منه رصد وتسجيل الأسباب التي أدت للثورة ودراستها دراسة مستوفية علي المستوي الفني والسياسي وأثر ذلك علي الثقافة، وفي نفس الجلسة، التي أدارها الشاعر سيد حجاب، قُدّم اقتراح بعقد مؤتمر لتناول الحداثة وما بعد الحداثة علي المستوي السياسي والاقتصادي والفني، بعد ما طرحه المتحدث مصطفي يحيي حول الجرافيتي وفنون الشارع باعتباره فناً ما بعد حداثي.
في الجلسة الأولي، التي بدأت بارتياب حول تاريخ المؤتمر، انتهت بسؤال لسلوي بكر، موجه هذه المرة للمنصة التي يديرها حسن نافعة، عن فائدة الحديث عن الأحوال الاقتصادية والسياسية لمصر أيام مبارك في مؤتمر بعنوان "الثقافة والثورة"!

انقسمت جلسات المؤتمر إلي عشر جلسات، في جلسة "مقدمات الربيع العربي" تحدث أحمد النجار عن الأداء الاقتصادي والطريق إلي الثورة، أكّد فيه علي ما يسمي ب "فيروس الثورات" التي تبدأ باحتقانات وتمر باعتصامات وإضرابات ومظاهرات. ورصد النجار في دراسة مقارنة بين الدول العربية أن مصر كانت أسوأ دولة علي المستوي الاقتصادي وأنها اعتمدت علي تزوير البيانات واستغلال الإعلام لترويج الأكاذيب، ويري أن الفساد الاقتصادي القائم بالأساس علي المحسوبية والخصخصة أحد أهم أسباب الثورة. وفي انتقاد للحكومة الحالية، قال إنها "ليست حكومة ثورة فيما يخص الوضع الاقتصادي والسياسي، حيث أنها لم تسع لاسترداد الأراضي والمصانع التي بيعت بثمن بخس. وفي إطار مختلف، تحدثت الدكتورة ليلي غانم عن دور المرأة في الربيع العربي، ومشاركتها كمواطنة لا كأنثي، وعقدت مقارنة بين المرأة التونسية والمصرية، تفوقت فيه التونسية بطرحها لفصل الدين عن الدولة، ولفتت لتجاور فتاة منقبة لفتاة سافرة في الميدان، ودارت ورقتها حول تحول المرأة العربية من قوة رقمية لقوة فاعلة ومشاركة. وتوقعت غانم أن يحدث هذا التحول تحولاً آخر داخل الأسرة تنتقل فيه المرأة من دور التابع لدور الشريك وسيستوعب الرجل مع الوقت هذا الدور. وانتقدت غانم دور التيارات الدينية التي توقفت عن الدفاع عن حقوق المرأة ولم تعترض علي سحلها وتعريتها. وأشارت إلي أن هذه التيارات فازت فقط لأن لديها منابرها في الجوامع وتنظيمها وخدماتها. ورأت أن علي مصر أن تنهي إتفاقاتها الخارجية التي تنزع حريتها وتجعلها تابعة لدول أخري، فلا فائدة من تحقيق حرية داخلية ما لم يحدث استقلال عن الخارج.
وتناول المؤتمر في جلسة أخري مفهوم الثورة.. كانت ورقة جيدرا شابا تطرح سؤالا: هل كانت ثورة بمفهوم التغيير الجذري لهياكل الدولة والمجتمع أم كان الحدث مجرد انتفاضة شعبية ضد السلطة؟ وعن حقيقة الثورة، قارن بين ثورة 19 التي شارك فيها الشعب وثورة 52 التي حققت تغييرات جذرية في الدولة والمجتمع، بينما الثورات الشعبية، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتردية يمكن أن تستمر معها استكانة الشعوب أعواماً أو عقوداً دون أن تصل مقاوماته واحتجاجاته إلي مستوي الثورة، رغم أن هذه الأوضاع هي الخلفية التي بدونها لا يمكن أن تنفجر ثورة شعبية تستحق هذا الاسم. وفي كلمتها، رأت الكاتبة هويدا صالح أن تسريبات ويكيليكس شرارة أشعلت الثورات العربية بعد ما كشفته من خبايا الأنظمة العربية وفسادها ومناوراتها الفاضحة، كذلك تسريبات الاستخبارات الأمريكية إلي وكالة رويترز. وقرأ نبيل عبد الفتاح "أزمة الثقافة الدستورية في مصر" وقال إنه رغم الدور التكويني الذي لعبته النخب والدساتير والقوانين، عانت الثقافة الدستورية والقانونية بشكل عام من العديد من الأزمات الممتدة، منها أزمة الإطار المرجعي وعمليات الأقلمة في بنية الثقافة القومية المصرية لا سيما الدينية وإزاء قانون الأعراف والمكانة فيما يخص شرعية السلطة السياسية وممارساتها لصلاحياتها بين نمط من الأبوية والرعائية السياسية وشخصنة السلطة، كذلك الفجوات بين الإطار الدستوري والقانوني الرسمي والدستور والمخاطبين بأحكامه من القطاعات الاجتماعية العريضة، وأشار إلي أن النظام شبه الليبرالي (1923-1952) أدي للإسهام في عمليات تشكيل الثقافة الدستورية من خلال عمليات الاستعارة والإدماج. وحيد الطويلة تحدث عن تفاصيل يوميات الثورة التونسية وتابع تطور الأحداث قبلها بسنوات عبر تفاصيل بسيطة وموحية، استرجع معها أجواء الاستبداد التي خيمت علي تونس خلال 23 سنة، ورأي أن البذرة التي زرعت الثورة تفتحت عبر التعليم والثقافة بالإضافة لوسائل الاتصالات العصرية. وتركزت كلمته علي هتافات الثوار التي كانت أغلبها إن لم يكن كلها بالفصحي، وأن أبيات أبو القاسم الشابي التي حملها الناس بأصواتهم لم ينفد وقودها ولا نقصت شحنتها لسنوات طوال.

