في كتاب "الثورة المصرية" يستعرض الكاتبان الماركسيان الآن وودز، وفريد ويستون، ما حدث في ثورة 25 يناير، حتي سقوط الرئيس المخلوع، وتأثير سقوطه علي العالم.. واللحظة التي يبدأ منها الأول، هي الشرارة التي فجّرت الثورات العربية، ومنها المصرية.. الشرارة التي بدأت من عند إخوان "بوعزيزي". كانت أحداث الثورة التونسية ملهمة بالطبع، يستطيع الناس أن يروا بأم أعينهم أن أقوي جهاز أمن لا يمكنه منع الإطاحة بالديكتاتور فهل كانت الثورة التونسية سبباً وحيداً إذن؟ لا. يقول الآن وودز، ويضيف: "أظهرت تونس ما كان ممكناً، ولكن سيكون من الخطأ تماماً أن نفترض أن هذا هو السبب فقط، أو حتي أنه السبب الرئيسي، فقد نضجت بالفعل الظروف لانفجار ثورة في جميع هذه البلدان، وكل ما كان مطلوباً، هو الشرارة لإشعال برميل البارود، وتونس قامت بذلك. يستحضر وودز مقولة للينين كتبها في 1916 "الثورة الاشتراكية في أوروبا، لا يمكن أن تكون أي شيء آخر سوي موجة من النضال الجماهيري، من جانب العناصر المتنوعة، والساخطين". وعلي نفس المنوال الذي سارت عليه الحركات في أوروبا الشرقية، بدأت الجماهير في العالم العربي تطيح بديكتاتورياتها: "لقد دخلنا بشكل حاسم في عهد الثورة العالمية، ويتجلي الطابع الأممي للثورة أكثر وضوحاً مما كان عليه، في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إنه ينتشر دون توقف من بلد إلي آخر". الصورة في مصر لم تكن واضحة في البداية، ولكن الأمور كانت تنجلي بمرور الوقت. فمثلاً، حاول البعض الإيهام بدور عملاق للإخوان.. كانت ثمة محاولات تقوم بها وسائل الإعلام للزج بالإخوان المسلمين في الصورة، إلا أنهم في الحقيقة كانوا غائبين. وأيضاً.. منذ بضعة أشهر فقط، تصوّر الرئيس، وزمرته الحاكمة أنّ كل شيء، لديهم تحت السيطرة، وكانوا علي ثقة لدرجة أنهم كانوا يستميلون الابن الأصغر للرئيس مبارك، جمال، لاحتلال مكان والده! ولكن.. بسرعة البرق كل شيء تحوّل إلي نقيضه، في شوارع القاهرة، وغيرها من المدن المصرية. الناس لا تتحدث إلا عن الثورة. إن الذين يقومون به، ثورة. لقد أصبحت الآن حقيقة، وتطرح مسألة كيف، ومن سيحلّ بديلاً لنظام مبارك؟ كان الشباب يعرفون أن مهمتهم العاجلة هي الإطاحة بنظام مبارك الفاسد، في الشارع اكتشفوا أن قوتهم تزداد، أصبحوا أكثر تنظيماً، يعرفون قواعد التعبئة، كان ذلك مكسباً بعد الحياة لمدة ثلاثين عاماً تحت حكم الطاغوت. بعد 27 يناير كانت الصورة تزداد رسوخاً.. فبحسب وودز هناك شيء واضح انتهي اليوم بهزيمة كارثية لحسني مبارك، مع حلول الليل ظل المتظاهرون في الشارع، وتحدّوا حظر التجول الذي أعلنت عنه الحكومة في جميع أنحاء مصر. لأول مرة يتم إضرام النار في مكتب للحزب الوطني الحاكم، ونشاهد رجال الإطفاء يبذلون جهودهم لإطفاء النيران: "وأياً كانت كانت نتيجة احتجاجات اليوم، هناك شيء واضح: الثورة المصرية قد بدأت بالفعل، وهؤلاء المشككون والمفكرون المتكبرون الذين يعزفون باستمرار علي نغمة "مستوي الوعي المنخفض للجماهير، قد توصلوا الآن إلي الجواب، وهؤلاء الغربيون الذين يتحدثون بازدراء عن أن المصريين غير مبالين، وسلبيين يجب أن يأكلوا كلماتهم الآن". يستحضر وودز قصصاً من قلب الميدان نقلتها الصحافة العالمية، للتدليل علي اتحاد المصريين حول هدف وحيد، فيما يقبع الطاغية في قصره. بدأ الكر والفر، محاولات القمع من جانب النظام، وتحديها من جانب المصريين، عقارب الساعة لن تعود إلي الوراء، وحظر التجول لا يعني شيئاً بالنسبة للأمواج الغاضبة الهادرة، التي خرجت لتكتب تاريخاً جديداً: "اخترقت هذه الحقيقة حتي الجماجم البليدة". وإمعاناً في السخرية، يستحضر وودز، هنا، حواراً جري بين لويس السادس عشر، ودوق روشيفوكلد- ليانكورت بعد وقت قصير من سقوط الباستيل. سأله الملك: هل هذا تمرد؟ فأجاب "لا يا سيدي، إنها ثورة". انسحبت الشرطة، وأصبح الشارع، بحسب قناة الجزيرة، لا يخضع لتنظيم الأحزاب، ولا الدولة، ولا أي شخص. فًتحت السجون، وبدأ "المحبسجية" النهب "إن الأمر ليس سرّاً، إنها مناورة من أجل تدمير الثورة. إن الأعداد الكبيرة من رجال الشرطة المسلحين، الذين كانوا يطلقون، بالأمس، النار علي متظاهرين غير مسلحين، هي الآن في كل مكان، ويمكن أن ننظر إليها باعتبارها عناصر تساهم في الهيجان". ثم جاء خطاب الديكتاتور الموجّه لربات البيوت. كان شبيه الإمبراطور الروماني والقيصر الروسي، يهدف إلي التهدئة، ولكنه صب مزيداً من البنزين علي النار. كل التمثيليات التي تسعي إلي إطفاء الهمم، بما فيها تغيير الحكومة، ومسؤولون في مناصب قيادية. والانقسامات في صفوف بعض القوي التي شاركت في الثورة وبالأخص الإخوان المسلمين، وتداعيات الأحداث دولياً، وتحديداً خوف الغرب من سيطرة المتطرفين علي الثورة، حتي نجاحها وتحولها إلي حقيقة عظيمة. ولكن فريد ويستون يتحدث بالتفصيل عن أصداء الثورة، أثناء وقوعها، في جميع أنحاء العالم.. القوي الإمبريالية كانت تسيطر، أو تعتقد، أنها تسيطر علي الوضع، فالأنظمة المستبدة، فيما كان يسمي بعصر الاعتدال العظيم، تابعة لها.. ولكن ها هي الصدمة تحلّ.. علي الإمبرياليات الغربية أن تتدافع الآن، في محاولة لتعويض الوقت الضائع، دعت أمريكا وحلفاؤها مبارك إلي الاعتدال وإعداد الانتقال إلي نظام أكثر ديمقراطية: "إنهم يفعلون ذلك خوفاً من انتشار الثورة من بلد إلي آخر، حتي تسقط كل الأنظمة الفاسدة والمستبدة في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا، وهو احتمال صار في إمكانهم أن يروه".. كما أن تأثير سقوط الطاغية في دولة بحجم مصر سيكون فارقاً ومدوياً.. ولكن هيهات.. لقد سقط مبارك.. وانتصر الثوار يعود وودز ليحتفل: "الثورة حتي النصر".