كان العشاء في منزل السفير سقيما كما توقعت. أخذت زوجته ترحب بها بشكل مبالغ فيه مما أحرجها بين بقية الحضور، ثم كررت عليها أمام الجميع ضرورة أن تنتقل للإقامة بالسفارة، وأخذتها من يدها تتجول بها في مختلف الغرف والردهات وهي تقول: »البيت كبير وعندنا بدلاً من الغرفة ألف«. كان مقر السفارة المصرية الواقع داخل حدائق غناء، قصرًا جميلاً يعرف باسم »فيلا سافوي« وقد كان ملكا لآخر ملوك إيطاليا من أسرة سافوي الملك عمانويل الثالث الذي نفي إلي مصر في عهد الملك فاروق، وعند عودته إلي إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية قرر إهداء القصر لمصر فجعلته الحكومة مقرًا للسفارة المصرية. أدخلتها زوجة السفير غرفة نوم فسيحة يغلب علي أثاثها اللون الوردي، وقالت لها: »هذه هي الغرفة التي خصصتها لك«. ثم خفضت صوتها وكأنها تسر إليها بشيء لا تريد لبقية الضيوف الذين لم يكونوا معهما أن يسمعوه: »إنها غرفة آخر ملكات مصر.. الملكة ناريمان التي تم إرسالها إلي إيطاليا في بعثة خاصة لتعلم »الإتيكيت« الملكي استعداداً لعقد قرانها علي الملك فاروق. هذه كانت غرفتها طوال فترة إقامتها في روما«. كانت ضحي معجبة بالقصر منذ دخلته قبل سنوات مضت، فقد كان يجمع بين العراقة في أسلوبه المعماري المائل لطراز عصر النهضة، لكنه لم يكن كبير الحجم بل كان أقرب إلي المنزل السكني الكبير منه إلي القصر المترامي الأطراف والذي يشعر فيه ساكنه بالوحشة. ولم يفت زوجة السفير أن تمارس الهواية المفضلة لزوجات السفراء أثناء تلك الجولة التفقدية، فقد ظلت تشير طوال الوقت إلي أنها هي التي أعادت طلاء هذه الغرفة بهذا اللون، وهي التي أصلحت تلك القطعة القديمة من الأثاث، وهي التي أخرجت هذه اللوحات القديمة من المخزن. أبدت ضحي إعجابها بكل شيء وكأنها تدخل القصر لأول مرة، ثم شكرت زوجة السفير علي كل شيء واعتذرت أيضًا عن كل شيء، متمنية بينها وبين نفسها أن تنتهي تلك السهرة التي اقتطعت بعض ساعات من الأيام المعدودة التي كانت ستقضيها في روما. نزلت ضحي بصحبة زوجة السفير الدرج الكبير المؤدي من غرف الدور العلوي إلي بهو المبني حيث تجمع الضيوف، فوجدت أمامها الدكتور أشرف الزيني. كان يتحدث مع السفير ومجموعة من الضيوف. هم السفير علي الفور ليقدم لها الدكتور أشرف وبقية الحضور بطريقة لم تترك لأي منهما فرصة لأن يشير إلي وجود سابق معرفة بينهما. قال السفير للدكتور أشرف: »إسمح لي أن أقدمك إلي ضيفة الشرف الليلة وهي السيدة ضحي الكناني زوجة أحد أهم قيادات الحزب الحاكم، أقصد طبعًا مدحت بك الصفتي«. تعالت أصوات الحضور ما بين همهمات وأصوات ترحيب احمر معها وجه ضحي خجلاً . ثم قال لضحي: »الدكتور أشرف الزيني يشارك في أحد أهم المؤتمرات الدولية والتي ستعقد هذا العام في پالرمو«. لامست يدها يده وهي تقول: »تشرفنا«. بعد العشاء تحينت ضحي الفرصة وذهبت إلي الدكتور أشرف. قالت له بصوت خافت: »لقد وجدت مصدر إلهام لتصميماتي أعتقد أنه سيعجبك«. لم يفهم. قالت: »اكتشفت فراشة مصرية أصيلة غاية في الروعة يمكن أن تكون مصدرًا لتصميمات تفوق في جمالها ما استلهمته من الفراشات الأجنبية«. ابتسم دون أن يعلق. قالت: »إنها فراشة »النمر« المصرية ذات اللون المميز الجامع بين البني والبرتقالي والأصفر وتاريخها يعود إلي عهد الفراعنة. إنني أشعر أن هذه الفراشة المصرية ستغير حياتي«. سهمت قليلا ثم قالت: »كم كنت أود بالفعل أن أعرض علي الجمهور في ميلانو أزياء مستلهمة من الطبيعة المصرية أو التاريخ المصري«. قال مداعبًا: »مثل الأهرامات والنخيل والجمال؟