الأربعاء المقبل يكون مر عام كامل علي قيام ثورة يناير.. عام شهدت مصر أحداثاً سياسية لم تشهدها في عدة حقب، والخلاصة أن رأس النظام سقط ولا زال يقاوم، والجسد حي، ويلتف كاللبلاب علي رقبة الثوار الذين قدموا حتي أمس القريب شهداء بالعشرات.. الأفق ضبابي، والمستقبل غائم، وفي ظل هذا لا نملك إلا أن نطرح الأسئلة، في محاولة لتلمس الخطوات، وإضاءة الطريق، وإن كانت الإجابات صعبة، لأن الثورة مستمرة وساخنة.. ما الذي سيفعله تيار الإسلام السياسي بنا؟ هل سيصبغ المجال العام بأفكاره بحيث يصبح المجتمع نهباً لفكر أحادي لا يقبل بالتعددية، أم أنه سيستجيب لحالة الوسطية المصرية، وسيعيد تشكيل نفسه ليتواءم مع مجتمع لا يقبل بالعنف والتشدد؟! هل يسيطر علينا تيار الإسلام السياسي، مثلما فعل في دول مجاورة، مدعوما بنص مقدس يظن أنه يمنحه حق قيادتنا؟ هل ستتحالف التيارات الإسلامية أم أن صراع المصالح في الواقع السياسي سيستمر وما الذي سيفعله التيار الليبرالي في مواجهة التشدد؟ هل ستتحد الأحزاب الليبرالية الوليدة.. لتشكل جبهة قادرة علي تحمل ضغط (الذقون) وقوتهم التراكمية، وتغلغلهم في الشارع المصري؟ هل يستمر العسكر في سياستهم التي تقوم علي تجاهل المطالب الحقيقية التي نادت بها الثورة الأولي؟! هل سيتمر العسكر أصلاً أم أنهم سيستجيبون للنداءات المتواصلة ويعودون إلي ثكناتهم؟! وما الذي ستأتي لنا به الثورة الثانية؟ والأخطر.. هل تغرقنا أزماتنا في الفوضي؟ باختصار، وبعد مرور سنة علي ثورة، أصبحت مثالا في العالم كله، نسأل: وماذا بعد؟ هل يأخذنا الصراع السياسي أبعد مما ينبغي بالفعل.. فتتحول الممارسة السياسية إلي لعنة، بدلا من كونها فعلا يقود إلي عملية ديموقراطية حقيقية توفر الحرية لكل فئات المجتمع؟ كل سؤال من تلك الأسئلة يمكن أن يتفرع عنه عشرات الأسئلة الفرعية، ونحن لسنا معنيين بالإجابات بقدر ما انشغلنا في هذا الملف، الذي يأتي وتأتي معه "25 يناير ثورة مستمرة"، بالرصد الموضوعي لعدد من النقاط الرئيسية التي نراها مهمة لمن يبحث عن إجابات..واحدة من تلك النقاط يتعلق بالاختلاف الذي حدث للشخصية المصرية، فإذا كان هناك من تحدثوا عن سقوط حاجز الخوف باعتباره نتيجة مباشرة للثورة، فإن هناك تحولات أخري حدثت لتلك الشخصية علي مدار هذا العام، أو لتحري الدقة فلنقل إن تلك الشخصية استردت نفسها، ومن بين ما استردته الاهتمام بالشأن العام، فواحدة من الإيجابيات المهمة للثورة أنها أعادت للجميع الإحساس بمعني الوطن، والإيمان بأنه وطن للجميع لا لفرد أو جماعة أو فكرة بعينها، غير أن الإيجابيات يترافق معها بطبيعة الحال التناقضات، في النظرة إلي الثورة، وإلي عملية التغيير، فمن البساطة ملاحظة أن كثيرين يتبنون الثورة ومبادئها عندما يرون المكاسب، وهم أنفسهم من يتنكرون لها ولمن قاموا بها عند أي مشكلة، من دون فهم لأن تبني فكرة يحتاج إلي الإيمان بها، وربما التضحية من أجلها، لتحقيق أهدافها... تلك الثورة العظيمة والتي ألهمت شعوبا عديدة السير علي خطاها، نلاحظ أيضاً أنه يتم اختزالها في رموز، ولسنا بالطبع ضد تلك الرموز بقدر ما نعرف خطورة اختزال المعاني المتعددة والمشاهد المتنوعة في رمز واحد.. أخيرا، نحن نرصد كل ذلك، وغيره، ونعرف أن الخوف الذي يشيعه البعض بمناسبة اقتراب ذكري الثورة لا مبرر له، فالمصريون وجدوا أخيرا وطنهم الذي ظلوا يحلمون به طويلاً... ولن يضيعوه، فخلف الحالة الضبابية، هناك الأمل، ومن المؤكد أننا سنصل إليه.