أكثر من عشر سنوات ، وأنا أريد أن أكتب، عن (الهوي دون أهله) كتاب حازم صاغية عن أم كلثوم ( دار الجديد1991) ليس لأنه كتاب جميل و ممتع ، أعجبتني رؤيته وأسئلته وأفكارة ، ولا لأنني ضد أم كلثوم ، أو ضد الفكر القومي الناصري ، الذي يعلن الكتاب الحرب عليهما، في هجائية محمومة.. لكن لأسباب أخري عديدة ، ظل يلاحقني الكتاب بتأثير.. العنوان المبهر واللافت ، وهو تنويعه علي أغنية أم كلثوم ( أهل الهوي) رغم أن الكتاب ، لم يشغله الهوي (صوت أم كلثوم وقدراته وإبداعه وجماله، إدمان الوحيد ، برؤية محمود درويش ) مكتفيا برسم صورة لأم كلثوم (استمدها من كتاب د. نعمات فؤاد عن أم كلثوم ) صورة معصومة ،ومقدسة، متعالية ، خارج الجنس والنوع، فلا هي (أنثي) ولا هي (ذكر) أنها كائن مقدس في قلوب عشاقها ، وهي بهذة الصورة تعادل صورة عبد الناصر، كنموذج ساطع للمشروع القومي ، وهي أيضا الفرصة التي خلقها صاغية ليصب فيها لعناته علي القومية والعروبة ،هو الذي بدأ تاريخه كقومي ناصري، ثم قومي سوري ، ثم تحولات آخري من الشيوعية ، الي الخومينية، الي الأمريكية ، وفي كل التحولات خرج تماما عن العروبة، التي ودعها نهائيا في كتاب لاحق ( وداع العروبة). قبل عشرين عاما جعل صاغية من أم كلثوم عبد الناصر، (عبدالناصر الغناء العربي) لكنه في كتابه الجديد الصادر قبل عام (نانسي ليست كارل ماركس) يرفض التماهي ، يعترف أن كليهما صرعة ، نانسي صرعة غنائية ، وماركس صرعة سياسية ، ولا أفضلية لثقافة علي أخري..أنه أيضا الانقلاب علي ماركسيته القديمة!! ظل (الهوي دون أهله) يلاحقني طوال سنوات، ككتاب صادم ، وجاذب في آن واحد ، ربما لمنهجية الاختلاف فيه، خاض في المسكوت عنه ،وناقش ما كنا نعتبره خارج النقاش، ربما لأن فكرة ( الخروج) نفسها ،في ذلك الوقت ، كانت مدهشة ومبهرة،وهي ما منحت الكتاب هذا التأثير ،وأضافت لرصيده ورصيد وصاحبه.. عندما استعدت قراءة كتاب صاغية من جديد ، لم يصمد سوي العنوان الجميل ، بدت الأفكار ساذجة ومفتعله ، تلوي عنق الأشياء ، وبدا الخروج عاريا، وهزيلا دون السؤال(الي أين؟)..لكن أيضا إعادة القراءة ، هي إعادة نظر ، ومواصلة للحوار، وتقييم لعلاقات الاختلاف.. ( خروج ) صاغية بعد عشرين عاما ، بدا خلافا لا اختلافا، رغبة في المناكفة ، وإصرار علي فرض الرأي ، لا حوارا ولا مراجعة..