وقد ساقني الحال حتي أفاوض وفد عدوي لعلي أنال المتاح من البر من عفوه فيسرحني - كيف شاء - سراحا جميلا ولا بأس أن أتطوع للعزف في جوقة المنشدين العمين العجائز.. من تحت أقدام هذا الاله الوثن ونطوف من حوله خاشعين أمام ضريح الوطن قلت: فكر قليلا فأدركت أن لي أن أتخير موتا جديدا يناسبني في حدود النظام الجديد تخيلت أني تخيرت أني أجرب هذا المصير الأكيد فقلت اذا لأجرب هذا الجديد
فقلت لنفسي وماذا إذا لم أفاوض؟ تري هل أحارب؟ ها ها!! تري هل أعاند؟ ها ها!! فهيهات هيهات.. حتي ولو قايضوا رغبتي في الحياة بما يتبقي من الذكريات أرجعها في حنين يئن علي طلل من بقية هذا الوطن أجبت: هو المستحيل.. نعم.. مستحيل بألا أفاوض حتي.. ولو فرضوا ال.. مستحيلات حتي.. ولو...!!
وأذكر أن نازعتني النوازع ألا أفاوض قلت لنفسي: إذن أي شيء أفاوض من أجله بعدما ضاع ما ضاع في لجة السيل بيتي وسكان بيتي.. وبستان عائلتي.. وحقوق أبي والجدود ومسجد قريتنا والكنيس التليد وقبري الوحيد
هو السيل أهوي علي جثة الأرض والأفق بوابة للجحيم.. وأنا مترع بأماني النجاة نسيت عيالي ودست علي رأس أمي وهشمت رأس أبي تحت أقدام هرولتي باتجاه سراب الحياة أروم النجاة بنفسي مضيت.. ولم أدر أني أفر من الموت للموت حين تخيرت أني أعيش وحيدا بعيدا.. طريدا عن الوطن المستباح لأغوال هذا الزمان وغائلة الريح تقصمه يغتدي مضرجا بدماء الصباح قتيلا
أالآن تذكر هذا الصباح القتيل!! سفعت بسوط الندامة نفسي وألقيت من خزي أمسي علي جسدي ذكريات نجاتي شعورا ثقيلا.. بكيت وما عاد يجدي البكاء وقد صوح اليأس في جنبات السماء وسد المدي.. لا ضياء
وبين احتدام الهواجس في سكرة الهذيان صليت الرجاء علي باب قلبي وأفرغت ما يتبقي من الماء بين شقوق الفؤاد ومسحت ما كان يبقي علي الوجه من قطرات الحياء ومزعت وجه غدي الميت.. وأهلت علي جثتي من رماد المسائل والأجوبة.. وأسلمت نفسي لقعقعة العدم الأبدي وفي أذني قهقهات عدوي يداعبني خلف مائدة الموت وهو يناولني قدحا من دمي: لنشرب نخب السلام!!