مفتي الجمهورية: التعصب والعنصرية من أبرز مظاهر تهديد السلام العالمي    انطلاق غرفة عمليات الجبهة الوطنية بأسيوط لمتابعة انتخابات النواب    أوقاف شمال سيناء تناقش "خطر أكل الحرام.. الرشوة نموذجًا"    وزير الإسكان يتفقد جناح الوزارة بالمعرض والمؤتمر الدولي للنقل الذكي والصناعة    المعهد القومي للاتصالات يعقد مؤتمر لدور الذكاء الاصطناعي فى دعم التنمية المستدامة    أهالي «علم الروم»: لا نرفض مخطط التطوير شرط التعويض العادل    كتائب القسام: لا يوجد في قاموسنا مبدأ الاستسلام وتسليم النفس للعدو    الخارجية الباكستانية تتهم أفغانستان بالفشل في اتخاذ إجراءات ضد الإرهاب    برنامج مطروح للنقاش يستعرض الانتخابات العراقية وسط أزمات الشرق الأوسط    مانشستر سيتي يقسو على ليفربول بثلاثية في البريميرليج    «فريق المليار يستحق اللقب».. تعليق مثير من خالد الغندور بعد فوز الأهلي على الزمالك    خروج 6 مصابين من حادث الطريق الإقليمي بالمنوفية بعد تلقيهم العلاج (بالأسماء)    يعاني من حالة نفسية.. القبض على المتهم بقتل شاب بقنا    وداعًا مصطفى نصر.. صاحب «جبل ناعسة» و«الهماميل»    نجوم الفن يقدمون واجب العزاء في والد الفنان محمد رمضان    قراءة صورة    ذا جراند بول !    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    تدخل طبي نادر بمعهد الكبد القومي بالمنوفية ينقذ حياة مريض خمسيني    محافظ الغربية خلال جولة مفاجئة بمستشفى قطور: لن نسمح بأي تقصير    غدًا.. وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة فى لقاء خاص على القاهرة الإخبارية    التصريح بدفن جثمان معلم أزهري لقي مصرعه أثناء أداء صلاته بقنا    قتل وهو ساجد.. التصريح بدفن جثة معلم أزهرى قتله شخص داخل مسجد بقنا    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير السياحة يشارك في فعاليات الدورة 26 للجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة للسياحة بالسعودية    عمرو سعد وعصام السقا يقدمان واجب العزاء في والد محمد رمضان    استعدادات أمنية مكثفة لتأمين انتخابات مجلس النواب 2025    افتتاح قمة الاتحاد الأوروبي وأمريكا اللاتينية وسط قلق بسبب التحركات العسكرية الأمريكية    الخبرة تحسم الفائز.. الذكاء الاصطناعي يتوقع نتيجة نهائي السوبر بين الأهلي والزمالك    بيحبوا يثيروا الجدل.. 4 أبراج جريئة بطبعها    حزب السادات: مشهد المصريين بالخارج في الانتخابات ملحمة وطنية تؤكد وحدة الصف    الشروط الجديدة لحذف غير المستحقين من بطاقات التموين 2025 وتحديث البيانات    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب    راحة 4 أيام للاعبي الاتحاد السعودي بعد خسارة ديربي جدة    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    محافظ بني سويف ورئيسة المجلس القومي للطفولة والأمومة يفتتحان فرع المجلس بديوان عام المحافظة    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس البورصة: 5 شركات جديدة تستعد للقيد خلال 2026    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    محافظ أسوان يتابع جاهزية مقار اللجان الانتخابية لمجلس النواب 2025    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    انتخابات مجلس النواب 2025.. اعرف لجنتك الانتخابية بالرقم القومي من هنا (رابط)    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    التشكيل المتوقع للزمالك أمام الأهلي في نهائي السوبر    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    طارق السعيد: أُفضّل شكرى عن كوكا فى تشكيل الأهلى وشخصية زيزو مثل السعيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



»الفاجومي«
خيانة السيرة
نشر في أخبار الأدب يوم 11 - 06 - 2011

لا يتأسس الأدب علي نقل الواقع كما هو ، بقدر ما يعيد بناء هذا الواقع (الحياتي) في بناء (جمالي) يعبر عنه ويحاوره ويسعي للتأثير فيه ، ممتلكا في ذات الوقت سمة التجاوز للحظته الزمنية التي يتفجر فيها ليخاطب مجتمعات أخري في أزمنة مغايرة ، وذلك بفضل موهبة صاحبه الخيالية وقدرته علي الإمساك بالمشترك بين البشر ، لصياغة نماذج دالة تشير إلي الآن وتصلح للغد معا.