« ردت عليه: »حين قلت ذلك لم أكن قد فهمت ما تقصده«. قال: »لم يكن لي أية مقاصد، كنت فقط أنقل إليك ما قاله أصدقائي الإيطاليون، وعلي أية حال سأشاهد بنفسي أزياءك بعد يومين في ميلانو، عندئذ أقول لك صراحة رأيي فيها«. فغرت فاها قائلة: »كيف؟« قال: »لقد دعاني إبن البروفيسور جيوفاني لحضور العرض وعرض علي أن أنزل ضيفا علي الصالون لمدة يومين، ولما كنا قد انتهينا من مفاوضاتنا في الجامعة فقد وجدتها فرصة أن أمضي يومين في ميلانو قبل سفري إلي پالرمو، أشاهد خلالهما عرض الأزياء«. أحست بحرج شديد وكأن غريبًا يعلن أنه سيدخل عليها غرفة نومها، لم تكن تريد له أن يري الأزياء التي جاءت بها من القاهرة، الأزياء التي بدأت تشعر منذ اشترت ذلك الكتاب، بل ربما منذ قابلت الدكتور أشرف بأنها تفتقر إلي الهوية المصرية، كيف تحول الآن دون ذلك؟ كيف توصد الباب ولا تدعه يدخل غرفة نومها؟ جاء عدد من الضيوف إلي حيث كانت تقف مع الدكتور أشرف، وتشعب الحديث بين الحضور فافترقت ضحي عن الدكتور أشرف. لكنها عادت إلي الفندق في ذلك المساء وهي تشعر بسعادة غامضة لا تعرف سببها. مع ذلك شعرت أيضًا بشيء من الاضطراب لما أخبرها به الدكتور أشرف من أنه سيحضر صالون الأزياء في ميلانو. تقلبت في الفراش لا تستطيع النوم. تذكرت أنها لم تمر علي شركة الطيران. لا يهم. لابد أن الأشياء وصلت. أضاءت النور مرة أخري وأخذت تقلب في الكتاب الذي اشترته في الصباح. كانت كلما نظرت إلي صورة من صور الفراش المصري المتنوع الأشكال تراءي لها علي الفور ما تستطيع أن تصممه من أزياء مستوحية روح هذه الفراشة أو تلك. قلبت الكتاب علي صدرها وهي نائمة فوق سريرها. احتضنته كأنه رجل راقد فوق جسدها. شردت قليلا وهي تنظر إلي سقف الغرفة. تنظر في الفراغ، بينما انسابت من النافذة نسمة ليلية عليلة ارتجف لها جسدها. فكرت في حياتها الزوجية الباردة. لم تكن هناك أية مشاعر دافئة تجمعها مع زوجها. منذ الليلة الأولي لزواجها فشلت علاقتهما الجنسية. كان مدحت مرتبكا وكانت هي أيضًا مرتبكة. تردد كثيرًا قبل أن يبدأ ما كان عليه أن يفعله. كانت قد قرأت أن علي الزوجة أن تساعد الزوج في ليلة الدخلة وألا تظل جثة هامدة ويقوم هو بكل شيء بينما هي ساكنة كالجماد. أرادت أن تساعده. تشجعت ومدت يدها إليه علها تساعد وصوله إلي حالة التأهب، لكن ما إن لامسته حتي سال أمامها لعاب لزج لطخ يدها بلل ملابسها التي لم تكن قد خلعتها بالكامل. غضب مدحت غضبًا شديدًا وعنفها قائلا إنها ما كان عليها أن تفعل ذلك، وأنها أفسدت كل شيء بما فعلته. ظلت تعتذر له قائلة إنها لا تعرف ماذا عليها أن تفعل، وأنها حاولت فقط أن تساعده. وانقضت تلك الليلة التي لم تنمح أبداً من ذاكرتها تاركة في نفسها شعورًا مؤلمًا بالذنب إزاء ما اقترفته يدها دون قصد. مضت بضعة أيام لم يمسسها فيها ، وكأنه يعاقبها علي ما فعلت. انغلقت هي علي نفسها لا تقوي علي أن تخطو خطوة واحدة في هذا الاتجاه، ولا أن تتطرق للحديث في هذا الموضوع من قريب أو بعيد. في الأسبوع الثاني قرر مدحت أن يكرر المحاولة فتركت له نفسها تمامًا دون أن تبادر بأي حركة من جانبها، لكن حدث نفس الشيء وانتهت العملية قبل أن تبدأ فاتهمها بأنها كانت جثة هامدة وأن برودها الجنسي هو الذي يدفعه لأن ينهي الأمر بسرعة رغمًا عنه. لم تفهم ما قصده لكنها لم تناقشه لأنها لم تكن تعرف ماذا تقول، فساد