تحثنا جميعا مقتضيات مرحلة التحوّل الثوري التي يمرّ بها المجتمع علي المشاركة ومدّ يد العون. ولعلّ هذا هو ما حفزني إلي كتابة هذه الرسالة المفتوحة إليكم بعد اختياركم لتحمل مسئولية وزارة الثقافة في هذه المرحلة الحرجة، لما عرف عنكم من ثقافة، وتواضع وهدوء في إنجاز ما تقومون به من أعمال بأعلي درجة من الكفاءة والتنظيم. سيكون حديثي دفقة صريحة صادقة نابعة من القلب، أركّزه حول قضية واحدة من أهمّ قضايا الثقافة التي تشغلنا جميعا، ألا وهي قضية (النشر)، التي تعتبر قضية عامة. أعرف تماما أنّ كثيرا من الكتاب يعانون منها. وقد لا أفشي سرًّا إذا شكوت من (صعوبة) النشر التي ما زالت تقابلني حتي الآن بعد أن نشرت (ثلاثين) كتابا في مجالات النقد والترجمة والرواية والقصة القصيرة خلال أكثر من ثلاثين عاما من معايشة الحقل الأدبي. ولا أقصد صعوبة نشر أيّ مقال أو قصة فقط، بل ينصرف الأمر إلي نشر الكتب أيضا. وإذا كان هذا هو موقف من أفنوا أعمارهم في الحقل الأدبي فليكن الله في عون الشباب البازغ الذين يحلمون بتبوأ مكان مناسب تحت شمس الأدب. وربّما يرجع السبب أساسا إلي وجود عجز رهيب في عدد المجلات الثقافية الموجودة من حيث إنّها لا تتناسب إطلاقا مع عدد السكان وما نبغيه من نهضة ثقافية شاملة، إذ ليس هناك علي الساحة ممّا تتولاه الدولة سوي مجلتين هما: مجلة "الهلال"، و"الثقافة الجديدة"، وجريدتين هما: "أخبار الأدب" و"القاهرة". أما مجلة "إبداع" و"فصول" الفصليتان اللتان تصدرهما الهيئة المصرية العامة للكتاب فحدّث ولا حرج عن عدم انتظام صدورهما. إضافة إلي أنّ الجرائد والمجلات لا تهتمّ بأن تكون لها ملاحق أدبية أسبوعية تسمح باكتشاف المواهب الجديدة وتقويمها. ومن واقع تجربتي الشخصية أؤكد أنّه لولا وجود مجلة "إبداع" في فترة الثمانينيات لما اتيحت لي فرصة صقل موهبتي (النقدية) تحت رعاية الدكتور عبد القادر القط رئيس تحريرها في تلك الفترة. وإذا كانت مجلة "المحيط الثقافي" قد أغلقت في العهد البائد بوفاة رئيس تحريرها وهي إحدي الإمكانات المتاحة أمامكم، فإنني أناشدكم أن تتبني وزارة الثقافة إعادة إصدار تلك المجلة مع بحث إنشاء عدد آخر من المجلات الثقافية تتيح الفرصة أمام عشرات الزهور الجديدة لتتفتح حتي يغمرنا عطرها الفوّاح. من ناحية أخري هناك ظاهرة أخري استشرت في السنوات الأخيرة، هي ظاهرة النشر (الخاص) التي يقوم فيها كاتب أو شاعر بنشر كتابه علي نفقته الخاصة، وهو ما أدّي إلي تكاثر الإصدارات الجديدة بشكل لافت للنظر دون أن تمرّ بدورة النشر (الطبيعية)، بقيام دار نشر معينة ب (اختيار) الصالح من تلك الكتب، وطرحها في السوق ليقبل القارئ علي الجيّد منها، بل أصبح المؤلف يحمل نسخه التي حصل عليها من الناشر مقابل ما دفع من مال ويقوم بتوزيعها بنفسه علي معارفه وعلي بعض الصحف والدوريات، وهو ما قد يعتبر بمثابة إعلان عن كتاب جديد فقط دون تحقق أيّ دورة قراءة جادة مثمرة! أما أخطر النتائج علي الإطلاق، فهي أنّ هذا المناخ أصبح عنصرا مساعدا لتسلل من يمتلك مبلغا من (المال) دون أيّ موهبة علي الإطلاق إلي زمرة الكتّاب، بينما قد يعجز صاحب موهبة (حقيقية) عن اجتياز هذا الحاجز لمجرّد أنّه لا يملك المال المطلوب. وأذكر بهذه المناسبة أنّ (أول) مجموعة قصصية لي وكانت بعنوان "قطار الحادية عشرة" صدرت عن "دار المعارف" بالقاهرة عام 1983. لذلك أناشدكم أن تتولي الدولة من خلال مؤسسات النشر المملوكة لها نشر الكتب والأعمال الجادة. وربّما يساعد تعاون وزارة الثقافة مع وزارة التعليم علي تشجيع دور النشر الخاصة علي المشاركة في نشر أعمال الشباب إذا ما دعّمت المكتبات العامة ومكتبات المدارس بشراء نسبة معينة من الإصدارات الجديدة. ومرّة أخري أشدّ علي أيديكم وأدعو لكم بالتوفيق في تحقيق نهضة ثقافية تتناسب مع متطلبات ثورة 25 يناير 2011.