يبدو هذا الفهم متعارضا ظاهريا مع أدب السيرة الذاتية ، الدائر حول شخصية ساردها الأوحد ، والمتعلق بتفاصيل حياتية شديدة الخصوصية والزمانية ، والرافض لأي توجه نحو الخيالية وابتداع مالم يحدث ، أو تلوينه تضخيما أو تهوينا منه ، غير أن المتأمل في كتابات (السيرة الذاتية) ، يدرك أن محاولة صاحبها ، خاصة إذا كان منتميا لعالم الأدب ، الكتابة عن ذاته ، إنما يفعل هذا وهو في حالة ابتعاد زمني عن الأحداث التي مر بها حياتيا ، فيعمل علي استعادتها في لحظة مغايرة ، ويعبر عنها بأسلوب يضفي عليها بعدا ذاتيا وأدبيا ، فتتجلي ذاتيته في الرؤية للعالم الذي يستعيده من منظوره الخاص ، وتبدو أدبيته في اختياره لأسلوب الكتابة عن هذه الرؤية ، مما يفقد هذه الأحداث والشخصيات الكثير من ملامحها الواقعية ، ويقترب بها من حقل الإبداع المقدم لها بصورة خيالية ، ويدرجها في مجال الأدب.
ذاتية الأديب
ومذكرات الشاعر "أحمد فؤاد نجم" المعنونة ب (الفاجومي) ، تنتمي بالحتم لأدب السيرة الذاتية ، منها لكتب التاريخ ، فهي تعيد بناء واقع المجتمع المصري خلال العقود الثماني الأخيرة ، مروية بعقل متمرد ، ومصاغة بوجدان شاعر ، ومختارة للحظات معينة من تاريخ هذا المجتمع لتتوقف عندها قاصدة الكشف عن دور صاحبها فيها ، مما يخلع ذاتية الأديب علي موضوعية التاريخ ، ويحول الواقع إلي صورة مرئية مصاغة بكلمات شاعر ، تجعل متلقيها يدرك منذ الوهلة الأولي أنه يتعرف علي (واقع) عاشه المجتمع ب (رؤية) مبدع يري هذا المجتمع من زاويته الخاصة.
وهذا ما سعي إليه أيضا الفيلم المتعرض لحياة الشاعر "أحمد فؤاد نجم" ، والذي كتبه وأخرجه "عصام الشماع" ، منطلقا من نفس وجهة النظر هذه التي تقدم الواقع الحياتي بنظرة ذاتية ، فتحسب (مذكرات) الشاعر له وليس للتاريخ ، ويحسب الفيلم لصانعه وليس للشاعر ، فكلاهما يقدم رؤيته الخاصة لما حدث ، ويعيد بناء هذا الحدث ملونا برؤيته الذاتية ، خاصة وأن الكاتب المخرج عايش غالبية الأحداث التي يتعرض لها الفيلم من نهاية ستينيات القرن الماضي حتي يومنا هذا ، مما انعكس علي موقفه من مراحل الحكم الثلاث التي مر بها الوطن ، وتصويره للشخصيات العامة والخاصة التي ظهرت في أفق الشاعر ، وهو ما يجعل الفيلم في النهاية (عملا فنيا) يتعرض لحياة الشاعر والمجتمع من وجهة نظر صانعه أكثر من كونه (دراما ذاتية) تخص "نجم" رغم حضوره الافتراضي في الفيلم ، فالدراما في البدء والختام هي التي تخلص السيرة الذاتية من (ذاتيتها) لتحولها لعمل فني يمثل وجودا موضوعيا شاسعا.
حكاية نسر
وهو ما يبدو أيضا في حرص الفيلم علي تغيير أسماء أبرز أبطاله ، فمنح اسم "أدهم فؤاد نسر" للشاعر الكبير ، وأعطي اسم الشيخ "همام موسي" لرفيق دربه ، والذي يجسده "صلاح عبد الله" بصورة بارعة تجعله مميزا علي الشاشة ، واسم "ماهيتاب" لقرينته السابقة وأم أبنته التي يحتفظ الفيلم باسمها الحقيقي ، وذلك بأداء جيد ل "كنده علوش" يمنح شخصيتها وجودا مناوئا لشخصية البطل ، ويمنح اسم "منة" لزوجته الثانية في الفيلم ، والتي ستقدم بصوتها أغانيه ، وتجسدها "فرح يوسف" بقدرة علي استغلال ملامح وجهها الحادة في التعبير عن جراءة هذه الشخصية ابنة الشرائح العليا المثقفة ، وتمسكها برأيها وكرامتها ، في ذات الوقت تحتفظ بعض الشخصيات الحياتية بأسمائها الحقيقية.
