أوشك خبراء المجلس الأعلي للآثار علي الانتهاء من إعداد ملف شامل عن تمثال "رأس نفرتيتي" والموجود بمتحف برلين، يتناول الملف تاريخ الرأس الشهير وكيفية خروجه من مصر تمهيدا للمطالبة الرسمية باستعادته، لتكون "نفرتيتي" هي القطعة الأولي التي تطالب بها مصر من مجمل ست قطع "فريدة" سيعمل المجلس الأعلي للآثار علي استعادتها خلال الفترة القادمة. كانت قاعات المجلس الأعلي للثقافة قد استضافت يومي الأربعاء والخميس الماضيين مؤتمرا دوليا ضم 16 دوله لمناقشة قضية استعادة التراث الثقافي. في المؤتمر جدد زاهي حواس دعوته لاستعادة خمسة من أهم القطع المصرية الموجودة في متاحف العالم: تمثال "حم أيونو" مهندس الهرم الأكبر والموجود بمتحف "هيلدزهايم" بألمانيا، و رأس الملكة نفرتيتي بمتحف برلين، وحجر رشيد بالمتحف البريطاني، و »الزودياك«أو القبة السماوية والموجودة بمتحف اللوفر ، أما القطعة الخامسة فهي تمثال "عنخ حااف" مهندس الهرم الثاني للملك خفرع ومعروضة بمتحف الفنون الجميلة ببوسطن. وأضاف لها قطعة جديدة هي تمثال رمسيس الثاني الموجود في متحف تورينو بايطاليا، بينما طلبت الدول الأخري مهله حتي تستشير حكوماتها حول القطع التي يمكن أن تطالب بها. أثناء فترة التحضير سألت الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار "لماذا هذا المؤتمر الآن بالتحديد"؟ قال أن الآثار المصرية تنهب منذ عصر الفراعنة، وللأسف لا يوجد أي قانون يلزم الدول برد ما لديها من تراث الأمم الأخري، وكان من المنطقي أن نبدأ نحن بهذه الدعوة لأننا أكثر الدول المنهوبة "ثم أن نبدأ الآن أفضل من ألا نبدأ علي الإطلاق". وفي الافتتاح قال أنه ربما لا نوفق في إعادة هذه القطع، لكن هذا لا يمنعنا من المحاولة، طالما أن هناك أمل "والأمل لا يمكن أن ينتهي أو يتوقف، وربما ينجح أولادنا أو حتي أحفادنا فيما فشلنا فيه". لماذا هذه القطع الستة بالتحديد؟. سألت حواس فقال أنها من القطع الفريدة التي يجب أن تظل في مصر، بينما توجد قطع أخري "لا تستحق الحرب من أجلها" لأنها مكرره وبالآلاف، ومنذ ستة أشهر بدا خبراء المجلس في إعداد ملفا شاملا بكيفية خروج هذه القطع من مصر، لكن المعلومة المؤكدة أن أولي النزاعات ستكون حول تمثال الملكة نفرتيتي والموجود بمتحف برلين، هنا نحاول رصد الحقيقة وراء خروج هذه القطع. رأس "السيدة الأولي" النزاع حول نفرتيتي بدأ في نفس هذا التوقيت من العام الماضي حين فاجأ حواس الحاضرين في معرض الآثار الغارقة الذي أقيم في العاصمة الألمانية برلين في ابريل الماضي وقال: "إن نفرتيتي تطلب السماح بزيارة زوجها اخناتون وأهلها في مصر". كلمة حواس أثارت لغطا واسعا ليس فقط بين جمهور الحاضرين بل في المجتمع الألماني الذي ارتبط بتمثال الملكة حتي أطلق عليها لقب "السيدة الأولي"، من ناحية أخري وجد البعض أنه مطلب عادل جدا خاصة وأن حواس اقترح-وقتها- استضافة التمثال ثلاثة شهور فقط، ولأن طلب حواس لم يكن طلبا رسميا