بدايةً من اليوم الثاني، وفي محور بعنوان "الظواهر الإبداعية وآليات التواصل"، ظهرت العلاقة المتبادلة بين الثورة والثقافة. قرأ الشاعر الإسباني خوسيه ماريا باث الربيع العربي في إطاره الثقافي، فلم يعتبرها اضطراباً سياسياً ظرفياً ولا مجرد تمرد ديمقراطي ضد النظم الاستبدادية، بل ثورة اجتماعية وثقافية ذات عمق. ولفت إلي أن الإبداع الشعري والسينمائي والموسيقي وظهور مدونات وكُتّاب في جيل جديد شكّلوا ثورة ثقافية طويلة المدي ستستمر. بينما تناولت شيماء الصباغ فولكلور ثورة يناير، مؤكدةً علي دور الأغاني والأشعار في الثورة، ومستشهدة بعبارة ماسبيرو "يغني الشعب كثيراً في مصر، في المنزل والحفلات الخاصة كما في الحقول وعلي النهر". وقرأ إليان يورسولا أتمولر "الكاريكاتير وثورة يناير" ورصد التغيرات التي حدثت لهذا الفن اثناء الثورة وبعدها، حيث التخلي عن الشكل التقليدي للورق المطبوع مستبدلاً بها أكثر أشكال التعبير إثارة، فتم رسم الكاريكاتير علي الحوائط وطبعه علي الملابس واللافتات. وقدّم كمال مغيث ورقة عن هتافات وكتابات الثورة المصرية كأحد أهم الفنون القولية والإيقاعية التي يبتدعها المصريون في مختلف أنشطة حياتهم، وأهمية الهتافات والشعارات من الناحية السياسية ودورها في الحشد والمناصرة واستنهاض الهمم. واستكمالاً لفنون الثورة، استعرض نبيل بهجت فن الجرافيتي، وقال إنه صوّر 45 الف صورة ترصد ثورة يناير..وتحدث عن علاقة الجرافيتي بالثورة في محاولة لرصدها وتوثيقها.

"الفن ميدان" بصوره وأهدافه، حضر في جلسة إبداعات الثورة. تحدثت بسمة الحسيني في ورقتها عن المبادرة وعن تقديم معادل ثقافي شعبي يلائم روح الثورة وحيويتها من خلال الميادين، ودعم المعرفة والإبداع والابتكار وحرية التعبير والخيال. ولفتت الحسيني في كلمتها القصيرة إلي تمكين الفنانين والمثقفين من القيام بدورهم في دعم الجبهات والتكتلات والقوي السياسية التي تتبني قيام الحرية والعدل والمساواة. وفي إشارتها لمن يشاهد احتفاليات الفن ميدان التي تقام في السبت الأول من الشهر، قالت إن المحجبة وطليقة الشعر تتجاوران، كذلك من يأتي من صلاة العشاء ومن يذهب ليشرب بعد الاحتفالية.
وشهد اليوم الأخير، الاثنين، قراءة في الثورة المصرية من وجهة نظر الغرب، واستعراضاً لمقالات خوان جويتيسولو وأوسوريو ألباريث، كذلك تأثير الديكتاتوريات والثورات علي أدب أمريكا اللاتينية وخاصة علي جيل الانفجار. وقرأ الصحفي الإسباني بدرو كانالس العلاقة بين الثقافة والثورة بناءً علي التاريخ الإسباني، وذكر في كلمته عبارة شديدة العمق في هذا الإطار:"الثورة هي الشكل الأكثر رقياً من الثقافة، والثورة التي لا تؤدي إلي تطوير الثقافة ثورة فاشلة". واستعرض كانالس عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي في بلده عندما اضطر النظام الملكي إلي التراجع أمام الضغط الشعبي، وظهور جيل 27 الذي ضم لوركا ورفائيل ألبيرتي وداماسو ألونسو. وتحدث خالد سالم عن لاهوت التحرير والشاعر والأب إرنستو كاردينال، ومن خلاله عقد مقارنة بين موقف الكاردينال من ثورة بلده وموقف التيارات الإسلامية في مصر.
في الجلسة قبل الختامية تحدث حجاج أدول عن الثورة والثقافات الفرعية، ويقصد بها النوبيين والأقباط والبدو، وتركزت كلمة أدول علي الأضرار التي عاني منها النوبيون علي يد الأنظمة السابقة من تهجير وتهميش، وأشار إلي أن نظرية المؤامرة موجودة، غير أن المؤامرة الداخلية أقوي وأشد من الخارجية. وأكد أدول أن النوبيين رأوا أزمة مياه النيل منذ بدايات التسعينيات، وقدمت حلولا ومقترحات للنظام السابق ولم يعبأ بها. ورأي أن النوبيين هم خير من يمثلون مصر في أفريقيا.
وجاءت ورقة فيصل دراج في الجلسة الختامية حول المثقف المتسلط والمثقف الديمقراطي، وتناول "الهالة المعرفية" التي تقصد المنفعة لا الحقيقة، علي منظور محدد هو بلاغة المسافة، وانتقد المثل الشائع "من علمني حرفاً صرت له عبداً" واستبدله ب "من علمني، حررني". وقال دراج إن الطوائف العلمية استولدت طقوساً لغوية أقرب إلي لغة الكهانة في ضيقها وجفائها، وأبرز مثال لذلك لغة النقد الأدبي البنيوي، حيث لم يكن قصدهم إيضاح النصوص المعقدة بقدر ما كان الفصل الشامل بين لغة المعرفة ولغة الحياة العامة، وكان في ذلك ملاذ للتهرب من الشأن العام. وشبه الممارسات اللغوية البلاغية، كما التمترس وراء الاحتكار المعرفي، حيث أنه تبادل مجرد للأفكار يفترض الاعتراف بحقيقة العارف المختص الذي يرسل كلامه ولا يعترف بحقيقة الجمهور.

