تحقق حلم حواس في زمن صعب، ففي الوقت الذي كان يؤدي فيه اليمين الدستورية كأول وزير للآثار في مصر كانت القنوات الفضائية تذيع لقطاتها الأولي للتخريب الذي طال المتحف المصري، خرج حواس من قصر الرئاسة ليحصي ما سُرق وما أتلفه اللصوص في الفترة التي اختفي فيها الأمن، وانتشر الغوغاء والمتشردون في شوارع مصر، مستغلين ثورة شبابها. حواس الذي أصبح رسميا المتحدث باسم آثار مصر يصف اليوم السابق علي تأدية اليمين بأنه "يوما أسود" ويقول أنه بكي كما لم يبك من قبل "اعتقدت أن المتحف قد انتهي ودُمر تماما، فإذا اقتحمته كل هذه الحشود الغاضبة فبالتأكيد لن يبقي فيه شيء" حاول حواس بكل الطرق أن يصل إلي المتحف لكنه فشل، كل الطرق مسدودة، وكل المسئولين غائبون: "تمنيت أن يكون ما يحدث كابوسا، وأعتقد أنه فاق أسوأ كوابيسي علي الإطلاق..كنت أصرخ: أين اختفي الجميع؟ وكيف؟ ولماذا؟" كان يتابع ما يحدث علي الشاشة كغيره من المشاهدين الخائفين وتوالت عليه الاتصالات وهو مغلول الأيدي لا يستطيع أن يفعل شيئاً، ولم يطمئن إلا صباح اليوم التالي حين ذهب إلي المتحف ووجد أن عناصر الجيش مع الشباب الواعي قد أنقذوا أكبر كنوز العالم وأوفرها حظا علي الإطلاق. ليلة الثامن والعشرين كانت من أصعب الليالي أيضا، يقول حواس:"لم أنم تلك الليلة أيضا، بعد المواجهات التي حدثت طوال الليل بجوار المتحف تماما، واحتراق سيارة بجوار السور، وفي اللقطات التي كان يعرضها التليفزيون كان الجميع يشعر بأن المتحف هو الذي يحترق، لكني كنت أتصل بالقوات المسئولة عن التأمين كل خمس دقائق تقريبا، وكانت تأتيني تأكيدات بأن كل ما يحدث لا علاقة له بمبني المتحف وأنه مؤمّن تماما، وأن القوات المسلحة وشباب المتظاهرين لن يسمحوا لأحد بالاقتراب منه". -أسأله: ماذا عن الوضع الآن؟ يقول: بعد الأيام الصعبة التي عشتها، أستطيع أن أقول الآن إن الوضع مطمئن تماما، القوات المسلحة تقوم بدورها علي أكمل وجه بمساعدة شباب واع يدرك أهمية ما يحويه هذا الصرح العظيم من كنوز. -والقطع التي تم سرقتها أو تدميرها؟ لا توجد قطع مسروقة، القوات المسلحة أعادت جميع القطع في نفس اليوم، لأن اللصوص ركزوا علي بيت الهدايا وظنوا أن ما به آثاراً حقيقة، وهي في الحقيقة مستنسخات يشتريها السياح علي سبيل التذكار، بعد الأحداث مباشرة شكلت فريق عمل لحصر القطع التي دُمرت واكتشفنا أنها 70 قطعة وتم البدء في ترميمها فورا، وبدأنا بالتمثال الخاص بالملك توت عنخ آمون الذي يصوره واقفاً علي مركب يستند إلي فهد، ويعمل المرممون الآن علي تمثال للملك إخناتون أيضا، أما المومياء المدمرة فكانت في تابوت خشبي حاول اللصوص فتحه بهدف سرقة الذهب الذي قد يكون موجوداً داخل المومياء ولم يكن هدفهم بالطبع سرقة المومياء نفسها ولما يجدوا شيئا حطموها، وهي مومياء والده توت عنخ آمون. أما الجماجم التي تحطمت فكنا نجري بحوثا بالأشعة المقطعية عليها. -ومجموعة توت عنخ آمون الذهبية؟ المجموعة كاملة ولم تمس! -خلال الأيام الماضية سرقت العديد من القطع في مختلف المناطق، خاصة منطقة القنطرة شرق التي استطاع اللصوص الوصول لمخزنها وسرقة 10 صناديق محملة بالآثار، هذا بخلاف سقارة، وسبيل محمد علي بطنطا.. مقاطعا: أستطيع أن أقول الآن بكل وضوح وصراحة أن كل القطع التي سرقت من هذه الأماكن تمت استعادتها مرة أخري، سواء عن طريق القوات المسلحة، أو مجموعات من الأهالي الشرفاء الذين تعرفوا علي اللصوص في كثير من المناطق وقدموهم للقوات المسلحة، وكل ما حدث في سقارة كان عبارة عن "نبش" ولم يتمكن اللصوص من الوصول إلي أي شيء، وفي القنطرة شرق استعدنا 288 قطعة وهي كل ما سرق تقريباً واللجان تعمل هناك لنعرف ما تبقي تحديدا، أما سبيل طنطا فأغلب ما سرق كان أثاثاً مكتبياً من مكتب الآثار هناك. وسنعمل خلال الفترة القادمة علي إعادة كل القطع إلي أماكنها. أريد أن أوضح أيضا أن هناك تقارير صحفية صدرت طوال الأيام الماضية لتعلن عن قطع مسروقة وأنا أتعجب من هذا الاستسهال في النشر، خاصة وأن أغلبها شائعات لا أساس لها من الصحة، ونحن أنفسنا تلقينا عشرات الاتصالات والبلاغات عن سرقات واكتشفنا أنها أكاذيب وأن المناطق التي أعلن عن سرقتها آمنة تماما ولم تمس، يبدو أن البعض يستغل الأزمة لترويج الفزع بين الناس. -ما ردك علي الدعوات التي طالبت بالإشراف الدولي علي الآثار في مصر خلال هذه الفترة؟ موقفي كالموقف السياسي تماما الذي يرفض كل التدخلات الأجنبية في الشأن المصري، نحن نستطيع حماية تراثنا وحضارتنا كما حميناها من قبل، وهذا بالضبط ما قلته لمديرة منظمة اليونسكو إيرينا بوكوفا حين اتصلت بي للاطمئنان علي حالة الآثار المصرية، والمتحف المصري، خاصة وأن هناك قنوات تصر علي نقل تقارير مغلوطة تتحدث فيها عن مزاعم تعرض الآثار المصرية للنهب والسرقة واشتعال النيران في حديقة المتحف المصري، رغم إني كنت قد أرسلت لمديرة اليونسكو تقريراً أكدت فيه أن المتحف المصري آمن، وتحرسه فرق الصاعقة بالقوات المسلحة المصرية وعدد من الأثريين المصريين. رفضت أيضا قرار المجلس العالمي للمتاحف بإنشاء فريق خاص للإشراف علي المتحف المصري وحمايته، وأكدت لهم جميعا أننا نستطيع القيام بهذه المهمة. -طالبت كثيراً بفصل الآثار عن الثقافة، الآن وقد تحقق حلمك ما خطتك للأيام القادمة؟ أولا فصل الآثار عن الثقافة لم يكن مطلبي وحدي ولكن مطلب عشرات الأثريين الذين يعلمون مميزات هذا الفصل، الفصل سيساعدنا جميعا علي التحرك بحرية أكبر، وليس معني هذا أن تبعيتنا للثقافة كانت تقيدنا ولكن أن يكون دخل الآثار لها وخططها وبرامجها من داخلها بالتأكيد سيكون ذلك أفضل كثيرا. -أريد توضيحا أكثر.. ما الذي ستفعله في الأيام القادمة، ما الخطة التي ستعمل عليها؟ الخطة الآن تأمينية فقط، الأهم الآن هو تأمين كل المتاحف والمناطق الأثرية في كل أنحاء مصر، ومن خلال غرفة العمليات التي كونتها والتي تضم أيضا صبري عبد العزيز رئيس قطاع الآثار المصرية ومحمد عبد الفتاح رئيس قطاع المتاحف نتابع ما يحدث في كل المناطق لحظة بلحظة لنعرف كل كبيرة وصغيرة في المتاحف والمناطق، ونطلب من الجميع موافاتنا بما يحتاجه لضمان العملية التأمينية. -هل يعني هذا أنه لن تكون هناك أفكار أو مشاريع جديدة؟ لم تمر سوي أيام علي القرار، ويجب أن تضع في الاعتبار أنها أول وزارة للآثار، أنا لم أتول وزارة قائمة، كما أنني لن أستطيع أن أفعل أي شيء إلا بعد أن تهدأ الأحداث، بعدها سأبدأ في إعادة هيكلة الوزارة بالكامل، لكن الأحداث المتلاحقة والتي لم تنته حتي الآن تجعلني لا أركز إلا علي العملية الأمنية فقط. -هل فكرت في رفض الوزارة وأنت تعلم صعوبة التوقيت الذي تم اختيارك فيه؟ لم أفكر لحظة، ليس لأني أطمح لمنصب، فوضعي كأمين عام كان يمنحني صلاحيات الوزير وكان يجعلني مسئولا عن كل آثار مصر، وهو ما يستمر الآن، ولكني وافقت لأنه واجب قومي، لم يكن من الممكن أن أرفض وأنا من أكثر الناس دراية بوضع الآثار في مصر، وأتولي مسئوليتها منذ سنوات، شعرت بأن الوطن يناديني في لحظة صعبة، فلم يكن من الممكن أن أتردد أو أفكر في الرفض..ربما لو جاءتني في وقت سابق لرفضت. -كيف تتابع ما يحدث الآن علي الساحة السياسية في مصر؟ لعلك تتذكر آخر حوار أجريته معك منذ أسابيع قليله قلت لك أن هناك حالة احتقان غريبة في الشارع المصري، وأن الناس تغيرت كثيراً، بالتأكيد كلنا نحيي الشباب الواعي الذي خرج ليعبر عن رأيه، لكن للأسف اندس بينهم من دمر وخرب وسرق وكاد أن يفسد كل ما خرج الشباب من أجله، كل ما أتمناه الآن أن تنتهي التظاهرات علي خير، وإن استمرت أن تستمر سلمية، حتي لا نخسر أكثر مما خسرناه، وحتي نستطيع أن نصلح ما فسد خلال الأيام الصعبة الماضية.