أثناء متابعتي للاجتماع المشترك بين مجلسي الشعب والشوري لانتخاب الجمعية التأسيسية، توقفت عند سؤال لمذيع في إحدي القنوات الفضائية، موجه لعضو في حزب الحرية والعدالة: »يُقال أن هناك دستورا معداً بالفعل من قبل الحزب.. هل هذا صحيح.. كانت الإجابة من قبل العضو: علي الشعب المصري أن يطمئن نحن نعد له كل الخير من أجل مستقبل أفضل إن شاء الله» توقفت طويلا عند مغزي هذه الإجابة، لأنها تقودنا إلي فهم ما يحدث الآن، من أن التيار الإسلامي علي ثقة من أنه هو الذي سيكون مصدر الخير للشعب، وبالتالي هو القادر علي صياغة مفردات هذا الخير من: دستور وقوانين وحكومة ورئيس، وعلي الشعب أن يكون متفرجا ومنتظرا للعطاء من هذه الجماعة التي لا تريد الآن أن تحكم وتسيطر علي كل شيء باسم الدين فقط، ولكن- أيضا- مرتكزة علي أنها القادرة علي صياغة المستقبل. ما حدث في الجمعية التأسيسية أمر مخطط له، فمنذ اللحظة الأولي التي أعلن فيها عن أن عدد الأعضاء سيكونون 50 من داخل البرلمان بغرفتيه «الشعب والشوري» ومن الخارج مثلهم، وأن عدد الاحتياطي 20 من البرلمانيين، ومثلهم من الخارج، أدركت علي الفور أنهم أحكموا السيطرة علي الجمعية التأسيسية، لأنه لا توجد لجنة قوامها مائة عضو يكون الاحتياطي لها أربعين عضوا!!، إلا إذا كانوا يعلمون تماما أن هناك انسحابات بالجملة ستقع، وحتي لا يتم تعطيل مخططهم، وضعوا هذا الكم من الاحتياطي، الذي انتخب علي غرار طريقة اختيار الأساسيين، وبالتالي من يعتذر من الشخصيات والتيارات الليبرالية سيحل محله علي الفور ممثلون عن التيار الإسلامي، وهو ما يتم حاليا بعد انسحاب أكثر من 14 عضوا وتيارا سياسيا. . وإذا عدنا إلي طريقة الاختيار عفوا الانتخاب، سنجد أن التصويت تم طبقا للمكانة الحزبية لأعضاء حزب الحرية والعدالة وليس طبقا للتخصصات المفترض أن تحكم اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، فالدكتور محمد سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب يحصل علي أعلي الأصوات من داخل المجلسين (443)، ود. أحمد فهمي رئيس مجلس الشوري يحصل علي أعلي الأصوات من ممثلي الشوري (428)، رغم أن تخصص الأول أستاذ علم النبات، والثاني دكتور صيدلي. لكن الملاحظة اللافتة للنظر والمثيرة- أيضا- أن يصل عدد الأصوات الباطلة إلي (54) صوتا، أي أن هناك 54 برلمانيا لم يفهموا ماذا يحدث داخل القاعة، وتمثل هذه الأصوات ما يقرب من10٪ حيث إن عدد الناخبين للجمعية التأسيسية 589 وعدد الأصوات اللجنة 535 والباطلة 54 !!. المتأمل للتشكيلة النهائية للجمعية التأسيسية خلت بشكل واضح من أساتذة الدستور، الذين كان يجب أن يمثلوا بنسبة معقولة، فنحن نضع دستورا، والدستور تخصص علمي وقانوني له متخصصوه، ولكن التيار الإسلامي شكل الجمعية علي أساس ديني لادستوري، كما غاب المثقفون عن الجمعية التأسيسية، رغم أنهم كان لهم دور في تشكيل الدساتير المصرية المختلفة، مثل دستور 1971، يأتي هذا التجاهل رغم أن اتحاد الكتاب أرسل قائمة من عشرة مثقفين، تم تجاهلهم بالكامل، إضافة إلي أنه لم تمثل الكنيسة القبطية بأي ممثل، وجاءت التشكيلة النهائية كالتالي 60 من التيار الإسلامي، 6 سيدات، 6 أقباط، 3 وفديين والباقي من شخصيات وتيارات ليبرالية، انسحب