يقول الحجابيون ان في السفور - والسفور كما بينا مطابق لمعني الحجاب الشرعي - فساداً للاخلاق وخروجاً بالمرأة عن دائرة الاحتشام. وليس لديهم علي مايقولون من دليل حسي معقول فهم انما يتوهمون. ونقول نحن ان في الحجاب الذي ساد في المسلمين زماناً طويلا موتا للأمة وفسادا لأخلاقها. ودليلنا علي ذلك حسي نسوقه بين أيدي القارئين. كانت النساء في صدر الاسلام سافرات والتاريخ يثبت ذلك بما لا يحتمل الشك. وفي الروايات التي يسوقها الحجابيون عن تحايل بعض المتقدمين في تحجيب نسائهم دليل علي ان اولئك النسوة لم يكن محجبات . وليس من ينكر ان النساء في ذلك المهد كن تقيات عفيفات. وكن فوق ذلك مساويات للرجال في المعارف والعلوم فقد كن يحضرن معهم حلقات الدروس لذلك كان التناسب موجودا بين عقول الرجال والنساء، فكان التفاهم بينهم سهلا ميسوراً. واذا ساد التفاهم بين الناس أمكنهم ان يسيروا في طريق الاصلاح بأقدام ثابثة، وهذا الذي كان ، فإن الامة الاسلامية اندفعت في طريق النمو والرقي بشكل لم يعهد له مثيل في تاريخ العالم، وكان النساء مشاركات الرجال في جميع اعمالهم، وقد حمل إلينا التاريخ ان الفضل في فتوحات الشام يرجع أغلبه إلي نساء المسلمين اللائي كن يصحبن الجيوش الإسلامية في ذلك الفتح. ففي واقعة اليرموك الشهيرة ارتد العرب جازعين مما قابلهم به العدو من معدات القتال مما لاقبل لهم به، فلما اقبلوا نحو النساء قابلنهم بالتعبيير وضربن وجوه خيلهم بالاعمدة فارتدت الخيل نحو العدو جازعة وتحمس الفرسان فانتصروا انتصارهم العظيم. اختلط العرب بالاعجام والعجم من أعرق الامم في الحجاب، وكان العربي يحتقر العجمي ولا يراه مساوياً له فكان بعض المسلمين ينادون »لاتتركوا نساءكم يخالطن العلوج في الاسواق«.. وهكذا أخذ العرب يحجبون نساءهم بفكرة لهن أرفع من ان تنظر اليهن عيون العجم، وهكذا انتشرت عادة الحجاب بين المسلمين وانتشر معها الجهل بين نسائهم. حرمت المرأة بحكم الحجاب من حضور حلقات الدرس واقتصر علي بيتها تصرف بعض وقتها في قضاء حاجاته وتصرف الباقي في الجلوس بلا عمل، فلم تمض سنون حتي أصبحت اغلب النساء جاهلات وأخذت الاوهام والخرافات تستولي علي عقولهن، وكان الرجال علي عكس ذلك يقطعون شوطا بعيدا في سبيل التقدم العلمي، فكانت مسافة الخلف بين عقل والرجل وعقل المرأة تزداد بعدا في كل يوم، والعقول اذا تقاوتت كان التفاهم بينها صعبا.. واذا ساد الخلاف بين العقول فسدت الحياة واختل نظامها. توالت السنون علي الحجاب وازداد الجهل تفشيا بين النساء فأصبحت المرأة لا تشعر الا انها موضع للشهوة البهيمية فكانت تعد نفسها لذلك بكل ما تستطيع. فتعمل ما يصل إلي جهدها لترغيب زوجها فيها. كذلك الرجل أصبح لا يري النساء الا أدوات شهوة له ان يكثر منهن يقدر ما يسمح له به الدين، فكان يقتني من الزوجات أربعاً ويشتري من الاماء ما تسمح له به ثروته ، ولما كان الملوك والامراء هم أكثر الناس مالا وأكبرهم جاها فقد كانوا بطبيعة الحال اقدرهم علي اقتناء العدد الوفير من الاماء وكان النخاسون يتفننون في جلب الجواري الحسان من بنات الروم فيتقاضون فيهن من الامراء أثمانا باهظة. والتاريخ عامر بحكايات اولئك الجواري وما كان لهن من السلطان علي نفوس أمراء الاسلام.. فقد قضي الحجاب ان يكون اجتماع النساء المسلمات بأزواجهن أقل من اجتماع الجواري بهم. وكانت بنات الروم أكثر تفننا في اثارة الشهوة وخلب عقول الامراء، ولهن من جمالهن ما يساعدهن علي ذلك ويفوقهن علي الاميرات الشرقيات . لذلك لم يلبث الامراء ان افتتنوا بالجواري واتخذن منهن ازواجا رزقن منهن أولادا ارتقي بعضهم عروش الملك فيما بعد. كذلك كانت الجواري بما لهن من السيطرة علي قلوب الامراء يجلبن من ذويهن رجالا يتولون شئون الملك، وهكذا اخذ العنصر الاجنبي يسود في بلاط الملوك المسلمين. وجدير بنا أن نشير هنا الي مسألة الغلمان وانتشارهم في قصور الامراء، فقد قضت الحياة الشهوانية التي تغلبت علي نفوس القوم بالتفنن في أساليب التمتع.. وعمت تجارة الرقيق الابيض فجمعت بين الذكور والاناث علي السواء، وأصبحت قصور الامراء مراتع للحسان من ابناء الروم وبناتهم. وصاروا هم ندماء الامراء في ساعات خلوهم من الاعمال.. وهكذا اهملت النساء المسلمات وقضي عليهن الحجاب بان لا يكون لهن نصيب من ازواجهن الا في لحظات قصيرة قد لا يصلن إليها الا بعد سعي وجهاد! ولا اري بي من حاجة الي التوسع في شرح ما كان من نتائج تلك الحال. فقد سادت الفوضي في قصور الامراء وانتشر فيها الفساد، وانتقلب العدوي من الامراء إلي الكبراء والناس علي دين ملوكهم - فكان الصغير يقلد الكبير.. فحكم في الامة روح اجنبي عنها فتمشت الي الانحطاط. ولا أظن مكابرا يقول ان النساء المسلمات كن يستطعن وسط تلك المفاسد ان يحافظن علي شرفهن محافظتهن الاولي عليه، فإن المرأة المسلمة لم تكن دون نساء العالمين حجرا لا تهيج عواطفه تلك المثيرات! في يقيننا ان شيئاً من ذلك لم يكن ليحدث لو لم تحجب النساء ذلك التحجيب الذي جعلهن في نظر ازواجهن كمية مهملة أو اداة من ادوات اللهو ورفع عن الرجال رقابة النساء تلك الرقابة التي لو استمرت علي ما كانت عليه في العهد الاول للمسلمين لما تمكن الرجال من الاندفاع في ذلك التيار الفاسد الذي أودي بهم وبأوطانهم. وسنبين في المقال الآتي ما اصابنا نحن من جراء الحجاب.