فلم يكن هناك أي رد رسمي من الحكومة الألمانية، حتي فوجئ الجميع ببيرد نويمان وزير الثقافة الالماني يعقد مؤتمرا صحفيا يرفض فيه الطلب المصري بحجة أن التمثال ربما يتعرض للخطر أثناء عملية النقل كما أنه (التمثال) قد خرج بطريقة شرعية مما يجعله خارج طائلة القانون(!). الرد الألماني جاء صادما وكاذبا فقوبل باستهجان شديد وبناء عليه هدد حواس بقطع التعامل مع ألمانيا فيما يخص المجال الأثري؛ فطبقا لملف المجلس فإن الرأس الشهير عثرت عليها بعثة ألمانية بقيادة عالم المصريات الألماني، لودفيك بورشاردت، في 6 ديسمبر 1912، في ورشة النحات تحتمس بتل العمارنة. بورشاردت هرب التمثال الكامل إلي منزله في حي الزمالك بالقاهرة، ومن هناك هربه إلي ألمانيا مخفياً حيث قام بطلائه بالكامل ببعض طبقات من الطمي وأرسله ضمن مجموعة من الفخار للترميم في ألمانيا، يبدو أن عملية الإخفاء كانت دقيقة تماما حتي أن أحدا لم يلاحظ تمثال نصفي ملون مصنوع من الحجر الجيري والجص، يصور بدقة مفاتن امرأة رائعة الجمال، بوجه جذاب، وعنق طويل، وأنف دقيق، ووجنتين بارزتين، ترتدي غطاء فريدا للرأس مخروطي الشكل. حجر رشيد كان نشر الفرنسيين لكتاب "وصف مصر" الذي سجل فيه علماء الحملة الفرنسية وصفا تفصيليا لما شاهدوه من بقايا أثرية هو نقطة التحول التي بدأ عندها اهتمام العالم الغربي بآثار مصر وبلغت حمي البحث عن الآثار أشدها في مصر حيث كانت المقابر تفتح وتباع محتوياتها للسائحين، بل وكما يقول زاهي حواس نفسه فان المتحف المصري كان يخصص قاعة كاملة لبيع الآثار! وقبل ذلك كانت الاتفاقات الرسمية بين مصلحة الآثار وبعثات التنقيب تقضي بحصول المنقبين علي جزء مما يعثرون عليه من بين القطع المكررة أو الأقل أهمية وكان البعض بالطبع يعمد إلي إخفاء أهمية القطع التي يأخذونها وهو ما حدث مع رأس نفرتيتي وأيضا مع حجر رشيد وإن كان الأخير لم يتم إخفاءه حيث خرج تحت الحماية الفرنسية التي اكتشفته حيث اكتشفه ضابط فرنسي في 19 يوليو عام 1799 إبان الحملة الفرنسية وقد نقش عام 196 ق.م. ويمثل مرسوم ملكي صدر في مدينة منف عام 196ق.م. أصدره الكهنة تخليدا لذكري بطليموس الخامس. وعليه ثلاث لغات الهيروغليفية والديموطقية ( القبطية ويقصد بها اللغة الحديثة لقدماء المصريين ) والإغريقية. وكان وقت اكتشافه لغزا لغويا لا يفسر منذ مئات السنين. لأن اللغات الثلاث كانت وقتها من اللغات الميتة. حتي جاء العالم الفرنسي جيان فرانسوا شامبليون وفسر هذه اللغات بعد مضاهاتها بالنص اليوناني ونصوص هيروغليفية أخري. الزودياك كان محتوي الكتابة تمجيدا لفرعون مصر وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر. و قد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة. وكان العالم البريطاني توماس يانج قد اكتشف أن الكتابة الهيروغليفية تتكون من دلالات صوتية. وان الأسماء الملكية مكتوبة داخل أشكال بيضاوية خراطيش. وهذا الاكتشاف أدي إلي فك العالم