يعد موضوع العلاقة مع الأم من أكثر الموضوعات التي طرحت في الأدب، علي اختلاف أشكال العلاقة بين الابناء والأمهات من حب وتفاهم إلي صراع وخلاف الي غيرة ورغبة في التملك. ومؤخراً صدر في فرنسا كتاب أمي الغالية عن دار جاليمار. يضم الكتاب خطابات لثمانية كتاب من أشهر كتاب العالم إلي أمهاتهم: شارل بودلير ، جوستاف فلوبير، هنري جيمس، أندريه جيد، مارسيل بروست، وجون كوكتو، ويليام فوكنر، ارنست هيمنجواي، أنطوان دو إكسبري. ويعرف المعنيون بالأدب الكثير عن حياة هؤلاء المشاهير لكن هذه المعرفة ظلت قاصرة في الغالب علي إنتاجهم الأدبي والقليل من سيرهم الذاتية غير أن العلاقة مع الأم تظل منطقة تتمتع بخصوصية وجاذبية في آن واحد لأنها متوارية وغير مطروقة. يكشف الكتاب عن مساهمات كتبها بعض الكتاب في فترة شبابهم مثل : كوكتو، وفوكنر ، أو جاءت في فترة نضج فني وعمري علي النحو الذي كتب به بودلير وبروست. وفي تلك الخطابات تتجلي صور الحب والحنان وخفة الظل كما تتجلي الخلافات التي أحياناً ما تكون عنيفة، وتعكس عدم التفاهم بين كيان المبدع وحنان الأم بمختلف صوره التي تبدو استبدادية أحياناً بما لا تقبله روح المبدع المياله إلي الحرية. وقد اخترت ترجمة ثلاثة نماذج من هذه الخطابات لما تتضمنه من اختلاف واضح في نوعية العلاقة التي تربط بين الكاتب وأمه. اخترت خطاباً لأندريه جيد تعكس رقة في لغة الخطاب ورهافة حس تحافظ علي السمة الرومانسية التقلي0دية في العلاقة بين الابن والأم علي الرغم من احتواء بعض تلك الخطابات علي انتقادات ناعمة وجهها جيد لأمه بسبب رغبتها التدخل في حياته الزوجية، وعلي النقيض من تلك الخطابات تكشف رسائل تشارل بودلير عن لوم مؤلم ظل في نفسه من الأم التي تزوجت بآخر بعد وفاة والده، وهو أمر لم يتمكن صاحب "أزهار الشر" من تجاوزه طوال حياته. تتسم الخطابات التي ننشرها هنا بالتنوع وتحمل جميعها العاطفة بأشكالها المختلفة ومعها ذكريات وحكايات، ونزهات... حواديت الجنيات ومواعيد النوم....وكيف يتقاسم الجميع تلك اللحظات المميزة ومشاعر الطفولة التي عاشوها مع أمهاتهم. وكيف عاشوا أيضاً أوقات الصراع، والخلافات التي أدت في بعض الأحيان إلي الانفصال بين الابن وأمه. وتشهد الخطابات كذلك علي قصص مضطرمة، كاشفة عن الخلافات وعدم التوافق وبعض الشجن والمتع التي عاشها الكاتبان الشهيران مع المرأة التي وهبتهم الحياة.