الإشارة التي قدمتها رواية الاسباني لويس سبولبيدا في روايته (قصة النورس والقط الذي علمه الطيران)، تقدم معني ربما لا يتحلي به الإنسان الذي يأكل الإنسان الآخر معنويا من خلال الغيبة أو النميمة ويمكن ان نطلق عليه الأكل الرمزي، فقد افترض الروائي من خلال المتن الحكائي ان يبيّن قدرة القط الأسود السمين (ثورباس) في التعامل مع النورس الذي أنهكه الطيران بسبب تلوث أجنحته بماء البحر الملوث بالنفط، بحيث صعب طيرانه، وهو في هذه المحنة يضع بيضة ويتركها مع القط الأسود (ثورباس) ويوصيه مجموعة من النصائح التي يأخذها (ثورباس) علي محمل الجد حتي يعلم الفرخ الطيران، وربما هذا الافتراض الذي قدمه الروائي في صعوبة التعامل مع المتناقضات هو نوع من السخرية من الإنسان الذي يتعامل بطريقة خبيثة مع بني البشر، مع ان المفكر الفرنسي (جان جاك روسو) مؤسس الثورة الفرنسية، يؤكد ان الأصل في الإنسان الإنسانية وما يلحق ذلك من تعصب أو وحشية، فهي ليست من أصوله، في حين الحيوان المفترس قد خلق لهذا الأمر، وما قد نشاهده من طيب تعامل من بعض الحيوانات المفترسة فهو إنتاج مغلوط لطبيعتها، واذا كان الافتراض الذي سعي إليه المؤلف له غايات من اجل تقديم عمل روائي يضع الخصوصية كجزء من البناء، فإن الافتراض تحوّل في بعض الأحيان إلي حقيقة، وهذا يدل علي إننا لسنا بنا حاجة إلي قراءة مثل هذه الرواية لنتعرّف علي السلوك المغاير لبعض الحيوانات التي تتعامل مع الضد برفق. حتي لا أطيل عليكم.. تعرّض بيتنا إلي أكثر من سرقة في زمن النظام السابق والنظام الديمقراطي الحالي، مما دفع أبي المحب إلي طيور (الحب، والكناري) إلي البحث عن (كلب زينة) يضعه في حديقة بيتنا لينبهنا في بعض الأحيان عن حالات السطو.... تحدثنا بالأمر بشكل عابر، وإذا بعد أيام.. يحضر أبي (كلبة صغيرة) للغاية اسمها (لولو)، كنت اضحك وأنا أقول له: -هل فعلاً هذا... وهل هذه الصغيرة.. ستنبهنا لما قد يُقدم عليه اللصوص...؟. أجابني: - أنها ذكية... مرّت سنوات و(لولو) تحرس الشارع بكامله حينما يمرّ الغريب في شارعنا، بحيث قال جارنا: - حينما تصرخ (لولو) أدرك ان هناك طارئاً... ليس في هذا الأمر أية مفاجأة... تصلح للمقارنة، مع ذلك وجدت تشابها بين (لولو) وأصل الحكاية التي قدمها الروائي الاسباني، وسأترك كل سلوكيات (لولو) الغريبة إلي موقف بقي محفوراً في ذاكرتي، حينما كنت أنظر إليها من النافذة المطلة علي الحديقة، اذ رأيت عصفوراً مكسور الجناح، كان قريبا من (لولو) وكلما أبتعد عنها لأمر ما، أقتربت القطة لتلتهمه، ولكنه -أي العصفور- في لحظة إقترابها، يهرب إلي (لولو) ويدخل بيتها الصغير.... كنت مستغرباً من هذا الوضع... وبقي العصفور في بيتها، ويأكل من طعامها الذي لم يكن يتضمن أي لحوم، وإنما شكولاته وخبز أمي، ضمن هذه اللعبة مع القط الخبيث لأكثر من أسبوع، حتي استطاع الطيران، وكانت (لولو) تلعب معه وهو يطير.... كنت أقول مع نفسي...سبحان الله...هل يعقل هذا ؟!!! جاء العنف الطائفي... فهربنا إلي مدينة الحلة (بابل) وتركنا (لولو) عند جارنا... وذات يوم اتصل ليقول لقد أعطيتها لأحدهم، لأنني أود الهرب إلي محافظة أخري... اعذروني لم يبق في المنطقة أحد، وقد أخذها سائس لا أعرفه.... كنا في ذهول ...لأننا لم نعد نري (لولو).... غابت (لولو)...وبقيت قصتها في ذاكرتي... كم من (لولو) يحتاج واقعنا لنخرج من مأزق عدم الثقة... سننتظرك يا (لولو).. العراق