الاحتفال ب59 عاما علي ثورة يوليو، ليس وقوعاً في فخ الحنين، وليس حفاظاً علي الماضي ولكن تجديد لآماله وأحلامه.. هو احتفال بالمعني والغاية. "علي جثتي". صاح محمد شعير حين اقترحت (ثورتنا المصرية) عنواناً لملف صور جمال عبد الناصر، في هذا العدد.. بدت صيحته استعراضية فاضحة للتناقض، وكاشفة عن بعد المسافة بين جيل وجيل.. أكمل في نبرة أقل حدة: "عبد الناصر زرع داخلنا الكرامة، زرع العزة، لكنه زرع أيضا الخوف". (تبدو العبارة استهلاكية أو إطلاقية تنازع الفكرة وتلاحق نتائجها وتطبيقاتها لا معناها، تجابه دولة العسكر قبل العسكر أنفسهم، فقد ولد شعير في عصر السادات، وكبر في عصر مبارك)!! كان جيفارا -ولايزال- مثالاً للبطولة وأيقونة للثورة، لكن برامجه الاقتصادية في رأي الاقتصاديين- كانت كارثية، ورومانسيته القاسية أدت أحياناً إلي الوحشية! هل تنفي الثورات الثورات؟ هل لابد أن تتناقض وتتصادم، وتسعي كل ثورة إلي إسقاط تاريخ الثورات قبلها، تماماً كما فعل الفرعون بالفرعون السابق عليه، يمحو آثاره وتاريخه وملامحه؟.. حفر السادات صورته فوق صورة عبد الناصر، فوق النصب التذكاري للسد العالي "إحدي معارك عبد الناصر الكبري"! تاريخ الفراعين يختلف عن تاريخ الثورات، وحكايات الطغاة لابد أن تتناقض مع حكايات الثوار! يوليو 52، كانت حركة الضباط الأحرار، وكان طه حسين هو أول من أطلق عليها لفظ الثورة (1952)، وكان التفاف الشعب تأكيداً وضماناً لقوة الثورة في الروح. وفي 25 يناير (ربما في انقلاب الأرقام دلالة ما) خرج الشعب مطالباً بحريته، وكان الجيش وضباطه الأحرار سياجاً يصد الرصاص ويصون ثورة الشعب.. (الجيش والشعب يد واحدة) ليس شعاراً، ولكن حقيقة تاريخية امتدت من يوليو حتي يناير. يعترض شعير وتعترض منصورة عز الدين علي دولة العسكر، أو مجلس الوصاية.. أو صورة الأب الذي لا يكبر أبناؤه أبداً.. رؤية تنطوي علي رغبة في اقتلاع صورة الأب، وتنطوي أيضاً علي رغبة في احتكار الثورة لحسابها الخاص! الاحتفال ب59 عاما علي ثورة يوليو، ليس وقوعاً في فخ الحنين، وليس حفاظاً علي الماضي ولكن تجديد لآماله وأحلامه.. هو احتفال بالمعني والغاية، يمتد إلي الخلف ويمتد إلي الأمام أيضاً، ويتواصل في مسيرة عميقة، مثل كل الثورات إلي المستقبل.. صلة عميقة وباقية بين ثورة يوليو (حرية. اشتراكية. وحدة) والثورة الفرنسية (حرية. مساواة. إخاء) والثورة الروسية (خبز .سلام. أرض) والثورة المكسيكية (أرض وحرية).. حتي 25 يناير حين تكتسب المعاني قوة الحشود.. فقدان الذاكرة ليس حواراً، فهو لا يقتصر علي تجاهل الإرث التاريخي للثورات، ولكن يؤدي إلي عدم تعلم الدروس (والذين يتجاهلون التاريخ.. يكررونه في الأغلب).