هل نحن نثور علي الماضي؟ كيف نفصل بين الخيال القديم والخيال الجديد؟ أم أن الخيال شيء لانثور عليه، شيء لاينتمي فقط للماضي؟ دائما تنسب الثورات لقوي تتعدي الواقع، لواقع يتحول إلي قطعة من خيال، عندها يصبح كل شيء قريب، وللمرة الأولي يتطابق الشعب مع أحلامه. علي أي ماض نثور؟ وداخل نسيج هذا الماضي توجد تلك العلامة المائية لشخصية الشعب أوضميره، والتي تظهر وتختفي حسب اتجاه رؤيتنا لها. لذا فهذا الماضي ليس ماضيا شخصيا، أو رمزا شخصيا يمكن أن يحل فيه ويمثله، إنه لم يعد " الأب" الذي نثور عليه، أو ماضي الظلم والخوف، أو الماضي الذي يحوي صورتنا التي نود أن نتخلص منها وننساها. إنه ماض يتعدي كل هذا، ولايمكن سجنه في رمز واحد دال. إنه ماض عام يحتوي كل هذه الجوانب المرفوضة والتي نطمح لتغييرها، وأيضا يحتوي علي بداية الخيط. ماض بعدة أوجه ومخادع، مثل العلامة المائية التي لاتري إلا في اتجاه رؤية معينة. إنه الماضي العام الذي لايرتبط بجيل معين يمثله، أو بفكرة تلخصه، أنه يتعدي الجيل، والفكرة والترميز. كما أن المستقبل الذي تفتحه الثورة، هو أيضا مستقبل يتعدي الترميز، ولايمكن شخصنته في جيل بعينه، لأن زمن الثورة ممتد. داخل هذا الماضي مازلنا نسمع نبضا لحياة استمرت حتي الآن، داخله سيرة الحياة نفسها بدون زيادة أو ادعاء. فالزمن لايتحرك بقهر وتكرار فقط ليصل إلي الحاضر والمستقبل، ولكنه يتحرك بتواقت مع إرادة فاعلة داخل هذا الماضي. إنه الماضي/ المستقبل، الماضي المفتوح الذي يتجاوز كونه ماضيا. هذه الإرادة التي تنقل الماضي وتتواقت مع الزمن حتي لاتشيخ وتكبر، ربما هي في أحسن صورها صورة أو ضمير هذا الماضي. بالرغم من كل شيء فالثورة تجبرنا أن نضع هذا الخط الفاصل بين الماضي والحاضر، بين الخيال القديم والخيال الجديد. الثورة هي التي جعلت هذا الماضي يطل علي الحاضر بدون خوف ويطرح علينا معاناته أو شهادته. الثورة تجبرنا أن نتحايل عليها وعلي فواصلها الزمنية، لنعيد تفسير هذا الماضي. ليست هناك جهة أو زمن بعينه هو المسئول عن الخيال. عندما نصيح في وجه أنفسنا بعد الثورة أننا نريد حلولا من "خارج الصندوق". بتكرار هذه الجملة أشعر عندها بأننا نسبح كشعب وسط المجرات بدون أي جاذبية تحفظ اتجاه هذا الشعب. لاأفهم تعبير من "خارج الصندوق". أي صندوق؟ هل هو صندوق الماضي؟ أم صندوق الخيال المستعمل؟ وأي زمن تعيش فيه هذه الحلول، أو تأتي منه هذه الأفكار؟ إنها وإن كانت صيغة تحمل التجديد وطلب الحلول غير النمطية، الحلول التي تعتمد علي خيال محلق بلا زمن له، إلا إنها أيضا صيغة قديمة، ترتبط بتفسير أحادي للماضي، كونه مكان الإخفاق. إنها صيغة كما تحمل التجديد، فهي تحمل اليأس، صيغة أشم فيها رائحة ادعاء قديم. ربما نريد حلولا من داخل الصندوق. إذا كان الماضي إرثا جماعيا، فالمستقبل أيضا إرثا جماعيا، يتوزع حسب العمر والطموح والأمل. الماضي ليس هو الأب، أو محصلة الخطأ، الماضي أوسع من كونه مكان الخطأ أو التكرار. الماضي لأي ثورة حديثة ليس هو الماضي الفرويدي.