لعلها واحدة من أهم الدراسات الأكاديمية في مجال أدب الأطفال، التي أنتجتها جامعاتنا في السنوات الأخيرة، وصدرت مؤخراً في كتاب عن الدار المصرية اللبنانية تحت عنوان "مسيرة أدب الأطفال من قدماء المصريين إلي عبد التواب يوسف". تتناول الدراسة بالبحث والتحليل الأعمال الفكرية لكاتب الأطفال عبد التواب يوسف.. الذي أثري المكتبة العربية ب 951 عملا. ملأت فراغا كبيرا في حياتنا الأدبية، كنا سنعاني منه كثيرا لو لم يكن بيننا كاتب بحجم عبد التواب يوسف، وبحجم موهبته الفذة، التي مكنته من تقديم هذا الإنتاج الغزير المتميز، في مجال من أصعب مجالات الكتابة.. هو أدب الأطفال. الدراسة أعدتها الباحثة مها إبراهيم غانم.. ونالت بها درجة الماجستير من كلية الآداب جامعة المنوفية.. تحت إشراف الأستاذ الدكتور شعبان عبد العزيز خليفة، الذي كتب في تقديمه للدراسة يقول: " تجيز الجامعات المصرية كل عام مئات من الأطروحات الأكاديمية علي مستوي الماجستير والدكتوراة، إلا أن قليلا من تلك الأطروحات هي التي توصي لجان الحكم والمناقشة بطبعها علي نفقة الجامعة وتبادلها، ومن بين تلك القلة القليلة العمل الذي بين أيدينا".. وقال أيضا: "لقد أجادت الباحثة إدارة عملها، فأنتجت قطعة أكاديمية سدت ثغرة في نسيج أدب الأطفال ودراستها في الوطن العربي". في الفصل الأول من الدراسة تناقش الباحثة: أدب الأطفال وتطوره.. من حيث المضمون والأسلوب، ومراحل نمو الأطفال، وحاجة كل مرحلة إلي نوع معين من القصص.. والعلاقة بين أدب الأطفال وأدب الكبار.. ثم تعرض للقارئ نشأة أدب الأطفال في العالم. وتركز الباحثة علي تاريخ أدب الأطفال في مصر.. فتشير إلي أن المصريين القدماء كانوا أول من كتب أدب الأطفال، يتضح هذا من البرديات المصرية القديمة التي عثر عليها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ويرجع تاريخها إلي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، كما يتضح من الكتابات والنقوش الموجودة علي جدران المعابد الفرعونية، وهي تحكي القصص التي كانت ترويها الأمهات لأطفالهن. في الفصل الثاني من الدراسة.. تتناول الباحثة حياة الكاتب الكبير عبد التواب يوسف، وهي تعتمد في ذلك علي عدد من الحوارات الشخصية التي أجرتها معه، بالإضافة إلي ما كتبه وما نشر عنه. يقر عبد التواب يوسف أن طفولته هي التي صنعت منه كاتبا للأطفال، لأنه احتفظ بها بداخله، وأبقي الطفل بداخله حيا يقظا يعود إليه ويأخذ منه الكثير من أعماله. يقول يوسف للباحثة إن من العوامل البعيدة الأثر فيه، الضاربة الجذور في أعماقه.. أنه عاش وفيا للفقراء الذين هو منهم، والبسطاء الذين ينتمي إليهم.. يؤمن بأن للفقراء حقا في الحياة الكريمة الشريفة.. قضية العدالة الاجتماعية هي محور اهتمامه وانتمائه السياسي ومحركه الأول في كتاباته.. يؤمن بالاشتراكية وإن لم يستخدم هذه الكلمة في رواياته، لأنها فقدت مضمونها بسبب سوء استغلال الساسة لها. تفرد عبد التواب يوسف _ وفقاً للباحثة - بأسلوب ابتكره لنفسه في الكتابة للأطفال، ولم يسبقه إليه أحد، وهو أنه يتصور نفسه بين الأطفال ويتحدث إليهم.. الأمر الذي يجعل الطفل القارئ مشاركا بالتفكير والرأي فيما يقرأ. يطلقون عليه في كثير من الدول العربية لقب: " عمدة كتّاب الأطفال العرب".. وقد أشاد به كثير من المثقفين والشخصيات العربية والعالمية.. فقال عنه" ديسان رول " رئيس الهيئة الدولية لكتب الأطفال: " إن مكتبة عبد التواب يوسف هي أكبر مكتبة أطفال موجودة في بيت في كل العالم، ومؤلفاته ينطبق عليها نفس الشيء".. وقالت عنه د. سهير القلماوي: " إن هناك كثيرين يكتبون للأطفال. لكن القليلين فقط هم الذين أنتجوا أدبا حقيقيا، وعبد التواب يوسف في طليعتهم كما وكيفا".