العفو عن علاء عبدالفتاح.. «القومي لحقوق الإنسان»: خطوة إنسانية ورسالة سياسية    زييكر 9X.. تعريف مختلف للسيارات الكهربائية    أحمد فشير: تحديث استمارة بيانات المواطنين ببورسعيد شرطًا لاستمرارهم على منظومة التموين    الرئيس الفلسطيني يوجه رسالة إلى الشعب الإسرائيلي: من حق أجيالنا أن تنعم بالأمن والحرية    غارة إسرائيلية تقتل أسرة جنوب لبنان    محمد صلاح رابع البالون دور 2025 بحفل جوائز الكرة الذهبية    رياضة ½ الليل| صلاح رابع العالم.. ديمبلي «ذهب» الملاعب.. إنجاز تاريخي لمصر.. الأهلي مهتم بلاج.. ولغز غياب صلاح    الهلال يحقق فوزًا صعبًا على العدالة ويتأهل لثمن نهائي كأس الملك    استقبال حافل لمنتخب ناشئات اليد 2008 بعد التتويج ببطولة إفريقيا    ضبط شخص أجبر كلبه على مهاجمة كلب ضال بالعجوزة    «المرور».. أولوية| لتفادي حوادث الطرق    وزارة الداخلية تضبط متهما بالتعدي على كلب ضال في الجيزة    أحمد السقا أفضل ممثل عن "أحمد وأحمد" في مهرجان الفضائيات العربية    جنيف للدراسات السياسية: الاعترافات الدولية بفلسطين خطوة مهمة قانونيا ودبلوماسيا    انتخاب هيئة الدواء نائبًا لرئيس اللجنة التوجيهية لبرنامج تابع لوكالة الاتحاد الأفريقى للتنمية    حقيقة ترشيح حسام البدري لخلافة ريبيرو فى تدريب الأهلي    خوان لابورتا: فليك أفضل مدرب في العالم    رئيس جامعة الأزهر يفتتح معملي الحاسبات والواقع الافتراضي ونظم المعلومات الحضارية بكلية الهندسة للبنين    جوائز ل «ضى» بمهرجان بغداد    بعد خفض الفائدة 2%.. ما هي أعلى شهادة في بنك مصر الآن؟    نشرة «المصرى اليوم» من الإسكندرية: 6 قرارات عاجلة في واقعة انقلاب «ميكروباص المحمودية»    صناع الخير ترسم البهجة في أول يوم دراسي بمدرسة كفر الأربعين الإبتدائية بالقليوبية    أزمة المطورين العقاريين في مصر.. حينما يتم تعجيز الطبقة الوسطى    قبل مزاعم «سرقة أعضاء إبراهيم شيكا».. شائعات طاردت الفنانة وفاء عامر    إطلالة مميزة للفنانة صابرين تبرز جمالها.. صور    بعد تصريحاته عنها.. هنا الزاهد تفاجئ جمهورها وتنشر صورتها مع أمير كرارة: «أنا آسفة»    «عينيهم زايغة».. رجال هذه الأبراج مستهترين ويتهربون من العلاقات    البحوث الإسلامية: الأمة الإسلامية في حاجة ماسة إلى تجديد الصلة بالنبي    من هم ال70 ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؟.. الشيخ رمضان عبد المعز يوضح    ما هي صلاة الغفلة وكيفية أدائها؟.. أمينة الفتوى تجيب (قيديو)    لذيذة ومنقذة لآخر الشهر.. حضري كفتة الفراخ بالبطاطس والخضار    برتوكول تعاون بين جامعة كفر الشيخ والصحة لتنفيذ الخطة العاجلة للسكان والتنمية    صحة سوهاج تنظم قافلة طبية مجانية بقرية الزواتنة قبلي بمركز جرجا    «بعد ارتفاع أسعار الطماطم».. 