مما لا شك فيه إن الثورة ما كانت لتقوم لولا الأدباء. يعرف هذا كل من شارك في الثورة. الإثباتات والنماذج موجودة، نحن لا نفتري علي أحد. 1- هناك دائماً الشاعر الحساس. هذا الشاعر هو شاعر الثورة بامتياز. لا يكتب إلا عن الثورة، ولا يتكلم إلا عنها، ويقف في الميدان طول اليوم ليحرض الناس، قصائده تنتمي لبحر السهل غير الممتنع، مثلا: "يا حوسني يا حوستي يا خاطف عروستي يا حالب جاموستي وبايع بلاد.. إلخ إلخ". هذا الشاعر يمشي في وسط البلد كالطاووس ليقرأ قصائده بصوت عال أمام الناس كلها. الآداء مهم جداً في حالة شاعرنا هذا، الصوت الجهوري، تلوين المقاطع، وتجفيف العرق كل ثانية. لولا شاعرنا لما كانت الثورة تقوم، يرجع له الفضل في تطوير الوعي السياسي للناس، إلي جعلهم أكثر إيماناً بحقوقهم، وأكثر احتقاراً للشعر. 2- النقيض منه هو الشاعر المحصن، الذي يقترب منك في عز ميدان التحرير وضرب المطاطي والحي، ليهديك نسخة من كتابه، ويخبرك إنه سيفرح لو أخبرته برأيك. تنظر حولك. تخبره أن مصر كلها تتغير فلا يسمعك. يسألك عن آخر تطورات الصراع بين لا يمكننا بالطبع إهمال الروائي الذي تنبأ بالثورة. يحكي هذا الروائي لمذيعة التليفزيون كيف أنه كتب في إحدي رواياته عام 82 عبارة خطيرة، لقد قال بمنتهي الوضوح وبلا مواربة إن "الظلم وحش" قصيدة النثر والتفعيلة. في اليوم التالي تجده بجوارك وأنت تجري من قنابل المولوتوف والحجارة الطائرة وطلقات النار. يحتضنك لثوان ثم يقول لك: "أتمني تكون لحقت تقرا ف الكتاب يا فنان". هذا الشاعر لا يؤثر فيه شيء، وإليه يرجع الفضل في صمود الناس في ميدان التحرير. هو ببساطة لم يرحل عن الميدان لإنه لم ينتبه أنه كانت هناك ثورة. لقد كان مشغولاً بإهداء ديوانه. 3- لا يمكننا بالطبع إهمال الروائي الذي تنبأ بالثورة. يحكي هذا الروائي لمذيعة التليفزيون كيف أنه كتب في إحدي رواياته عام 82 عبارة خطيرة، لقد قال بمنتهي الوضوح وبلا مواربة إن "الظلم وحش"، في الوقت الذي كانت نخبتنا فيه كلها تؤكد حضرتِك إن الظلم حلو. النظام الحاكم لم يترك الروائي بالطبع. أصبح الكمساري دائم التضييق عليه في الأوتوبيس لأنه لم يدفع التذكرة، وفاتورة الكهرباء تصله أغلي ثلاثة جنيهات عن الأشهر الماضية. يختتم الروائي حواره هذا بابتسامة: "الثورة انتقمت لي ممن ظلموني. أنا طول عمري باقول إن شباب مصر هما أمل مصر. دا ماكانش مجرد رأي. دي كانت نبوءة ". 4- هناك الأديب المرعوب. يقضي هذا الأديب يومه كله في بار أستوريل، وعندما يخرج للحياة الواقعية ويري فتاة محجبة يصرخ في أصدقائه: "مش قلتلكم. السلفيين ركبوا البلد". كل كلام هذا الأديب ونكته هي عن السلفيين، وعندما يسأله أي شخص سؤالاً عابراً عن أي شيء طبيعي، غير السلفيين، يسهم قليلاً ثم يقول مكتئباً: "هو حد عارف حاجة. احنا داخلين علي أيام سودة. دول هيخلونا زي إيران وأفغانستان". دائماً المثال الذي في ذهنه هو إيران وأفغانستان. لا يخاف الأديب المرعوب أن نكون "زي "النيجر" مثلاً، أو "ساحل العاج". يرجع الفضل لهذا الأديب في الدفاع عن هوية الدولة المدنية، مع عقبة وحيدة، فهو لا يدافع عن الدولة المدنية إلا في أستوريل، وأمام أصدقائه الذين هم، أصلاً، مؤمنون بالدولة المدنية. 5- هناك الأديب المرعوب مكرر. الأديب الشاب الذي تربي في ساقية الصاوي وحفظ جميع قصائد إبراهيم ناجي وأحمد شوقي، وعندما قرأ أمل دنقل مؤخراً أعجبه جداً ولكنه سأل نفسه حول ما إذا كانت عبارة "المجد للشيطان" لها ضرورة فنية. وعندما يقرأ عن أي مشهد جنسي في أي رواية يفكر قليلاً ثم يقول إن الأدب أرقي من الواقع ولذلك فليس علي الأدب أن يحاكي الواقع، وبالتالي، الخطوة التالية يعني، علي الأدب أن يكون خالياً من أي ذكر للجنس، لأن الجنس شيء واقعي والأدب فوق الواقع. هذا الأديب الشاب مرعوب مما حدث بعد الثورة، ودوره يقتصر الآن علي محاولة كبح جموح الأديب المرعوب السابق، والتأكيد له بأن الإسلام دين الرحمة والعدل، وإنه يجب المساواة بين كل الناس، بشرط بسيط، أن يكون كل الناس من أهل السنة والجماعة.