السيسي يطلع على المؤشرات الأولية للأداء المالي 2024-2025.. الرئيس يوجه بتحقيق فائض أولي.. وزيادة الإنفاق على برنامجي "تكافل وكرامة" والصحة والتعليم والحماية الاجتماعية    القسام تستهدف موقع قيادة وسيطرة للعدو على محور صلاح الدين برفح    صالات المنيا تختتم معسكر القاهرة بعد خوض ثلاث وديات قوية (صور)    حملات تموينية مكثفة لضبط الأسواق في مدن وقرى كفرالشيخ (صور)    بلد بتاعة مهرجانات صحيح!    «الصحة»: فحص 8 ملايين و336 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع    الصين تقاضي كندا أمام منظمة التجارة العالمية بسبب رسوم الصلب    نائب: البيان العربي الإسلامي حمل ردًا حاسمًا حول مزاعم "إسرائيل الكبرى"    الدنمارك تدرس فرض عقوبات على إسرائيل    أعلى معدل نمو للإيرادات الضريبية أبرزها.. السيسي يتابع نتائج الأداء المالي 2024- 2025    إنفوجراف| ضوابط تلقي طلبات المستأجرين المنطبق عليهم شروط قانون الإيجار القديم    ضبط 10 أطنان من هياكل الدواجن غير الصالحة للاستهلاك الآدمي بكرداسة    منال عوض: اتخاذ إجراءات تطويرية خاصة بمحمية وادي دجلة لتعزيز حمايتها والحفاظ على مواردها الطبيعية    اليوم.. جامعة القاهرة الأهلية تُطلق التسجيل الإلكتروني لبيانات الطلاب تمهيدا للتنسيق    "حقوق أسيوط" تحتفي بمتفوقيها وتستعد لدعمهم ببرنامج تدريبي بمجلس الدولة    «شعرت بنفس الشعور».. سلوت يعلق على بكاء صلاح بسبب تأبين جوتا    «شرف ما بعده شرف».. مصطفى شوبير يحتفل بارتداء شارة قيادة الأهلي    نجم بيراميدز يتحدى الجميع: سننافس على كل بطولات الموسم.. ويورتشيتش «كلمة السر»    بعد حريق محطة الحصايا.. إعادة تشغيل الكهرباء بكامل طاقتها بمركز إدفو    محافظ بورسعيد يناقش آليات الارتقاء بمنظومة الصرف الصحي ومياه الشرب    تفاصيل إصابة 6 أشخاص في تصادم دراجات نارية علي طريق في الدقهلية    ضبط 35 شيكارة دقيق مدعم و150 قالب حلاوة طحينية مجهولة المصدر في كفر الشيخ    منذ بداية الحصاد.. 520 ألف طن قمح تدخل شون وصوامع المنيا    والدة الفنان صبحي خليل أوصت بدفنها بجوار والدها في الغربية    «حادث وادي الحراش».. إعلان الحداد الوطني وتنكيس الأعلام بعد مصرع 18 شخصًا في الجزائر (فيديو وصور)    انطلاق البطولة العربية الأولى للخماسي الحديث للمنتخبات والأندية تحت 15 عامًا    انطلاقة قوية لفيلم "درويش".. 8 ملايين جنيه في أول 72 ساعة عرض    جريئة أمام البحر.. أحدث ظهور ل ياسمين صبري والجمهور يعلق (صور)    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    تنفيذ 47 ألف زيارة منزلية لعلاج لكبار السن بالشرقية    5 أطعمة تقلل من مستويات حمض البوليك في الجسم.. تناولها    بالتعاون بين الشركة المتحدة والأوقاف.. انطلاق أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية    التعليم: كتب وبوكليت مطبوع لتقييم الطلاب بالعام الدراسى 2026    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    علماء يلتقطون أول صور ثلاثية الأبعاد لزرع جنين داخل الرحم    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    موعد تقليل الاغتراب لطلاب تنسيق المرحلة الثالثة 2025    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    الكيانات الشبابية في ثوب جديد.. «حماية جيل» مشروع قومي لتمكين 750 فتاة    عملة ترامب الرقمية ترتفع بنحو 2.3% على إثر قمة بوتين- ترامب    عمر طاهر عن الأديب الراحل صنع الله إبراهيم: لقاءاتي معه كانت دروسا خصوصية    وزير الدفاع الروسي: المزاج ممتاز عقب المفاوضات في ألاسكا    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    بالأسماء.. تفاصيل إصابة 10 أشخاص من أسرة واحدة باشتباه تسمم جنوب المنيا    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إلي محمد سليمان:وأنا أيضًا أ كتب لأحييك
نشر في أخبار الأدب يوم 22 - 01 - 2011

محمد سليمان واحد من المؤسسين لحركة شعراء السبعينيات، وهو واحد من القلة القليلة الباقية من هذه الحركة المحافظة علي تقاليدها الشعرية ورؤيتها للشعر. وليس معني ذلك أن ننظر إلي الشاعر من خلال تأطيره في حقبة معينة، أو باعتباره نسخةً من أقرانه المنتمين لحركة شعرية ما. فلا شك أن الشاعر الأصيل هو الذي يظل له صوته الشعري الخاص ورؤيته الفريدة للعالم وللحياة، وهذا ما يتبدي في شعر محمد سليمان، وخاصة في ديوانه الأخير الذي نتوقف عنده هنا، وهو ديوانه الذي يحمل عنوان "أكتب لأحييك". والحقيقة أن هذا العنوان هو عنوان القصيدة الأخيرة فيه. ومع ذلك فإن القارئ حينما يقرأ الديوان بعناية ويتفهم روحه، سوف يكتشف أن دلالة هذا العنوان تشيع في مجمل الديوان.
