لن أتوقف في هذا التعليق عند السباب و الضغينة التي تعج بها كلمة من قال ذات يوم بتحريم الكتابة الأدبية قبل أن يعود لممارسة ما حرمه، منتقما من كل من لايتفق معه في توجهاته، ليست أفكاره، حتي و إن ادعي غير ذلك، و ما كتبه في ظني جيدا، ليكشف عن دخيلته ووعيه، فبدلا من المناقشة و التحاور يكون السباب و لكم أسوة وقدوة في الخنجر الذي طعن رقبة نجيب محفوظ، و لن يكون آخرها تصريحات الشحات عن أدب الرجل، سأتوقف فقط عند مقولة أوردها في بداية كلمته و بني عليها كافة أقواله و تصوراته الركيكة و المتهافتة و التي لاتستحق عناء التعليق عليها، فيكفي فقط إذن أن نقف عند هذه المقولة/ الحقيقة التي يؤمن بها، ليصدرها في بداية كلامه، و لنري بعد ذلك ما الذي سوف تقودنا إليه مقولته. " فمن يقيم في جنوب الصعيد، لا يمكن أن يكون ليبراليا جيدا، لأن حرارة الشمس هناك لا تسمح للعقل بأن يفكر جيدا، فضلا عن أن يفهم." هذا ما يقوله أحد ملاك الحقيقة المطلقة الجدد، المقولة غاية في المنطقية تقدم حقيقية كونية لا يأتيها الباطل من أي جانب، لها مقدمتها و أسبابها و بالتالي نتيجتها الحاسمة، و من ثم لا يمكن سوي التسليم بصحتها الدائمة علي مر العصور و الأزمان، والحقائق الكونية الكبري لا يدركها إلا ذوو البصائر النابهة و شديدة التوقد، لأنه في ظل تلك الحقائق المطلقة سوف تنطلق جحافل الفاتحين و كتائب الغزاة؛ لمحو الجهل و التخلف من تلك البقاع التي تدكها الشمس بلهيبها، فلا تترك للعقل -أي عقل-أن يفكر فضلا أن يفهم الحقائق، فمن أين له، و قد رمته الجغرافيا في أرض الجنوب المتخلفة؛ ليست الأرض بطبيعة الحال لكن من يقيم عليها، فمن أين له أن يكون ليبراليا أو علمانيا أو يساريا، عليه فقط أن يؤمن بما جاءه به أصحاب الحقيقة، و لأنهم أصحاب الحقيقة المطلقة يمتلكون القدرة في التفكير نيابة عن أهل الجنوب-القاصرة عقولهم عن التفكير- ومن ثم تقرير ما يصح لهم في كافة مناشط حياتهم، و ما علي الجنوبين، غير الراشدين، سوي السمع و الطاعة. أليست تلك الحقيقة هي التي تبنتها القوي الاستعمارية لاحتلال الجنوب و بالتالي نهب ثرواته و طمس هويته، و هي الحقيقة ذاتها التي استخدمتها الأنظمة المستبدة لجعل الجنوب يرزح تحت تخلفه وجهله و نهب خيراته أيضا، من الأرض للعقول، هل علينا أن نضرب أمثلة أم أنها واضحة وضوح الشمس الحارقة المتآمرة علي الجنوب دون بقاع الأرض- لتذويب عقوله، لصالح أي قوي و أنظمة تعمل الشمس لتصر علي هذا الفعل الشنيع؟ منذ بداية الكون و هي متحيزة ضد الجنوب، و تعمل علي إقصائه، فهل لنا في هذه الحالة أن نحاسب أهل الجنوب علي تخلفهم، علي الأقل الذنب ليس بيدهم، و إذا كان كذلك فكيف لنا أن نفسر قيام تلك الحضارة العظيمة التي تحيط أبنيتها بصاحب الحقيقة، أم أنه لا يعترف بالحضارة الفرعونية، لأنها حضارة كفار وثنيين، ثم ماذا عن الأديرة و المساجد لدي أهل الديانات السماوية، أيضا هذه تحيط به أبنيتها، طبعا من قام بتلك الحضارة أهل الشمال، فهم من فتحوا الجنوب و أقاموا