5 مكونات سحرية تضاعف كمية الصلصة من غير ما تفرق في الطعم    إلهام شاهين تحتفي بمحمد منير: "أخي وصديقي الغالي وعشرة العمر"    فيديو.. أبو الغيط: قرار قمة الدوحة بشأن مراجعة العلاقات مع إسرائيل يجب أن يؤخذ بالجدية الواجبة    تعرف على مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 22سبتمبر 2025    مواقيت الصلاة اليوم الأثنين 22 سبتمبر في بني سويف    أحمد السيد: عماد النحاس الأنسب للأهلي بالفترة الحالية.. والقمة لا تخضع لأي حسابات    يونيسف: مقتل 11 طفلا في غارة بطائرة مسيرة على مسجد بالفاشر السودانية    الثقة    شرط جديد للحصول على رخصة قيادة أو تجديدها في مصر    حفل استقبال الطلاب الجدد بكلية العلوم جامعة الفيوم.. صور    الداخلية تكشف ملابسات فيديو تعاطي المخدرات أسفل أحد العقارات بالقاهرة    وسط فرحة الطلاب.. محافظ المنوفية يفتتح مدرستين ببروى وبكفر القلشى للتعليم الأساسي    الرئيس السيسي يقرر العفو عن علاء عبد الفتاح و5 آخرين    عبد الله السعيد: أتمنى تتويج منتخب مصر بكأس الأمم وجاهز للعودة إذا طُلب مني    الآن.. انطلاق تنسيق الثانوية الأزهرية للقبول بالجامعات والمعاهد العليا    وسط ترقب كبير .. يامال يقود وفد برشلونة لحضور حفل الكرة الذهبية لعام 2025    اللجنة المصرية لإغاثة أهالي غزة تتوصل لطفلي طريق الرشيد بغزة.. ووالدتهما: بشكر الرئيس السيسي    ضبط 6 آلاف علبة جبنة فاسدة داخل مخزن خلال حملة تموينية في الأقصر    «الداخلية» تضبط تشكيلا يضم شخصين و3 سيدات بتهمة الترويج للأعمال المنافية للآداب بالقاهرة    "البحوث الزراعية" ينظم المنتدى العلمي الأول حول تطبيقات الإدارة المتكاملة    بالصور - محافظ أسوان يتفقد 1540 مدرسة استعدادًا للعام الدراسي    رئيس جامعة القاهرة يتلقى تقريرا عن مؤشرات الأداء بمستشفيات قصر العيني    خلال لقائه مع نظيره الكويتي .. وزير الخارجية يؤكد رفض مصر القاطع لأي محاولات للمساس بأمن واستقرار الخليج    بعد الظهور الأول لهما.. ماذا قال ترامب عن لقائه ب ماسك؟    أحمد العوضي: لو هتجوز مش هقول.. ومشغول بمسلسل «علي كلاي» لرمضان 2026    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ضبط عيار الدهشة
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 03 - 2010

تخيل أنك فتحت بابك في الصباح فلم تستطع الخروج لأن أمامك "كانجارو". أوتخيل أن النيل قد جفّ، وبدأ الناس يصابون بموجات من العطش دون أن تعلن الحكومة عن ذلك. أو تخيل أن البنات الموجودات أمامك نوعان؛ طبيعي وآخر هو نتاج مزرعة علي بعد أمتار من المدينة، بل ويقوم علي زراعتهن رجال يعيش بعضهم بيننا. أو تخيل أن صديقا لك يعود من السفر ليهديك قميصا بمجرد أن تضعه علي جسمك تتنقل بين العوالم، وبحيث كلما انتقلتَ إلي أي من تلك العوالم ينطفئ الذي قبله. أو تخيل أنك دعيت كصحفي لتغطية مؤتمر "الكمة الأفريكية" في غانا، وهناك ذهبت لتقضي بضع ساعات علي شاطئ الأطلنطي فالتف حولك خمسون إنسيًّا باعتبارك "خواجة". أو تخيل أن أربعة مثقفين خرجوا سكاري من حفل منزلي لتضمهم شوارع وسط البلد وأن يكون أحدهم مصريًّا والآخر سودانيًّا والثالث سوريًّا والرابع مغربيًّا. أوتخيل أن كاتبة صديقة لك تدعوك لمقابلة أخيها ليس لتقديمك له علي أنك خطيبها المحتمل، ولكن لتقديمه لك علي أنه عشيقها المحتمل. هذه هي الافتراضات التي يبني عليها إيهاب عبد الحميد مجموعته القصصية "قميص هاواي" (ميريت 2010).
وبالنظر إلي أعماله السابقة "بائعة الحزن" (قصص _ شرقيات - 1998)، و "عشاق خائبون" (الرواية الفائزة بجائزة ساويرس _ ميريت _ 2005)، يتبين أن إيهاب عبد الحميد من الكتّاب المقلّين في إنتاجهم الذين يؤثرون الخروج علي قرائهم بأعمال مكتملة. وهو ما تحقق له في هذه القصص التسع الرائعة.