تتأرجح الأسماء علي الشاشة بين الحقيقة والابتداع ، غير أن الأمر لدينا نراه محاولة من الكاتب المخرج لمنح الفيلم دلالة عامة تتجاوز حدود تعبيره عن شخصية بعينيها ، وتنقله من حيز (السيرة) لرحاب (الدراما) ، وتجعل من شخصيته الخيالية المبتكرة "أم آمال" وجودا متعاظما في الفيلم ، ويجعلها بطلة الفيلم بلا منازع ، خاصة مع الأداء الصوتي والحركي المتميز ل "جيهان فاضل" في أحد أفضل أدوارها علي الشاشة ، حيث تجسد شخصية صاحبة البيت الفقير الذي يسكن فيه "نسر" مع الشيخ "همام" ، فهي ابنة حارته المتماثلة كامرأة مع هذه الحارة ، يهملها الزوج وابنتها المراهقة ويسافر لبلاد النفط ، فتحيط الفاجومي (المقطوع من شجرة) بحنانها الأنثوي وأمنها ، متعلقة به كرجل له مواقف (جدعنة) في الحارة ، دون أن تدرك شيئا عن حقيقة شعره ودوره بين الناس ، ثم سرعان ما يبدأ حالها في التغير كحال الحارة ذاتها مع عودة زوجها بالمال وتحوله لمشروع رجل أعمال صغير يفتتح محل (سوبر ماركت) ويوزع (أرز باللبن) علي جماعته من السلفيين ، وترتدي هي الحجاب الذي رفضته ذات يوم لابنتها.
روح ملحمية
بمزج محسوب لمشاهد الفيلم الدرامية التي تعيد بناء الواقع بمنظور مبدعه ، وللمشاهد التسجيلية التي تعيد للذاكرة وقائع عاشتها أجيال ، وتذكر أجيال شابة بها ، وبروح ملحمية تتدفق داخل الفيلم تنازع الدراما هيمنتها علي البناء السينمائي ، يعمل الفيلم علي الابتعاد عن فكرة الثوري الرومانسي النبيل التي دشنتها آداب وفنون أخري، ويعمل علي تقديم صورة المتمرد الذي يتكون وعيه أمامنا وسط الناس وظروف الحياة ، فينقل تمرده بإرادة قوية من مجرد رفض سلبي للمجتمع ، إلي تمرد إيجابي مدرك لحقيقة اللصوص وحقيقة الضحايا ، وذلك عبر تقديم بطله "نسر" الفقير ، الذي يجسده "خالد الصاوي" بأسلوبه الخاص وبقدرته علي صياغة شخصية درامية تستلهم البطل الواقعي دون أن تكونه 0 هذا البطل الذي يبحث في الفيلم عن لقمة عيش دون سند عائلي أو تعليمي له ، فيشارك في سرقة حق المجتمع في الدعم ، مما يقوده للسجن ، الذي يجاور فيه سجناء سياسيين ، يلتقط بحسه البسيط أفكارهم الثورية ، ويربطها بواقعه ، ويعيد بثها بموهبته في قصائده الشعبية ، منتقلا تدريجيا من مرحلة الوعي المغلوط لمرحلة الوعي الصحيح ، فيدخل في تشابك مع أجهزة السلطة ، ويبدأ في التعرف علي قرينه الشيخ "همام" وسط حارة زاخرة بالحيوية ، ومع مثقفين محتضنين لموهبته وتمرده من أبناء الطبقة المتوسطة الصاعدة في منتصف القرن الماضي ، وعقب هزيمة مدوية عام 67 تفجر بدورها كل أسباب الثورة علي صانعيها ، وتصنع آدابا وفنونا عملت علي تنبيه عقل المتلقي بما يحدث حوله ، وسرت بين أجيال صاغت مؤخرا ملحمة ثورية ، تعاود القوي المتخلفة العمل للسطو عليها وعلي أحلام صناعها كما فعلت مع ثورة يوليو من قبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.