يحتفل الأقباط بعيد القيامة اليوم الأحد وفي يوم الاثنين -أي اليوم التالي- يحتفل المصريون جميعا بعيد شم النسيم، عيد الربيع ويذهبون الي الحدائق حيث يقضون اليوم كله متمتعين بجمال الطبيعة. ولقد ارتبطت تعاليم السيد المسيح بالطبيعة ارتباطا وثيقا وبخاصة في الموعظة علي الجبل ومن هذه الطبيعة ضرب أمثاله واخذ منها تشبيهاته واستعاراته.. »من له عينان للنظر.. فلينظر« وكان هدف السيد المسيح.. هذا الهدف التربوي العظيم.. ان يوجه أنظار الناس- في كل زمان وفي كل مكان الي روعة وغني هذه الطبيعة.. بجمالها وبهذه الدروس التي يمكن ان يستفيد بها الإنسان وهو يتابع ظواهرها المختلفة.. فعندما ينتهي الشتاء.. يأتي بعده الربيع.. بزهوره وصفاء جوه وزرقة سمائه.. ذلك يعلمنا ان الفرح يعقب الحزن.. وان البسمة تأتي بعدها الدموع.. وان الفرج يعقب الضيق. كان السيد المسيح يريد بتعاليمه وامثاله ان تمتليء قلوب الناس. كل الناس.. بالتفاؤل والأمل والثقة لنتأمل كلمات السيد المسيح. »يشبه ملكوت السموات حبة خردل، اخذها انسان وزرعها في حقله، وهي أصغر جميع البذور، ولكن متي نمت فهي أكبر البقول، وتصير شجرة حتي ان طيور السماء تأتي وتأوي في أغصانها.. ويحذرنا السيد المسيح من الأنبياء الكذبة.. يقول: »من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنبا، أو من الحسك تينا؟« هكذا كل شجرة جيدة تصنع اثمارا جيدة، اما الشجرة الردية فتصنع اثمارا ردية.. ثم يؤكد السيد المسيح هذا المعني قائلاً: »لا تقدر شجرة جيدة ان تصنع اثمارا ردية، ولا شجرة ردية ان تصنع اثمارا جيدة«. وفي مصر القديمة.. منذ آلاف السنين.. علم اوزيريس »رب الخير« المصريين الزراعة كما علمهم الغناء.. واوزيريس هو الذي خلص الإنسان المصري من كل ألوان البداوة وعدم الاستقرار والحرمان.. وعلمه كيف يستقر ويزرع الأرض ويصنع الحضارة. وعند ولادة اوزيريس دوي في الآفاق صوت يردد »هاهو رب كل شيء يخرج الي النور« وكان المصريون القدماء يكتبون اسم اوزيريس: »عين وصولجان« ومعني اسم اويزيريس: »ذو العيون الكبيرة«. وكان يحرم علي كل من يؤمن باوزيريس ان يجفف عين ماء جارية او ان يقطع شجرة مثمرة وكانت العين- رمز اوزيريس- ترسم علي المراكب اذ كانت العين رمز الخير والعطاء. وكان المصريون القدماء يعتبرون اوزيريس »روح القمح وواهب الحياة«. وفي عيد الربيع والثمار كان المصريون القدماء يخرجون الي الحقول فرحين بعودة الحياة الي الطبيعة.. نباتها وزهورها والرمز الي بعث الطبيعة نراه في مقابر الأسرة الثانية عشرة اذ وجدت أحواض اوزيريس، وهي أوان من الطين ينبت فيها الشعير.. كذلك نجد هذه الأحواض الصغيرة في مقابر الأسرة الثامنة عشرة.. ولقد بقيت هذه العادة حتي اليوم في بيوتنا القبطية. ونعود الي مصر القديمة وإلي القرن الرابع عشر قبل الميلاد ونتوقف قليلا عند هذا الحاكم الشاعر اخناتون والذي بشر بالتوحيد وترك لنا هذه القصيدة الرائعة التي تمد النور.. وانا اري ان اخناتون من عظم شعراء الطبيعة.. يقول في نشيده »الي اتون« (ويرمز الي اتون بالشمس. نورا وحرارة وعطاء). »انت يامن يضيء المشرق بنوره فتملأ الأرض بجمالك ايها الجميل القوي الرائع« ولعل اخناتون.. هذا الشاعر الحالم والحاكم الثائر اصدق من تغني بجمال الطبيعة في تاريخنا القديم. ولنستمع الي المؤرخ الكبير ول ديورانت وهو يتحدث عن اخناتون في »قصة الحضارة« من ترجمة محمد بدران: »كان الشاعر اخناتون يعيش عيشة البساطة والاطمئنان.. وكانت له سبع بنات، ولكنه لم يكن له ولد ذكر، ومع ان القانون كان يجيز له ان يطلب له وارثا ذكرا من زوجة ثانية، فانه لم يقدم علي هذا الحل، وآثر ان يظل وفيا لزوجته نفرتيتي. وكان يصف زوجته بانها سيدة سعادته.. ويقول »إن الملك يبتهج قلبه حين يسمع صوتها«. كان حكم هذا الملك فترة من الحنو والعطف وسط ملحمة القوة والسلطان في تاريخ مصر« وكانت عقيدة اخناتون تدعو الي التزام الصدق والأمانة والواقعية في كل الوان الابداع والسلوك. وكان اخناتون يدعو الي اقامة رابطة عالمية تربط مصر بجيرانها وبكل العالم.. برباط وثيق من المحبة والثقة والعدل والحرية والسلام. كان اخناتون يحاول بناء عالم واحد يقوم علي مباديء التعاون والتفاهم واحترام كرامة الإنسان.. كل انسان. ومازلنا بعد خمسة وثلاثين قرنا من الزمان نحلم.. مجرد حلم.. بتحقيق واقامة عالم اخناتون.. ومات اخناتون شهيد هذا الحلم الإنساني العظيم. وفي نشيد اخناتون الي اتون تتجسد دعوة السيد المسيح »من له عينان للنظر.. فلينظر«.