بينهما صمت جنسي سميك كالجدار المنيع. حين فض بكارتها في النهاية كان قد مضي علي زواجهما أكثر من عشرة أيام. لم تكن تعرف أنه في ذلك اليوم تناول بعض العقاقير المخدرة لتعينه علي الصمود لفترة أطوال، وبالفعل طالت الفترة لدقائق مكنته أخيراً من دخولها. لكن ما إن دخلها حتي انتهي الأمر كما حدث في المرات السابقة. تكررت تلك المحاولات أثناء شهر العسل الذي قضياه في جولة أوروبية تمنت انقضاءها، إلي أن سئمت الجنس برمته، فقد كان عملية جسدية مضنية لم تستطع المشاعر أن تخترقها. كان الجدار الذي قام بينهما يزداد سمكاً وارتفاعاً مع كل محاولة جديدة. كان في كل مرة يتركها وهي في قمة تهيجها فكانت تصل إلي ذروتها وهي تغتسل بعد ذلك وحدها في الحمام. كان شهر العسل مؤلمًا عليها نفسيا، بل لعله كان أسوأ فترة في حياتها. أحست أنها كانت السبب في إفساد حياتها الزوجية ، هل كان علي والدتها أن تخبرها بما كان يجب عليها أن تقوم به؟ هل كانت خطيئتها أنها كانت بلا خبرة؟ كم من مرة حاولت أن تتحدث إلي أمها لتشكو لها أو علي الأقل لتسألها كيف يمكن أن تصحح خطأها، لكنها كانت تعجز في اللحظة الأخيرة فلم تكن أمها ستفهم، بل كانت ستفهم لكنها لم تكن ستقدر. لكن الوقت مضي وقرأت ذات يوم في إحدي المجلات النسائية موضوعا طويلا عن القذف المبكر فأدركت أنها ليست وحدها، وأن نسبة لا بأس بها من الرجال يعانون من نفس الحالة، والبعض منهم لا يذهب للطبيب، فطلب العلاج هو اعتراف بالعجز، وهم ليسوا عاجزين رغم أن حالتهم قد تؤدي بالفعل للعجز عن إتمام العملية الجنسية. وهكذا عرفت أنها لا دخل لها فيما يعاني منه زوجها، فكرهته لدرجة أنها فكرت أكثر من مرة في الطلاق لكنها لم تجرؤ علي الإقدام عليه، فالطلاق غير مقبول من أسرتها ولا من أسرته، ثم إنها لم تكن ستجرؤ علي إعلان سبب الطلاق علي أسرتها التي كانت تري أن تجنب الطلاق أهم بكثير من أي سبب كانت ستقوله لهم. نعم كرهت مدحت كراهية شديدة في البداية، كيف يقدم علي الزواج وهو يعلم أنه غير قادر علي تحمل مسئولياته الزوجية؟ ثم كيف يجعلها تشعر طوال الوقت بأنها المذنبة؟ وكيف كان لها أن تعرف أن زوجها يعاني من القذف المبكر؟ يبدو أن في الزواج جانباً قدرياً وأن لكل زوجة حظها الذي تكتشفه فقط بعد الزواج. هل هناك وسيلة كي تعرف الزوجة أو أهلها قبل الزواج القدرات الجنسية لمن يتقدم للزواج منها؟ ظلت مثل هذه الأفكار تشغلها طويلاً لكنها لم تجرؤ علي أن تفاتح أحدًا في هذا الأمر، ولم يكن أمامها وسيلة لإنهاء هذا الوضع بأي شكل من الأشكال. كانت متزوجة رسميًا لكنها فعليا كانت عانسًا، أو مطلقة، أو أرملة، وكان عليها أن تقبل ذلك في صمت. المطلقة قد تتزوج، وكذلك العانس أو الأرملة، لكنها هي كان عليها أن تظل علي حالها. فكرت أكثر من مرة في أن تتحدث إلي شقيقها. لم يعد لها من أسرتها غيره بعد وفاة والديها، ثم إنها كانت ترتاح إليه رغم أنها لم تتعود أن تفاتحه في مثل هذه الأمور. مع الوقت أخذت ضحي تتأقلم مع حياتها بعد الزواج، بدأت تشغل نفسها بدراسة تصميم الأزياء عله يعطي لأيامها معني وهدفًا في تلك الحياة التي كانت بلا زوج وبلا أولاد وبلا معني. وتحولت كراهيتها لمدحت الصفتي إلي ما هو أسوأ، وهو عدم الاكتراث. كان موجودًا وغير موجود. أغلقت علي نفسها حياتها داخل شرنقة الأزياء التي ظلت تغزل بداخلها خيوط الحرير دون أمل في أن يكون لها في يوم من الأيام أجنحة مثل بقية الفراشات، فتخرج من شرنقتها لتحلق في السماء.