كانت الاشجار يوما بذارا صغيرة، والأنهار سواقي نحيلة، والعضلات المفتولة كومة من اللحم المترهل، والقلاع حجارة مبعثرة، والطوفان نقاطا من المطر. كل ذلك، كان في يوم ما صغيرا. إذ إن لايمكن أن تنبت الاشجار فجأة، ولا القلاع تبني في ليلة وضحاها، ولا الفيضان والعواصف تضرب وتهب بغتة. وتولد الفراخ عارية، ثم يكسو جسمها الريش، ريشة ريشة، والعضلات القوية لم تقو لو لم تتدرب وتتعب في كل صباح، ولا الطوفان كان ليحدث لو لم تتحد قطرات المطر وتمشي موحدة. وشجرة واحدة لا تكون غابة، وساقية صغيرة لا تدعي نهرا، وزهرة وحيدة لا تصنع حديقة، وصوت جميل سيبقي يتيما، منعزلا، إذا لم يرافقه آلة ولحن. ولاكل من نام علي ريش النعام، حلم أحلاما وردية، ولا كل من حلم تحققت أحلامه، ولا كل من اكتوي بجمر الحب، يشبه ذاك الذي اكتوت أصابعه بالنار، ولا كل من باض طار، ولا كل من طار، صار له منقار. ومن يزرع الحسك، عبثا ينتظر أن يخرج له السمك من تحت التراب، ومن يرفع عصاه وصوته في وجه الشمس، لا يتوقع مطلقا من الشمس أن ترد عليه أوتغيب، ومن يشم الورد، يختلف عن ذاك الذي يأكلها. والخبرة غير الاختيار.. فليس كل من ازداد عمره ازدادت خبرته، وارتفعت كرامته، فبعض الناس كنبات الحنظل » كلما ازداد ريا، ازداد مرارة«. ولايوجد مرارة تعادل المرارة في القلب، ولا انكسار يعادل انكسار الروح، ولاذل يساوي إذلادل اللئيم للكريم، والجبان للشجاع، والعبيد للأحرار. لكن الجبال لاتذوب بذوبان ثلوجها، ولا النجوم تختفي إذا حجبتها بعض الغيوم المارقة، ومثلما الجذور لا تتفحم بتفحم أشجارها، كذلك هي الحرية والعزة والكرامة، لا تختنق بشنق أصحابها، ولا تموت حبات القمح بسقوطها من سنابلها، ولا بمقدور الأسلاك الشائكة أن تعتقل الصواعق، أو تصد هيجان البحار، وتحبس البرق والعواصف. صحيح أن الربيع يأخذه الشتاء، لكنه سيعود، والجمر قد يخمد، لكن هبة ريح قد تشعل فيه النار من جديد، والشمس تغيب، لكنها لا تنطفيء، والنمور قد تغفو، لكنها أبدا لاتنام، والموج قد يهدأ، لكنه سيعود يوما ليضرب الشاطيء، ويحفر اسمه علي الصخور. سوريا