إن الطابع الشعوري السائد في هذا الديوان هو شعور الغربة والاغتراب، وهو شعور متبادل بين الأنا أو ذات الشاعر من جهة، والآخر أو العالم من جهة أخري. هذا الشعور يشيع بدءًا من الأبيات الأولي في هذا الديوان، حيث تجسد تلك الأبيات حالة الشعور بالغربة والوحدة التي يمكث فيها الشاعر، ويعانيها المبدع في عالم يهجره ولا ينصت إليه:
أنتظر رسائل تأتي.. لا أعرفُ من أينْ
لا أحدَ هناك يراني
لا أحدَ هنا ينحاز إليَّ
لكني خلف السور كميناء مهجورٍ
وأغربل بالأذنين الريحَ وأصْغي
مثل وحيد القرنْ
ولكن هذا الشعور بالغربة والوحدة يتعمق بفعل موقف الآخر الذي لا يكتفي فحسب بإهمال الشاعر ونبذه، وإنما أيضًا بالتوجس منه. ولذلك يحاول الشاعر عبر سائر الديوان أن يقيم صلةً وحوارًا مع هذا الآخر، وأن يطمئنه في نهاية الديوان بأنه وإن كان يبدو غريبًا مختلفًا، إلا أنه يحمل له مشاعر حميمة؛ ولذلك فإنه يكتب قصائده كي يحييه!
تلك هي "التيمة" الرئيسة في الديوان التي يسعي الشاعر إلي تبليغها من خلال أدواته الشعرية. ولهذا فإنه يبحث عن لغة جديدة يدلف من خلالها إلي هذا العالم، لغة تجعل العالم يألفه ويستطيع أن ينصت إليه:
أبحث عن لغة صارمة وجديدة
أبحث عن لغة لا تركض فيها الفوضي
وأعاصير الماضي
هل تعرف أن اللغة تقول وتخفي
وتسميك الآخر
كي أخشاك
وكي أرتاب كثيرًا حين تُطل
وكي ترتاب إذا حييتكَ
أو أدخلتك أبراجي وكهوفي؟
أتمني
أن أكتب بالأرقام قصيدة.
فما هي تلك اللغة الجديدة التي يسعي إليها محمد سليمان هنا؟ الحقيقة أننا يمكن أن نفهم اللغة هنا علي مستويين، باعتبار أن كل مستوي له دلالته الخاصة: فعلي المستوي الأول، يمكن أن نفهم اللغة هنا بالمعني المباشر، أعني اللغة الشعرية من حيث هي مفردات وسياق من كلمات، وصور متخيلة يصطنعها الشاعر من خلال تراكيبه اللغوية الخاصة. وهنا نلاحظ أن لغة الشاعر تميل إلي البساطة والتلقائية، وإلي التعبير عن مفردات الواقع اليومي والاجتماعي والسياسي؛ لعل هذا كله يكسر حاجز الصمت بين الشاعر وواقعه أو عالمه، ويبدد خوف الآخر منه، ذلك الخوف النابع من الإخفاق في التعامل معه وتفهمه. إن اللغة المعبرة عن مفردات الواقع الاجتماعي تتبدي- علي سبيل المثال- في قصيدته بعنوان "نعمة الغياب" التي تصور المأزق الاغترابي الذي يعيش فيه الشاعر ، مثلما يعيش فيه الآخرون، خاصةً في مدن العالم الثالث كمدننا:
في المدن التي
تلتف بالدخان والضجيج والترابْ
في المدن التي
لا تحتفي بالريح أو بالنهرْ
في المدن التي
تباغت الحقول في الظلام
والطيور والشجرْ
في المدن التي
ينام فيها الناس أحيانًا
أمام شاشةٍ
أو فوق مقعدٍ
أو تحت جسرْ
في المدن التي تقدس الحيطانَ والأبوابْ
ندور كالأسْري
معبئين بالصوَرْ
ومحتمين كالأشباح دائمًا
بنعمة الغياب
هذه اللغة المعبرة عن مفردات الواقع الاجتماعي، تمتزج أحيانًا بالتعبير عن مفردات الواقع السياسي، وهو ما نجده_ علي سبيل المثال- في قصيدته في "مديح القيصر"، ذلك القيصر أو الحاكم الذي تريد الجماهير أن تُسمِعه أصواتها دون جدوي، فيقول في تورية بليغة:
من الذي سيعبر البحر إلي روما
لكي يقابل القيصر؟
لا أستطيع العوم كالدولفين
لا...