معظمها. الخطوات التي اتخذت في اختيار الجمعية التأسيسية فرضت سؤالا يشغل الجميع حالياً ، ليس عن الدستور المرتقب، إنما عن شرعية هذه الجمعية، فمن الواضح أنهم لم يطلعوا علي طريقة كتابة الدساتير، وكيف مثلا أن دستور 1923 كان هناك محام يهودي ضمن الأعضاء، وأن تمثيل الأقباط وصل إلي 61٪، وفي دستور 1971 كانت هناك شخصيات عامة حقيقية لمثقفين وقانونيين وممثلين عن فئات المجتمع. قرار باطل سألنا د. عبد الفتاح مراد رئيس محكمة الاستئناف العالي بالإسكندرية وصاحب موسوعة «شرح الدساتير المصرية والمستويات الدستورية الدولية» ، عن مدي قانونية ومشروعية هذه اللجنة، فأجاب: أن القرار الأول لمجلس الشعب المصري بتحديد نسبة 50٪ من أعضاء مجلسي الشعب والشوري لعضوية اللجنة التأسيسية وقراره الثاني بتحديد أسماء مائة شخصية لعضوية تلك اللجنة هما قراران مخالفان للأعراف الدستورية المصرية والدولية ومخالفة للتاريخ الدستوري المصري والدولي وذلك للأسباب الآتية : أولا : الأصل أن الدستور هو أبو القوانين والسلطات العامة في الدولة، ومنها سلطة التشريع المتمثلة في مجلسي الشعب والشوري، ولا يجوز للابن المولود وهو مجلسا الشعب والشوري أن يلد الأب وهو الدستور. ثانيا : أن الأعراف الدستورية في فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وإيطاليا وغيرها جرت علي أن تُشكّل لجنة مستقلة لوضع الدستور من خارج البرلمان . ثالثا : أن قرار مجلسي الشعب والشوري بتشكيل لجنة وضع الدستور بهذه النسبة يُشكّل مخالفة واضحة لعلم المنطق لأن البرلمان المتغيّر بتغيّر التيّارات السياسية لا يجوز أن يُنشئ الثابت وهو الدستور الذي يظل معمولا به لعقود وأجيال متعددة. رابعا : مخالفة قرار مجلسي الشعب والشوري للأعراف الدستورية المصرية والأجنبية. خامسا : احتمال أن هناك أكثر من طعن أمام المحكمة الدستورية العليا بشأن عدم دستورية نصوص قانون مجلس الشعب ذاته، وسوف يترتب علي الحكم في الطعن المذكور بطلان انتخابات مجلس الشعب برمتها وإعادتها مرة ثانية، الأمر الذي يترتب عليه بطلان تشكيل لجنة وضع الدستور. سادساً: تعارض المصالح بين أعضاء مجلسي الشعب والشوري وتحديد شكل نظام الحكم هل هو رئاسي أم برلماني . سابعاً: تعارض المصالح بين أعضاء مجلسي الشعب والشوري بشأن إلغاء بعض النظم والمفاهيم الخاطئة في دستور 1971 والإعلان الدستوري الصادر 30/3/2011 ومن هذه النظم والمفاهيم: 1- ضرورة إلغاء مجلس الشوري 2- ضرورة إلغاء نسبة العمال والفلاحين. مفهوم الشخصية العامة سألت د.شاكر عبد الحميد ليس بصفته وزيرا للثقافة، بل بوصفه أستاذا لعلم النفس، وما يتسم به هذا التخصص من تحديد للمصطلحات، سألته عن معني ومفهوم الشخصية العامة،و أجاب: هي الشخصية ذات الحضور الإيجابي، التي ينظر الناس إليها علي أنها نموذج وتمثل القيم الحقيقية التي تدفع الإنسان للأمام، بمعني آخر الشخصية العامة هي « الشخصية النموذج» فليس أي شخص نطلق عليه مفهوم الشخصية العامة، سألته بهذا المعني كم في المائة ممن تم اختيارهم في الجمعية التأسيسية باعتبارهم شخصية عامة ينطبق التعريف عليهم، أجاب في أحسن الأحوال لا يتجاوزون20٪، وأضاف أن تشكيل الجمعية التاسيسية سييء جدا، ويضاف إلي سلسلة الإخفاقات التي