القضايا الكبرى لم تغب عن واجهات المنازل كان الهدف من زيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية التعرف علي الأدب الأمريكي المعاصر والثقافة الأمريكية. بدأت الدراسة في ولاية "كنتاكي" في مدينة "لويفل" ضمن ثمان عشرة مشارك من دول مختلفة. في "لويفل" بدأت التعرف علي الثقافات المتنوعة في الولاياتالمتحدة التي تنعكس علي الأجناس الأدبية من شعر ورواية و مسرح و قصة قصيرة . تميزت "لويفل" بوجود الأمريكيين من أصل أفريقي؛ أتيح لنا زيارة أحيائهم والتعرف علي قضاياهم. بعد أسبوعين تقريبا، توجهت إلي مدينة "سانتا فيه" في ولاية "نيو مكسيكو" التي تحمل تأثيرات لاتينية من مكسيك وأسبان. هناك عقدنا مؤتمرا مع أدباء معاصرين، ناقشنا أعمالهم وما طرحت من قضايا. المحطة التالية _ والأهم برأيي- كانت "سان فرانسيسكو" بولاية "كاليفورنيا" التي شهدت حركات التحرر بدءا من "الهيبيز" في ستينيات القرن الماضي إلي مطالب المثليين في الوقت الحاضر؛ لكن هذه الحركات تبدو لي "مانشيت صحفي" إن جاز التعبير، خبر يثير الانتباه، يحوي داخله تاريخ من النضال والمطالبة بحقوق مساوية، للأمريكيين من أصول أفريقية ولاتينية وصينية. "سان فرانسيسكو" إحدي مدن ولاية كاليفورنيا التي تقع في غرب الولاياتالمتحدةالأمريكية وتطل علي المحيط الهادي. إذا كنت قادما من جنوبالولاياتالمتحدة، فأول ما يلفت انتباهك البرودة التي تتميز بها المدينة، ربما بسبب موقعها. يحيط الماء بسان فرانسيسكو من ثلاث جهات: المحيط الهادي وخليج سان فرانسيسكو والقرن الذهبي؛ ويمتد جسر الخليج الذهبي ليصل شبة جزيرة سان "فرانسيسكو" ب"مارين كونتي"، الجزء الشمالي من الخليج. من أعلي الجسر يمكن رؤية المدينة بما بها من أبراج يلامس الضباب قممها. الضباب سيمنحك الشعور بأن الرؤية ليست واضحة وأن أمامك الكثير لتكتشفه؛ لكن أصوات الدراجات علي الجسر ستعيدك لوقع خطواتك وسط زحام السائرين. كان "ميدان آلامو" محطتي الأولي بالمدينة؛ يتوسط الميدان حديقة بها ألوان شتي من الزهور، بالخلف صف من البيوت تعود إلي القرن التاسع عشر، تم طلاؤها بألوان جذابة، فوقها نهايات مثلثة مغطاة بالأرميد. إذا أمعنت النظر يمكنك رؤية الجسر و الأبراج، يكسوها الضباب. لجمال المشهد، يفضل السائحون التقاط الصور بالميدان. في حي"ميشن" يمتزج الماضي والحاضر، يصبح الأخير امتدادا للأول. في كل مكان بالمدينة، تنطق الجدران والحجارة برسومات تأتي رمزية أحيانا وجلية المعني في أحيان أخري: رسمه تجريدية لسيدة يخرج طفل من فرجها، دلالة علي مشهد الولادة؛ كاريكاتور لسيارات فوق بعضها البعض؛ وراقصة بملابس هندية تذكرك بحكايات ألف ليلة؛ بجوارها وجه نجمة من نجمات هوليود. القضايا الكبري لم تغب عن تلك الرسومات، أحد المباني أطلق عليه "مبني النساء" لأن واجهته تحتفي بحركة تحرر المرأة: تري رسمه لفلاحة مكسيكية، أصابع يد في وضع الانغلاق، و امرأة تضع يدها علي رأس عجوز كأنما تمرضها. بالأسفل كتبت بعض أسماء الرائدات في العالم. نضال العبيد لنيل حريتهم وحركات العمال والطلاب تجسدت في رسومات أخري. إحدي المدارس للصم والبكم رسمت إشارات التخاطب علي واجهتها. في غالب تلك الرسومات يكسو اللون الأسمر البشرة ، لكي يعبر عن سكان المدينة الأوائل من أفارقة وهنود حمر ومكسيك وأسبان. المحطة التالية كانت "حي الصين" الذي يسكنه المهاجرون القادمون من الصين. هناك شعرت كأنني انتقلت إلي جمهورية الصين الشعبية علي الرغم من كوني بالولاياتالمتحدة: بنايات في قممها بلكونات تتدرج في شكل هرم، أسماء مكتوبة بالصينية في لوحات حمراء، وكرات حمراء أيضا تتدلي من البلكونات والمنازل، كما لو كان أحدهم قرر الاحتفال بشهر رمضان علي الطريقة الصينية. توقفت عند مصنع صغير لصناعة البسكويت الأمريكي،"كوكيز"، عرفت إنه الأقدم في المدينة؛ بالداخل ورقة صغيرة ترشدك إلي أن التقاط الصورة بنصف دولار. الموسيقي ملمح آخر ل"سان فرانسيسكو": يقف الهواة في الشوارع الكبيرة ، يعزفون ويرقصون أحيانا في مقابل ما يجود به مشجعيهم. في اليوم التالي، توجهت إلي "كاسترو"، الحي الأكثر كثافة في "سان فرانسيسكو" للمثليين؛ بعض البنايات تحمل أعلاما دلالة علي أنها لا تعارض سكن المثليين بها. الكافيتريات تمتلئ بأولاد وبنات وكبار السن، جلست أتأمل الوجوه من حولي، فكرت أن الجميع في هذه المدينة يدافع عن حقه في الوجود، حقيقة ثابتة، سواء اتفقت معها أو اختلفت.