أَلَّفْتُ غيماً للقصيدة داكناً، وكمنتُ للمطر المطلَّ علي المعاني من علو شاهق، لكنني لم ألتمس نُذُر الشتاء ولم أقع إلاَّ علي الشبهاتِ خاليةَ الوفاضِ من الحنوَّ، ولم أجد إلا انتظاراتٍ تخصُّ بما تلبدَّ في طواحين الكلامِ من الزؤان، فَرُحْتُ ألهثُ دون جدوي خلف ما ادَّخَرَتْه ليِ من أضلعٍ مفقودةٍ سحبُ البلاغة، ربما أخفقتُ فيِ ضبط العواصفِ وفق توقيت الغيوم المضمحلَّ، هتفتُ بي، وهتفتُ بالحجر الذي شَحَذَتْهُ أوردتي علي سكَّين لهفتها: أَعِدْني نحو ما أُنْسِيتهُ من لُكْنَةِ الأعشاب تحت ندي الصباح، ونحو جذر موحلٍ غَطَّيْتُ غُرْبَنَّهُ الكليلة بالرموش، ونحو أمطارٍ ملفَّعة بوحشتها تمدُّ لمن يشاء خيوطها وتقول: رِدْنيِ ومضيتُ أمسح غفلتيِ بأناملي وأشِيعُ في الريحِ اصطفاقاً آخراً لهبوبها، لكنَّ ضلعاً في القصيدةِ ظلَّ ينقصني فقلتُ: لعلَّني أخطأتُ في تمثيلِ واقعةِ الكتابة، ثم قلتُ، وقد تملَّكني شعور داهم باليأس، سوف أعيد تهجئة الرموزِ كما يليق بهذه الفوضي، كأنْ أدعو الجلابيبَ الطويلةَ للظلال طريقتي في جرَّ حرف (السين) نحو السرو، أو في دفْع أعناق النباتات التي وُلدتْ حديثاً للحلول مكان حرف (الثاء)، ثمَّ بضربة النحاَّت وَزَّعْتُ النقاط علي الحروف بصورةٍ أخري، وأقنعتُ العبارات التي ضجرتْ من التكرار أن تتبادل الأدوار مع أضدادها، حتي إذا أخفقتُ في استدراجها نحو الحياة محوتها لأضلَّل المعني، وسمَّيت البراعم إخوتي والغيم أماًّ لم تلدني فلربما، من خلف ظهر الموت، أَلَّفَتِ القصدة نفسها.. ولربما مرَّ الشتاء ولم يجدْني.