نقع فيها. الدفاع عن الهوية من جانبه يصف المخرج والأستاذ بأكاديمية الفنون الدكتور كامل القليوبي المشهد بأنه عودة للحزب الوطني، فهذا فرعه الجديد الذي يتخذ من الدين غطاء له، ما حدث غير شرعي، فما تم هو الاستيلاء عنوة علي وضع الدستور من جانب التيار الإسلامي، الذي أقصي واستبعد كل المتخصصين الحقيقيين، وعلي أي حال لا يمكن أن يحكم الشعب بهذه الطريقة، بالفعل فتحوا أبواب معركة سنخوضها جميعا، دفاعا عن هويتنا، وطالب د. القليوبي بتحرك كل القوي الليبرالية والثورية من أجل ليس فقط إسقاط الجمعية التأسيسية، بل من أجل إسقاط هذا المجلس غير الشرعي من وجهة نظره، لأن طريقة تشكيل الجمعية التأسيسية، أثبتت أن حزبي العدالة والحرية والنور السلفي خانا الأمانة وخانوا الوطن، ولا يمكن النظر إليهم سوي بهذه النظرة. انتحار سياسي أما يوسف القعيد فيري أن ما نشهده حاليا هو نتيجة طبيعية ومنطقية لاحتكار التيار الإسلامي للبرلمان، ولكن ما فعلوه هو انتحار سياسي مبكر، فقد أقصوا المثقفين، رغم أن اتحاد الكتاب أرسل لهم قائمة من عشرة للمشاركة في وضع الدستور، لكنهم لم يلتفتوا إليها، ولا أعلم إذا كان المجلس الأعلي للثقافة أرسل قائمة من المثقفين أم لا، وهل فعلت ذلك أمانة أدباء مصر أم لا، لكن في النهاية نحن أمام مشهد فيه إقصاء للمثقفين ولفئات أخري في المجتمع، نحن أمام حزب وطني ديمقراطي بكل عيوبه وتضاف إليه اللحية، فهو هنا لا يستخدم حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق ولا السلطة، بل يستخدم الدين وهذا أمر لا يجوز، ولا يمكن كتابة دستور بهذه الطريقة ، هم لم ينتبهوا إلي أن الأغلبية البرلمانية شيء عارض، والدستور المفترض أنه دائم، فكيف يكتب العارض الدائم؟، لابد من وفاق وطني، لكن هذا لم يحدث. عبث د. محمد الجوادي عضو مجمع اللغة العربية، يفرق بين أمرين ، الشخصية الاعتبارية والشخصية العامة، فيقول الشخصية الاعتبارية لها ثلاثة محددات ( الحيازة- التصرف- الانتفاع) والمثال علي الشخصية الاعتبارية هم مثلا رؤساء مجالس الادارات، فهم يمثلون جهاتهم أمام مختلف سلطات الدولة بهذا المعني، أما الشخصية العامة، فهي شخصية يعرفها الناس بصفة معينة، بحيث تنطبق عليها ولا تنطبق علي غيرها، سألته بهذا التعريف كم واحداً من اللجنة ينطبق عليه ما قلته، أجاب لا يوجد من وجهة نظري سوي فاروق جويدة والنقباء الذين تم اختيارهم، وأضاف ما يحدث الآن هو من قبيل العبث، الذي لا يجب أن يستمر طويلا. خانوا الأمانة اتحاد الكتاب كان من الجهات التي أستشعرت مسئوليتها، وقامت بترشيح عشرة أسماء للمشاركة في الدستور، ولكن تم تجاهل الترشيحات، سألت محمد سلماوي رئيس الاتحاد كيف ينظر إلي دور المثقفين الآن؟ أجاب: الرفض التام، ومقاومة ذلك، ونحن في اتحاد الكتاب أصدرنا بيانا نري فيه أنهم خانوا الأمانة. وأضاف أن ما تم هو أسلوب استبدادي مرفوض، لذا علي المثقفين أن يقوموا بدورهم في تعبئة الجو العام ضد هذه الجمعية ودستورها المرتقب، من أجل رفضه ورفضها، لأن ما يحدث جريمة كبيرة، وعلي المثقفين كذلك أن يتحركوا من أجل إسقاط هذه الجمعية، حماية للوطن ولهويتنا، فالدستور يجب أن يكتب بتوافق الشعب عليه، وليس بأغلبية برلمانية، يسيطر عليها اتجاه سياسي معين.