فوق أراضيه تلك الحضارة بعقولهم الجبارة التي لا يمكن للشمس أن تقترب منها، بل علي العكس من ذلك فهي، أي الشمس، تعمل علي تغذية هذه العقول الفريدة كي تستطيع بسط هيمنتها علي أولئك الجهلة المتخلفين أصحاب العقول القاصرة. يقيم كاتب المقولة في مدينة طيبة، أقصد الأقصر، واحدة من مدن(؟) جنوب الصعيد، أي تلك المدن المبتلية بتعنت الشمس مع عقول أهلها، فكيف له أفلت من هذا التعنت، ونجا عقله من غضب الشمس الكوني، و بات عقله قادرا علي النظر و القراءة و التحليل ثم الفهم، هو وحده دون بقية أهل الجنوب، ليس المبدعين و المثقفين و لكن أهل الجنوب كلهم، أو لعلني لم أفهم بسبب من عقلي القاصر الذي جعلته الشمس ضامرا، فيكون المقصود بإشارته في عبارته البليغة أن الشمس تخصني وحدي فقط بكرمها البالغ، فتطارد عقلي و تحاصره و تعمل علي جعله غير قادر علي التفكير و من ثم الفهم. السؤال الآن أي عقل ذلك الذي امتلكه لتتفرغ الشمس في عليائها لمطاردته و محاصرته؟ و كيف لهذه الجليلة أن تترك مهامها العظيمة لتدمر هذا العقل الخطير؟ و هل هي إقصائية لهذا الحد؟ و إذا كان عقلي بمثل هذه الخطورة وجب عليَّ الفخر بذلك العقل الذي تطاره الشمس دون كلل أو هوادة، فواحدة من أعظم القوي الكونية تركت مهامها و تفرغت لي. أليس كذلك! هكذا إذن فعلت المقولة، فبدلا من أن تقوده لنتائجه، إذا بها تنقلب علي كاتبها و تذهب للجانب الآخر المضاد لكل ما ظنه، و لتكشف في ذات الوقت عن كاتب لا يتأمل و يتدبر مقولته و حقائقه التي يطلقها، و لكن من أين يتأتي له فعل التأمل و هو يؤمن بتلك الحقائق دون مناقشة، ليسوغ نفس الأفكار الاستبدادية و الاستعمارية، هل كان يدري ذلك، أما إن كان كلامه عن شمس الجنوب وتأثيرها علي العقل من باب السخرية فالمصيبة أعظم، لأن ما يكشف عنه ذلك هو عنصرية يجرمها القانون في كل الدول التي تحترم حقوق الإنسان، وتنظر لمن يمارس هذا النوع من التمييز بوصفه مرتبكا عقليا ونفسيا، بل ربما عاملوه كخطر علي الإنسانية لأن هذه العنصرية البغيضة هو ما أنتجته الفاشية والنازية في يوم من الأيام وكلف البشرية مئات الملايين من القتلي.أم نقول كما قال أسلافه: إذا كان يدري فتلك مصيبة، أما أن كان لا يدري فتلك.... هذا هو يا سادة المنسق العام لتيار هوية في جنوب الصعيد و أحد مؤسسيه كما يقول، و إذا كانت هذه هي عقليته و طريقة نظره لأهل الصعيد/ الجنوب، ثم أسلوبه الراقي في قرع الحجة بالحجة بعيدا عن كيل الاتهامات و السباب، فما الذي يمكن توقعه من تيار كهذا؟ يتشدق طوال الوقت بمقولات عن الحرية و قبول التيارات الأخري و الحرص علي وجودها، لا العمل علي إقصائها، لكن عند التطبيق سيكون الوضع شديد الاختلاف، مجرد مقولات أقل ما يقال عنها أنها تقصي الصعيد بأكمله خارج نطاق العقل و القدرة علي التفكير، و من ثم جاهليته التي يجب محاربتها و القضاء عليها، تلك الجاهلية الناجي منها فقط هو من يلوذ بالتيار، لأن هذا التيار وحده القادر علي التفكير و إعمال العقل، أليس هو من يقرر الهوية!!.