تتراوح القصص في "قميص هاواي" بين افتراضات واقعية (موتو، الكاتبة، القاهرة، مؤتمر الكمّة الأفريكية)، وأخري فانتازية (العطش، قميص هاواي، البنت الفقيرة والشمبانزي العاشق _ حكاية أطفال، مزرعة البنات، مع كانجارو). وفيها يدور إيهاب عبد الحميد وندور معه بين أرجاء خيال مدهش مترامي الأطراف، وسخرية من النوع الأصيل الراقي. مقدمًا مساهمته الجديدة في فن القصة المصرية والعربية، وقد غلّفها بدهاء أدبي يُقدّر معني "الأمثولة" (Allegory)، ويعرف كيف يوازن بين الواقع والخيال، وكيف يضبط عيار الدهشة التي ستصيب قارئه في كل من قصصه الأخاذة. فيكشف لنا عما يدور وراء الستار في حياتنا؛ حيث يظل التوقيف في الشوارع، وزنا المحارم، والسيولة السياسية، والتعذيب علامات دامغة علي تأرجح مصائرنا اليومية، أو تلك الوجودية.
ناصية السرد
يختار إيهاب عبد الحميد في هذه المجموعة واحدًا من أصعب أشكال القصّ، ولهذا فهو واحد من أمتعها وربما أندرها في القصة العربية. وفيه تقوم القصة علي افتراض يقلب حياة أبطالها رأسًا علي عقب، ويظل الراوي فيه إمّا في موقع المشاهد الذي يسعي لتوريط القارئ في حل اللغز، قبل أن يفاجئه - وبالدهاء نفسه - بنهاية مراوِغة، بقدر ما هي وجودية وداعية للتأمل في كل الأحوال، أو في موقع المتورط الذي يترك القارئ حائرًا بين اللهاث معه للتخلص من الورطة، أو البقاء في تلك الورطة، ربما يكون الوضع معها أحسن حالًا من الحياة الطبيعية التي تركاها علي عتبات القصة.
والمثال علي النوع الأول قصة "الكاتبة"، أو"العطش" التي يتعرض فيها الراوي ومعه عموم المصريين للعطش لأن النيل - ببساطة - قد جفّ، ومع ذلك يفضّل ذلك "العبيط" علي متابعة لغز العطش أن يساير فتاة ثرثارة "عبيطة" أحبته فجأة، وكانت السبب الوحيد في تلهّيه عن المصيبة الكبيرة، بل وإنقاذه منها. والنهاية المراوِغة التي تدعو إلي التأمل هنا أنها أنقذته بممارسة الحب فصبّر نفسه بأن العطش _ وببساطة أيضًا _ ربما ينتهي غدًا، ولكن ذلك لا يحدث قبل أن يذوب القارئ في البحث عن سر هذا الجفاف.
والمثال علي النوع الثاني قصة "قميص هاواي" أو "مع كانجارو" حيث يفتح الراوي باب بيته يومًا ليجد "كانجارو" متربعًا أمامه، ولا ينشغل الراوي بتبرير ذلك أمام القارئ بحال، فهو يعلم أن القارئ شريكه في حيرته، وبالتالي فإنه يصدقه من حيث المبدأ، وإنما يشغل القارئ معه في تبرير (وجود) ذلك الكانجارو أمام موظف حديقة الحيوان، أو خطيبته وحماته اللتَين يفقدهما لاحقًا بسبب الكانجارو نفسه، أو ضابط أمن الدولة الذي يمسح بكرامته البلاط للسبب نفسه، وذلك كله قبل أن تأتي نهايته المراوغة هذه المرة بأنه لن يكون في مقدوره مواصلة الحياة بدون حيوانه الأثير، لأن الكانجارو، وببساطة مرة أخري، موجود بالفعل. ويظل علي القارئ حينها أن يُكمل لنفسه أو لمن يحكي لهم باقي قصة الراوي مع ذلك الكانجارو (الموجود بالفعل).