خرج المؤتمر بالعديد من التوصيات التي ننتظر أن تكون ملموسة علي أرض الواقع. فبالإضافة لعقد المؤتمر سنوياً في ذكري الثورة، طُرح مؤتمر الترجمة الذي سيبدأ في ترجمة أهم الكتب الحديثة التي تناولت الثورات المصرية والعربية، وتخصيص جوائز لإبداعات الثورة. وفي الجلسة الختامية، أشار شاكر عبد الحميد إلي توثيق الثورة علي المستويات المرئية والمكتوبة والمسموعة من أجل الحفاظ علي ذاكرة الأمة، كما أكدت توصيات المؤتمر علي وقوف وزارة الثقافة علي مسافة واحدة من كل الاتجاهات السياسية لتأصيل ثقافة الديمقراطية وتعميق ديمقراطية الثقافة والتأكيد علي ضرورة تعميق العلاقات بين المؤسسات الثقافية الرسمية والمؤسسات الأهلية لنشر الوعي الثقافي. وأشارت التوصيات إلي أهمية العمل نحو رصد متغيرات الخطاب الشعبي وتجلياته من منظور الإبداع الشعبي بداية من الأغنية والموال ونهاية بالنكتة، وقيام لجان المجلس كل في تخصصه برصد وتحليل وتوثيق تجليات الثورة. وستضم جائزة إبداعات الثورة الشعر والقصة والمسرحية والفن التشكيلي والبحث. وفي الجلسة الختامية، خرجت التوصيات بضرورة رعاية الشباب والمثقفين في المرحلة المقبلة وحتمية تفعيل دور المؤسسات التعليمية بمراحلها المختلفة في نشر الوعي الثقافي، من خلال تطوير المناهج الدراسية بها لتربية هذه الأجيال علي المشاركة في الحوار البناء وخلق جيل جديد علي درجة كبيرة من الوعي ليكون له دور فعال في المجتمع.
وفي النهاية، طالبت التوصيات جميع المثقفين بضرورة كشف الإعلام المغرض المناهض لقيم ثورة يناير وتنوير الجماهير بالتوجهات المضادة للثورة، والتأكيد علي أهمية دور وزارات الثقافة والتعليم العالي والإعلام في بناء وتشكيل الوجدان المصري والعربي، انطلاقاً من قيم الثورات العربية، ومحاولة البحث عن صيغ لائقة بتخليد شهداء الثورة، بما يتواءم مع الدور التاريخي والمفصلي الذي أنجزوه.

الحضور كان مكثفاً في جلسات أكثر من أخري، رغم أن المؤتمر تصادف مع إجازات رسمية، خاصة في الجلسة الافتتاحية. وجاءت أوراق المشاركين في مجملها ثرية، والمداخلات كذلك.. وحضر وزير الثقافة والأمين العام أغلب الجلسات في وسط الحضور، وشارك في المؤتمر أسماء هامة علي مستوي الفكر والثقافة، مثل فيصل دراج وحسن حنفي وعبد المنعم تليمة وخوسيه ماريا باث وكانالس. غير أن سؤالاً بقي معلقاً دون إجابة: كيف تستطيع وزارة الثقافة إنقاذ البلد من الوقوع في فخ الإسلاميين والعسكر؟ وما هو المقترح الثقافي لتوعية من لا علاقة لهم بالثقافة لكن لهم علاقة بالتصويت الانتخابي؟
أكدت ورقة المترجم خليل كلفت أنه ليس يسيراً تفسير أسباب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.