"خارج الألبوم" هو عنوان معرض الفنانة رندا شعث، الذي تم عرضه مؤخراً في قصر الفنون بالزمالك، ومن قبله تم عرضه بشقة خاصة بشارع أحمد حشمت بنفس الحي. اسم المعرض ليس اسماً عرضياً، تشرح رندا: "حاولت اختيار الصور التي لن يحتفظ بها الأهل في ألبومهم الشخصي". الصور تضم لحظات السهو والخطأ، عروس تنشغل أثناء زفافها علي الكوبري بتسوية طرحتها، وعريسها ينظر بعيداً. هذه ليست مجرد صورة. إنها تعبير عن ذوقنا الشخصي، ما نستبعده من ألبوم صورنا الشخصي وما نضعه في صدارته. هذه العروس لن تكون في صدارة الألبوم الشخصي بالطبع، ولكنها في صدارة معرض رندا شعث، هي التي اهتمت بما سيتم استبعاده. موقع الوجه من الكاميرا يسهم كثيراً في تحديد هذا المفهوم وضبطه، علي الأقل في عيون رندا شعث نفسها كما يبدو. خادمة بطرحة سوداء نائمة في الصالة، وجهها للأرض وعيناها مغمضتان، وصورة أخري لخادمتين تجلسان في المطبخ، إحداهما مغرقة في ضحكة هستيرية وتنظر للسقف، وأخري أكثر ضخامة، تنظر إلينا وتعقد ذراعيها أمام صدرها وتبتسم. صحفي أو مصور نعرف هذا من الكاميرا المعلقة علي صدره- يقف مع امرأة في حي شعبي ويفصل بينهما شباك في الطابق الأرضي. تتوجه بالحديث له، ابنها يجلس علي إفريز الشباك يحدق بعيداً، والصحفي يضحك وعيناه مغمضتان. العين المغمضة هي عنصر يتم استبعاده دائماً من الصورة الصحفية، التي تشترط النقاء والوضوح ومخاطبة الوجه المصوَر مباشرة. ولكنها هنا لها الأولوية. صورة أخري للمناضلة نائلة كامل ومعها ابنتها المخرجة نادية كامل والطفل نبيل الذي سبق وأن شوهد في فيلم "سلطة بلدي" للمخرجة، الجميع في غرفة الولادة يباركون مولد طفل جديد في مهده، ولكن الأم ليست معهم. الأم علي السرير تتحدث في الموبايل! أبطال حياتنا الثقافية يقومون بدور بارز في الصور، الفنان محمد عبلة يجلس نائماً علي باب معرضه، المخرج يسري نصر الله يجلس مغمضا عينيه نصف إغماضة وغير منتبه، والروائي _ الدكتور - علاء الأسواني بروب الطبيب يمسك بكشف الأسنان الملوثة بين يديه وينفجر في ضحكة مرحة وسعيدة. بجانب هذا، ثمة أيضا أناس ليسوا أبطالاً ولا نجوماً للحياة الثقافية: فتاة بدينة مستلقية علي الأرض وحولها أربعة أطفال، بنت وثلاثة أولاد، البنت فقط هي التي تنظر للكاميرا، والباقون يتبادلون الابتسامات فيما بينهم. الفتاة البدينة تعرف أن الكاميرا تصور، ولكنها غير مشغولة تماماً بالتحديق فيها، تبدو في لحظة تالية أو سابقة علي لحظة التقاط الصورة المناسبة، الصورة التي ستوضع داخل الألبوم، هذه الصورة المناسبة هي التي لم يهتم بالمعرض بها. مفهوم "خارج الألبوم" هو مفهوم مطاط. ليس بالضرورة أن ينشغل بحالة سهو بارزة كما في حالة العروس التي تعدل طرحتها، قد ينطبق هذا المفهوم أيضا علي راقصة في فرح شعبي، ترتدي بذلة رقص تقليدية ومثيرة تكشف عن بطنها، وحولها جمهور من المثقفين والفنانين _ يبدو هذا علي ملامحهم!، الراقصة نفسها لا تجد نفسها ملزمة بتقديم نظرة الإغواء المعهودة لدي الحديث عن الرقص الشرقي. تستبدلها بنظرة أسيانة، نبيلة ربما، وبالتأكيد هي أسوأ دعاية لفن ارتبط دائماً بالنظرة إليه كفن شعبي وغريزي. أو صورة أخري: صحفية تجلس مع واحدة من أبناء الطبقات الشعبية، تكتب ما تقوله المرأة، الاثنتان لا تنظران إلينا، إنهما غير مشغولتين بنا أصلاً، من تنظر إلينا هي طفلة في مقدمة الصورة، تبدو ابنة للمرأة التي يتم إجراء الحوار معها. الطفلة بشعر أشعث والضوء مركز عليها، لا تضحك للكاميرا، لا تغضب منها، تبدو ببساطة وكأنها لا تفهم الموضوع كله.