لقد أتاحت "الأمثولة" لإيهاب عبد الحميد أن يطوف بنا في جغرافيات عديدة؛ منها المعلوم البعيد مثل شواطئ الأطلنطي في غانا، أو المتخيل مثل العوالم التي حطّ فيها بقميص هاواي. كما سمحت له السخرية وخصوصًا من عمله بالصحافة أن يسجل ظواهر اجتماعية ووقائع سياسية لم تبدُ بحال مفارِقةً للفنية أو مزعجة للقارئ. واستطاع هو أن يُغْنِي العوالم التي تَنَقّل بينها بشخوص عديدة أعطي لكل منها ملامح مرئية، بحيث تظل علامات في ذاكرة القارئ. وبلغ من التكثيف في ذلك أن زرع في قصصه بَشَرًا بِسَطْر واحد، بل وجملة واحدة. اسمع إليه يقول عن الطبيب البيطري الذي استدعاه للكانجارو: "لم يندهش كثيرًا، لأن الاندهاش سيُضيِّع منه خيط الكلام، ويجعله يلتزم الصمت ولو لِدقائق، ويلعب دور المستمع"، أو حين يقول عن "الإنسان" الذي قابله علي شواطئ غانا: "ثم جاءت هذه الفتاة الطيبة، أو لنقل هذا الفتي. الأفضل من باب الاحتراز أن نسميه هذا الإنسان".
غير أن ما يبدو واحدًا من أجمل إنجازات هذه المجموعة هو اللحظات التي بدأ منها الراوي حكاياته، والتي تَنُمّ عن ذكاء في اختيار اللحظة يُعَدّ - بالنسبة لي - العلامة الأظهر علي إحكام العمل؛ بما يُتيحه للراوي من فرصة التدخل هنا أو الشرح أو التبرير هناك، دون أن يُعتبَر ذلك سماجة أو تثاقفًا او فعلا مملا.
ناصية اللغة
جاء الاختيار اللغوي في "قميص هاواي" منتميًا إلي الفصحي المعاصرة بكامله، حتي إن بعض الكلمات العامية التي تسربت بطبيعة الحال إلي النصوص وُضعت بين علامتي تنصيص، ولكن الكاتب نجح في أن يُنوِّع بين مستويات تلك الفصحي بحيث جاء استخدامها شديد الدلالة في جُلّ أغراضه، وظنّي أن واحدًا من المشاهد التي برع فيها الكاتب في استعراض عضلاته اللغوية _ ليس بالمعني الكلاسيكي لإتقان النحو _ هو مشهد البنت الثرثارة في قصة "العطش"، حيث استطاع أن يستخدم لغة فصحي وكأنها معدّة خصيصًا لذلك الغرض، وأعني علي مستوي بنية الجمل في تتابعها - الاسمي والعطفي - الشفاهي الذي أصبح نادرًا في استخدامات الفصحي المعاصرة.
ويبقي أن أشير في ذلك الباب أيضًا إلي الطرافة البالغة للمجاز في قصص "قميص هاواي"؛ فقد استطاع الكاتب أن يمرّر كلامًا يعتبر في كل الأحوال مجازيًّا مثل "البنات اللاتي نزرعهن" أو "فتاة الليل التي تتواجد في مكانين في الوقت نفسه" علي أنه _ وبكل يقين _ كلام حقيقي لا يمكن أن يرقي إليه الشك! وهو ما أعطاه حرية بالغة في اللعب بالمجاز دون أن تتحول جملته إلي الغنائية الصارفة (ربما في إضافة نوعية لكتابته). هذا "المجاز الحقيقي" هو نفسه الذي استدعي _ من ناحية أخري - لغة تبالغ في وصف عادات الراوي أحيانا "إسرافه في حب صنف واحد من الطعام، لا يأكل غيره حتي يمل منه"، وفي استعراض تأملاته ومواءماته مع الحياة والتي تختلط ب "لامبالاة" مسلّية لاذعة تتداخل مع الدخان الأزرق في أحيان كثيرة. اسمع: "لا أعرف لماذا أقصّ كل تلك التفاصيل، لكن في الحكي فضفضة علي أي حال، كما أنه _ بطبيعته _ يحوي بعضًا من الموعظة ومتعة التأمل... أفكر في شريط حياتي، وهي عملية مفيدة لشغل وقت الفراغ".
الكتاب: قميص هاواي
المؤلف: إيهاب عبد الحميد
الناشر: ميريت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.