بالإمكان أن نفرح كثيراً، أو نفرح قليلاً بحصول فلسطين علي العضوية الكاملة لليونسكو أغلبية 107 دولة، وامتناع 52 عن التصويت، ومعارضه 14 دولة.. أغلبية تعكس تغييراً في وعي العالم، ربما في ضميره أيضاً تجاه القضية الفلسطينية. كثيرون هللوا لمقعد اليونسكو، باعتباره خطوة نحو دعم جهود الحصول علي مقعد الأممالمتحدة، المنتظر تحديد قراره النهائي في 11/12 المقبل، في حين أن مقعد اليونسكو ربما أكثر أهمية، يتجاوز الهدف السياسي والدبلوماسي، إلي الهدف الحضاري والثقافي، من حيث هو تعبير عن الحرص علي الهوية الوطنية الفلسطينية، وتأكيد شرعيتها، خاصة في ضوء المحاولات الإسرائيلية لتهويد الأرض، وتغيير ملامحها وسرقة تراثها. صرخ مندوب إسرائيل في اليونسكو بعد فوز فلسطين إن قرار المؤتمر العام مأساة لفكرة اليونسكو!! وتساءل كيف تقبلون دولة لا وجود لها؟ إنها دولة افتراضية!! المندوب الإسرائيلي نسي أن يكمل جملته المفزوعة، بأن الدولة الافتراضية تلك، هي التي قاموا بسرقة أراضيها وتاريخها وتراثها، سرقة برتقالها وزيتونها، سرقة حتي الرسومات والنقوش علي أثواب نسائها وأدوات زينتهن، نسي أن يُكمل، أنهم يسيطرون بحكم الاحتلال علي معظم المعالم الثقافية الفلسطينية، خاصة في القدس الشريف، أعلنوا ضم الحرم الإبراهيمي في الخليل، وقبر راحيل في بيت لحم، ومغارات قمران في البحر الميت . وجبل عيبال شمال نابلس، وجبل حرزيم جنوب نابلس، وقبر يوسف و بئر يوسف في قرية سبسطية، والعديد من الجرائم الثقافية التي يتم انتهاكها كل يوم بحق الإرث الفلسطيني. أهمية خطوة اليونسكو ليست فقط تثبيت الهوية الفلسطينية الثقافية علي خريطة العالم، ولكن أيضاً فرض أشكال حماية، وإلزام المجتمع الدولي بملاحقة الجرائم الثقافية، وكل محاولات الطمس والإدماج والسطو الإسرائيلية علي الحق الفلسطيني، وفرض طريقة تعامل دولية جديدة مع الآثار والأماكن المقدسة، في الأراضي الفلسطينية. طبعاً فلسطين ليست مجرد ذاكرة،أو حق ضائع ليست الأندلس وليست الأهرامات ولا أبو الهول وليست حديقة أكبرية الإيرانية المرشحة للدخول إلي اللائحة العالمية للتراث، فلسطين ليست فعلاً ماضياً، ولكنْ فعل حي ينبض علي أرض الواقع، فعل مستقبلي بالضرورة، مستقبلي بالقوة المؤكدة . باستمرار المقاومة، ومستقبلي بتدويل الصراع وإعلان الحرب الدبلوماسية.. حقيقي أن مقعداً في الأممالمتحدة ليس بديلاً عن الدولة فالأممالمتحدة لا تمنح دولاً، ولا تعطي شرعية لكيانات افتراضية، ولكن تصعيد المقاومة إلي العالم، قوة مضافة إلي القوة الأساسية علي أرض الواقع.