اذا كانت الدولة تضع كادرا خاصا للقضاة، لأنهم يقضون في قضايا الناس والأفراد، فما بالنا بالمعلمين الذين يحكمون في قضايا الوطن والمستقبل. هكذا قال عميد الأدب العربي طه حسين. فقد بات من المسلم به انهيار التعليم المصري تماما تحت وطأة نظام مبارك الفاسد، ففيه خرجت المدرسة المصرية من كافة المسابقات والمعايير الدولية، لتلحق بها الجامعات المصرية، وصارت وزارة التعليم مجرد واجهة لحراسة ذلك التدهور، وللاعلان عن وجود تعليم في مصر. وللوقوف علي الحالة التعليمية في مصر وكيفية الخروج منها، ووضع خريطة للسير عليها في محاولة لاصلاح ما يمكن اصلاحه.. كان هذا الحوار مع الباحث عبدالخالق فاروق»الخبير في الشئون الاقتصادية والاستراتيجية والحاصل علي جائزة الدولة التشجيعية عن كتابه « كم ينفق المصريون علي التعليم. وعن هذا السؤال أجاب فاروق: أن الأسرة المصرية أنفقت في عام 2006 ما بين 39 مليار جنيه حد أدني الي 54 مليارا في السنة، موزعين علي 18 مليارا دروس خصوصية، 13 مليار مجموعات تقوية، مليار «كتب خارجية» 15 مليارا «مدارس خاصة» 5 مليارات التعليم الجامعي الخاص. ويري عبدالخالق فاروق أن خارطة الطريق الاصلاحية لخروج التعليم من نفقه المظلم ترتكز علي ثلاثة محاور، الأول تنظيمي بما يعني اعادة هيكلة قطاع التعليم عن طريق إلغاء ما يسمي بهيئة الجودة التي تستنزف كثيرا من الأموال والقروض لصالح حفنة قليلة من ذوي المحسوبيات بالنظام السابق، مع العودة الفورية، لادارات التفتيش التعليم بشقيها المالي والاداري . والتوسع في هذا القطاع، ويضاف الي ذلك اعادة تنظيم هيكلة ديوان عام الوزارة، والمديريات التعليمية، بحيث يتعزز دور مركز البحوث التربوية ومراكز البحوث المتخصصة في مجال التعليم، لتصبح هي العقل المفكر وحدها دون سواها في قضايا التعليم. كما يتضمن المحور التنظيمي، إعادة النظر في مركز ودور المدرسة الحكومية ورد الاعتبار . لها علي كافة المستويات، التعليمية والتربوية، وتقليص التوسع غير المبرر والمفهوم في المدارس الخاصة التي زادت من 667 مدرسة عام 1976/1977، الي 5 آلاف مدرسة، كانت تستوعب 150 ألف تلميذ وتلميذة، ليكون عدد تلاميذها هذا العام 2011 يشكل من 10 الي 12٪ من اجمالي الملتحقين بالتعليم قبل الجامعي، وهذا ما ينطبق . أيضا - علي الجامعات الخاصة التي زاد عددها من جامعة واحدة في مصر عام 1976 الي أكثر من 17 جامعة خاصة، عدد كبير يمتص جزءا كبير ا من الفوائض المالية المتاحة لدي الأسرة المصرية، كان يمكن أن تؤدي الي تحسين مستواها المادي، لو كانت المدارس والجامعات علي مستوي جيد، وتؤدي دورها بكفاءة. أما المحور الثاني لاصلاح التعليم يتعلق بالمستوي المالي والاقتصادي، هكذا يري عبدالخالق فاروق. فيقول: رغم أن الاعتمادات المالية المخصصة لقطاع التعليم لا تشكل أقل من 7٪ من اجمالي الموازنة العامة للدولة (415 مليار جنيه) للتعليم الجامعي وما قبل الجامعي، 8 مليارات للتعليم الجامعي، والباقي لما قبل الجامعي، وهو غير ظاهر، لأن 75٪ من تلك الموازنة عبارة عن أجور ومرتبات ومكافآت، وهي غير كافية. . لماذا؟ يجيب: لأن الوزارة بها 17 مليون مدرس وموظف، فهي أكبر وزارة موظفة في الدولة، يليها وزارة الداخلية، وبالتالي فإن هذا الحجم الضخم من الموظفين يعملون بنظام الادارة المحلية، لا يحصلون إلا علي مرتباتهم الأساسية، مضافا اليها حوالي 75٪ حافز اثابة، وهو ما يعادل 200 مليون جنيه في نهاية السنة المالية (مكافأة الامتحانات) بالاضافة الي مكافآت التصحيح، وهذا المبلغ يقدر (هذا العام) بحوالي 8 مليارات جنيه. ويوضح: أي أن ما يحصل عليه العامل في التربية التعليم يعادل 200٪ الي 250٪ من الأجر الأساسي شهريا علي مدار العام، وبالمقابل، فإن العاملين في المدارس يحصلون علي 1800٪ من المرتب الأساسي شهريا، والعاملون في رئاسة مركز الوزارة، يحصلون علي 1375٪ من المرتب الأساسي شهريا، والعاملون في وزارة المالية يحصلون علي 1000٪ شهريا، وكذلك العاملون في مصلحة الضرائب، وهكذا. اذن هناك خلل جوهري في ادارة نفقات الباب الأول الأجور، والمرتبات والمكافآت علي مستوي الدولة. وضرب فاروق مثلا، علي هذا الخلل بأنه تم تعيين 25 ألف مستشار خلال الفترة من 2000/2010، وهم من أصحاب الخطوة والوساطة (رجال الحزب الوطني ولجنة السياسات)، ويقدر تكاليف ما يحصل هؤلاء سنويا بحوالي 8.7 مليار جنيه، هذا الخلل الجوهري يعكس تشوها في السياسات المالية، وخلق تناقضات اجتماعية تدفع الي حالة التذمر والغضب لدي كافة العاملين بالتربية والتعليم وغيرها من القطاعات. . وسألته عن الحل؟ فقال: علي الصعيد المالي يمكن اتخاذ مجموعة من الاجراءات، تتمثل في اعادة هيكلة الباب الأول من الأجور والمرتبات علي مستوي الموازنة العامة للدولة ككل، وعلي مستوي موازنة وزارة التربية والتعليم، بحيث يجري اعادة توزيع بند المكافآت وحافز الاثابة والعلاوات الخاصة وبقية عناصر الأجور المتغيرة مثل (بدل المعلم) وضمها الي المرتب الأساسي علي مدار العام،و هذا من شأنه أن يبلغ ما يحصل عليه المدرس شهريا ما بين 1500 الي 2000 جنيه، وبالتالي يتخفف قليلا من عبء الحاجة واللجوء الي الوسائل الابتزازية لأولياء الأمور للحصول علي الدروس الخصوصية. ويتضمن الحل - كما يقول فاروق - علي الاستحواذ الفوري علي فائض الصناديق الخاصة المقررة والمعروف قيمتها بحوالي (26 مليار جنيه)، وتنظيم برنامج استثمار مكثف في الأبنية التعليمية لتوفير حوالي 50ألف فصل سنويا علي مدار خمس سنوات قادمة، بما يؤدي الي تقليل كثافة الفصول، ونصل بها الي معدل 30 تلميذا في كل فصل، فتتوفر بذلك شروط موضوعية لادارة عملية تربوية صحيحة. كما طالب عبدالخالق فاروق في هذا المحور بإعادة هيكلة الاعتماد المخصص للكتاب المدرسي، بما يسمح بتوفير جزء من عملية التبديد في هذا البند الذي يزيد علي 15 مليار جنيه سنويا، يمكن أن نوفر منه حوالي 250 مليون جنيه، نستخدمهم لأغراض أخري، اما لتحسين أجور المدرسين، أو صيانة الأبنية التعليمية أو بناء مدارس جديدة. كما يري أن عملية الاصلاح تتطلب زيادة الاعتمادات المالية لقطاع التعليم والصحة، خصوصا التعليم بحيث تصل الي 15٪، لافتا الي اعادة النظر في كيفية استغلال الاجازة الصيفية، وهنا طالب فاروق بتطبيق البرنامج الذي اقترحه عام 1999، بشأن استخدام وقت الاجازة الصيفية بما يمكن الدولة المصرية أو المجتمع المصري من اكتشاف عشرات الآلاف من الموهوبين من أطفالنا في كافة مجالات الأنشطة العلمية، الرياضية، الاجتماعية، والأدبية سنويا، فضلا عن ضبط المدارس الخاصة بتقوية ادارة المراقبة علي المدارس الخاصة داخل الوزارة من أجل وضعها في مسار صحيح اداريا، وتعليميا، وماليا. واختتم عبدالخالق فاروق خارطة اصلاح التعليم في مصر بمحور ثالث وأخيرا، وهو خاص بالاستثمارات ووضع سياسات جديدة لادارة المنشآت التعليمية في مصر، وأوضح أن ذلك يتم من خلال برامج التعاون الدولي، سواء مع الدول أو مع المنظمات الدولية مثل اليونيسيف، لتمويل تطوير التعليم المصري والمدارس الحكومية.