كان صوت طه حسين في بداية فيلم (دعاء الكروان) إخراج هنري بركات، يمنح الكروان حضوراً مضاعفاً، يؤكد دلالاته، ويعمق مغزي استخدامه.. (عادة تظل الروايات أجمل في الذاكرة، من الأفلام التي تعالجها، خيال القارئ أكثر حرية من تحديده داخل رؤية واحدة، إلا القليل من الأفلام، منها »دعاء الكروان« برغم جمال وموسيقي اللغة عند طه حسين).. أبدي العقاد اعتراضاً علي استخدام طه حسين (الكروان) بدلاً من (البلبل) في عنوان الرواية، ذكر أن الكروان لا علاقة له بالرواية، بعيداً عن مضمونها وشخصيات أبطالها، وأن (البلبل) كان أفضل بالتأكيد، علي الأقل هو طائر مصري، يعرفه المصريون، وليس طائراً مهاجراً،لا يعرف إلا الفرار من بلد إلي آخر كالكروان! أغلب الظن أن اعتراض العقاد كان علي سبيل المشاحنة والتراشق ليس أكثر، فالعقاد نفسه أهدي الكروان ديواناً كاملاً هو (هدية الكروان)..! الأهم أن استخدام طه حسين لاسم الكروان في عنوان الرواية، واستخدام صوت الكروان، وترديده عبر فصول الرواية ، كان استخداماً شديد الدلالة، هو الصوت المحمّل بالشجن والألم ، وهو أيضاً الطائر الحذر، السهل اصطياده، فهو يحلّق علي مسافات منخفضة عادة، يقترب من الضوء، ولذلك يتم صيده عادة (بالكشافات).. كانت (هنادي) الكروان الذي تم اصطياده بسهولة، وكانت (آمنة) في رحلة ثأرها إلي بيت المهندس، ذلك الطائر الحذر، عرفت كيف تفرّ وكيف تهرب من الصياد، لكنها شأن الكروان، كانت تحلّق علي ارتفاعات قريبة، وقريبة جداً يغويها الضوء، والوهج المشتعل في المشاعر، فتسقط مثل الفراشة في الحب، إنه (الصيد) جوهر الرواية، وهشاشة الكروان.. قلت لوديع سعادة: هل تعرف الكروان؟ قال: لا أعرفه! قلت: لا يوجد الكروان في لبنان أو في استراليا؟ قال: لا أعرف، ربما يوجد بأسماء أخري.. قلت: هل قرأت »دعاء الكروان«؟ قال: لا! قلت هل شاهدت الفيلم الرائع بطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وإخراج بركات؟ قال: لا! خفت أن أسأله عن طه حسين، حتي لا أقع مغشيا عليّ!!