ولا أجيد الغوص
رئتي ضيقة.. ولا أري في الليل
والحيتان تحرس الممر
....
من الذي سيعبر البحر إذًا
لكي يكلمه
نريد أن يَسمَعننا
وأن يقول للذين يهرسوننا كفي..
وهذه اللغة ذاتها التي تستخدم مفردات الواقع اليومي نجدها أيضًا ممتزجة بالواقع السياسي العام في قصيدته بعنوان "البحر هادئ"، وهي القصيدة التي يصور فيها هذا الواقع الذي يباعتنا يوميًا من خلال نشرة الأخبار التي ينقل لنا فيها المذيع كل كوارث الدنيا من حولنا، ويضعها في بيتنا، ولكنه دائمًا:
قبل انسحابه الجميل ينحني
لكي يقول لي
البحر هادئُ
والرياح لينةْ
بارتفاع القطِّ
ولا ضباب في البعيد يسرق الطريق
ولكن اللغة عند محمد سليمان لها مستوي آخر هنا، أعني لها دلالة أخري غير مباشرة: فالمعني الذي تومئ إليه اللغة هنا لا يكتفي بالاستعانة بمفردات اللغة المستمدة من مجال الواقع المعيش بكل ما ينطوي عليه من أبعاد اجتماعية وسياسية؛ وإنما هو معني يصل إلينا عبر اللغة بما هي لغة، أعني عبر الدلالة العامة للغة من حيث هي خطاب، أي من حيث هي حوار يهدف إلي التواصل مع الآخرين. وتلك الدلالة العامة أو غير المباشرة للغة هي الدلالة الحقيقية لماهيتها، والتي يحاول محمد سليمان تأسيسها هنا من خلال تشكيل لغة الخطاب الشعري. وهنا نجد أن شاعرنا قد ابتدع حيلة ماكرة نراها كثيرًا في شعره، مثلما نراها منبثة هنا وهناك عبر سائر هذا الديوان. وتلك الحيلة التي يلجأ إليها الشاعر- تلقائيًا ودونما تصنع- تتمثل دائمًا في جعل المتلقي حاضرًا علي الدوام في خطابه الشعري، علي نحو تذوب فيه الحدود بين ذات الشاعر أو "الأنا" من جهة، والمتلقي أو "الأنت" من جهة أخري. فخطاب الشاعر موجه دائمًا إلي "الأنت" باعتباره "الآخر" الذي يحاوره الشاعر ويحدثه حديث الأصدقاء، ذلك الحديث الذي يقوم بالضرورة علي الصراحة اللازمة لإمكان قيام أي حوار حقيقي. حقًا إن كل شاعر في النهاية يعبر عن تجربته الذاتية إزاء موقف أو حدث ما، ولكن إن اكتفي الشعر بذلك، فإنه يظل منقوصًا: لأن الشاعر لا ينبغي أن يقنع بالتمركز حول ذاته.. حول أوهامه وتخيلاته ومشاعره الذاتية المحضة التي تخصه وحده، وإنما ينبغي أن يُشعِرنا بأن مشاعره الذاتية هي مشاعرنا جميعًا، وبأن هناك شيئًا مشتركًا بيننا وبينه؛ ومن ثم فإن حديثه إلينا هو حديث "الأنا" الموجه "للأنت". هذا ما يفعله محمد سليمان. ومن شاء أن يتيقن من هذا، فليرجع إلي "كاف" المخاطب الحاضرة دائمًا- ضمنا أو صراحة- في خطابه الشعري!
الكتاب: أكتب لأحييك
المؤلف: محمد سليمان
الناشر: هيئة الكتاب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.