من فرط ترديد الحكاية، صارت حكايته، يمنحها اسمه وصوته، ويطوف بها في كل مكان ، يرويها لكل من يقابله بفرحة وزهو.. أحياناً يضيف إليها، أحياناً يختصر، لكنها حكايته، هو أول من يصدقها قبل الآخرين (أزعم أنه صادق، فقد اعتاد منذ سنوات علي تلك الحال، اعتاد لسنوات طويلة.. وأن تعتاد شيئاً معناه أن تسقط من تفاصيل أيامك الدهشة والسؤال، معناه أن تموت أشياء كثيرة في الوقت نفسه.. تفقد الحواس الكثير من قوتها وطاقتها بفعل الاعتياد.. ما أن تدخل في الضجيج حتي تنتبه حاسة السمع وتشعر بالانزعاج والتوتر، وما أن تبقي وتعتاد الصوت، يخفت الانزعاج ويخفت التوتر.. ما حدث أن ثمة شعيرات عصبية قد تم إتلافها، ثمة طاقة بُددت وتلاشت،ثمة أشياء ماتت، يحدث ذلك في كل الحواس، في كل مرة نعتاد فيها الأشياء!! اعتاد ترديد الحكاية، فصارت حكايته، وحين يصادف من يرويها غيره، يبدي دهشته الشديدة، فكيف لهم أن يرددوا العبارات نفسها، وكيف سنحت لهم الفرصة لمعرفة الوجوه والأماكن نفسها؟ يبدي دهشته لكنه لا يفعل شيئاً سوي أن يتمتم: ربما!! كثيرون يستعيرون الثورة وحكايات التحرير، بعضهم يعلق صورته في الميدان مبتسماً، رافعاً علامة النصر، والبعض الآخر يؤكد أن الثورة خرجت من بيته، حلم بها، ورتب أحداثها، وحدد أماكنها، وصاغ تفاصيلها، وتنبأ بكل صغيرة وكبيرة فيها. كم نحتاج لإدراك الحكاية، والتهام تفاصيلها؟ كم نحتاج للإقامة في الصورة بعد أن تم نزع الوجه وتمزيقه؟ في حكاية زكريا تامر، احتاج النمر إلي عشرة أيام حتي يتقدم ليأكل التبن.. وفي مسرحية ازوالد دراجون، »الرجل الذي صار كلبا« ، احتاج العامل لثلاثة أشهر ليصير كلباً.. عمل كلب حراسة، بعد أن مات كلب صاحب العمل، يعيش وينام في كوخ الكلب، ويضطر للنزول علي أربع للدخول إلي الكوخ، ولكي يتقن عمله ويرضي صاحب العمل تعلم النباح، وعندما هم بتقبيل زوجته رفضت، فقد خشيت أن يعضها! التحول الأكثر خطورة يقطع الزمن، لا يحتاج إلي وقت ،لايحتاج إلي ضغط أو قهر أو إذلال، لايحتاج إلي تعذيب وتجويع.. فقط يحتاج لأن يعتاد كثيراً.. يعتاد لسنوات يفترس خلالها الوجه ويبقي القناع.