الفرنسي شامبليون لرموز الهيروغليفية عام 1822. وبهذا الكشف فتحت أفاق التعرف علي حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها، وترجمة علومها بعد إحياء لغتهم بعد مواتها عبر القرون. وأصبحت الهيروغليفية وأبجديتها تدرس لكل من يريد دراسة علوم المصريات. وقد نقل الحجر إلي لندن طبقا لشروط معاهدة 1801 بين الانجليز والفرنسيين، وهو الآن يعد واحدا من أهم القطع الأثرية المعروضة بالمتحف البريطاني بلندن. مجموعة "وصف مصر" كانت أيضا سببا في خروج إحدي القطع الهامة التي أشار إليها حواس والحكاية كما يرويها بيتر فرانس مؤلف كتاب "اغتصاب مصر" تقول أن جامع الآثار الفرنسي لويس سباستيان سولنييه كلف المهندس جان بابتيست لولورين بنقل لوحة "دائرة الأبراج الفلكية" الزودياك- الرائعة من سقف معبد دندرة وشحنها إلي باريس ويبدو أن تبرير فرنسا لهذه العملية هو أن جمال هذه اللوحة قد أثار كثيرا الحساسية الفنية للجنرال ديزيه حيث نسخت بشكل رائع في "وصف مصر" حتي أنها بطريقة ما أصبحت "أثرا وطنيا". رشوة كانت دائرة الأبراج محفورة في كتل من الصخور بسمك ثلاثة أقدام واستخدم لولورين البارود ليفجر ثقوبا فيها ثم بدأ رئيس عمال وأربعون عاملا في القطع باستخدام الأزاميل والمناشير وبعد ثلاثة أسابيع من العمل ليلا ونهارا أزيلت الكتل وجرت علي بكرات إلي احد القوارب وأعلن القبطان أن المياه منخفضة إلي حد لا يسمح له بالإبحار شمالا بهذه الحمولة الثقيلة في هذا الموسم ،غير أن لولورين كان قد بقي في مصر بما يسمح له بأن يدرك أن الرجل تلقي رشوة من الانجليز فسأل القبطان ببساطة عن المبلغ الذي عرض عليه ودفع 1000 قرش وأبحر القارب وعند منتصف الطريق إلي القاهرة أوقفهم وكيل انجليزي ومعه أمر من الوزير الأول للباشا يحظر عليهم نقل الأحجار غير أن لولورين رفع العلم الفرنسي وتحدي منع سير قاربه وواصل الإبحار، وفي الإسكندرية حاول القنصلان الانجليزي والفرنسي منعه من شحن دائرة الأبراج مدركين اي إضافة مثيرة ستمثل لمجموعتيهما غير أن لولورين أصر وشحنت الكتل سالمة إلي باريس وبيعت للويس الثامن عشر مقابل 150 ألف فرنك وأعيد تجميعها في اللوفر. أما القطع الثلاثة الاخري: تمثال "حم أيونو" مهندس الهرم الأكبر، تمثال "عنخ حااف" مهندس الهرم الثاني، وتمثال رمسيس الثاني، فكلها خرجت عن طريق المبادلات الرسمية، لكن ذلك لن يمنع المطالبة بها. وبشكل عام فان القطع الموجودة بالخارج تحتاج إلي أضعاف هذه المساحة لرصدها فقط أما تسجيل حكاياتها فربما يحتاج إلي مجلدات ترصد ما تحويه غالبية المتاحف العالمية من الآلاف القطع الأثرية التي تم تهربيها من مصر بطرق عديدة ومبتكرة إضافة إلي الآثار المنهوبة التي يتاجر فيها أصحابها..خاصة وانه لا يوجد حتي الآن سجلا للآثار التي خرجت من مصر بطرق غير شرعية، هذا يجعل دعوة حواس لاستعادة المتفرد من هذه القطع تحتاج إلي مساندة قومية بل عالمية حتي نستعيد تراثنا المسلوب وهويتنا المغتربة.