إقبال ملحوظ من الناخبين على لجان الحسينية بالشرقية في جولة الإعادة لانتخابات النواب    الداخلية تحاصر «سماسرة الانتخابات».. سقوط 17 متهمًا بشراء الأصوات | صور    الحكومة تمنح الرخصة الذهبية لمشروع «ماك» لإنتاج وتجميع السيارات والميني باص    «الوزراء» يوافق على منحة كورية لدعم البنية التحتية للطاقة الخضراء بقناة السويس    600 قائد عسكري إسرائيلي لترامب: لا مرحلة ثانية لغزة دون نزع سلاح حماس وإشراك السلطة    رئيس وزراء الأردن: عمان تدعم جهود الجامعة العربية فى العمل الاجتماعى    طيران الاحتلال يشن غارة جوية بمحيط منطقة السامر في غزة وأنباء أولية عن سقوط شهيد    بمشاركة منتخب مصر.. فيفا يعلن الجوائز المالية لكأس العالم 2026    صفحة منتخب مصر ترحب بمحمد صلاح: الملك فى الوطن    الروائى شريف سعيد يتحدث عن "عسل السنيورة" الفائزة بجائزة نجيب محفوظ    وزراء الري والزراعة والصناعة: تعامل حازم مع أى تعديات على المجارى المائية والطرق    ضبط شخص بحوزته عدد من البطاقات الشخصية لناخبين ومبالغ مالي    الداخلية تضبط مكبر صوت بحوزة 3 أشخاص يحشدون لناخب فى سيدى سالم    مصر تدين مصادقة الحكومة الإسرائيلية علي إقامة 19 مستوطنة جديدة بالضفة الغربية    كيف دعم حسن حسني الراحلة نيفين مندور في فيلم «اللي بالي بالك»؟    وزير الأوقاف يكرم المشاركين فى نجاح المسابقة العالمية 32 للقرآن الكريم    كيف تميز العقار الأصلي من المغشوش؟ تعليمات حكومية جديدة    تأييد حبس الفنان محمد رمضان عامين بسبب أغنية رقم واحد يا أنصاص    مجلس الوزراء يهنىء الرئيس بمنحه أرفع وسام من "الفاو"    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب سيارة سوزوكي بشمال سيناء    وزير الرياضة يعلن عودة نعمة سعيد من الاعتزال تحضيرا ل أولمبياد لوس أنجلوس    العقول الخضراء والتنمية المستدامة ندوة توعوية لطالبات الثانوية التجارية بسوهاج    باسل رحمي: نحرص على تدريب المواطنين والشباب على إقامة مشروعات جديدة    الحكومة توضح حقيقة مشكلات الصرف الصحي في قرى مغاغة: سببها التسريب والكسر وليس سوء التنفيذ    إحالة أوراق متهم بقتل شخص فى سوهاج بسبب خلافات ثأرية إلى فضيلة المفتى    الداخلية تضبط 3 أشخاص لتوزيعهم أموال بمحيط لجان المطرية    بوتين يؤكد تطوير القدرات العسكرية ومواصلة العملية فى أوكرانيا    الداخلية تضبط شخص بدائرة قسم شرطة المطرية بحوزته مبالغ مالية وعدد من كوبونات السلع الغذائية متعلقة بالانتخابات    العدل يدعو للمشاركة في جولة الإعادة البرلمانية: الانضباط داخل اللجان يعزز الثقة والبرلمان القوي شرط للإصلاح    حقيقة انفصال مصطفى أبو سريع عن زوجته بسبب غادة عبدالرازق    مفتي الجمهورية يلتقي نظيره الكازاخستاني على هامش الندوة الدولية الثانية للإفتاء    مكتبة الإسكندرية تشارك في افتتاح ملتقى القاهرة الدولي للخط العربي    قائمة ريال مدريد - غياب فالفيردي وكورتوا في مواجهة تالافيرا    أسوان تكرم 41 سيدة من حافظات القرآن الكريم ضمن حلقات الشيخ شعيب أبو سلامة    18 فبراير 2026 أول أيام شهر رمضان فلكيًا    الزمالك يكشف موقف آدم كايد من لقاء الزمالك وحرس الحدود    المطبخ المصري.. جذور وحكايات وهوية    أم كلثوم.. حين تتحول قراءة الرمز إلى تقزيم    المحمدي: ظُلمت في الزمالك.. ومباريات الدوري سنلعبها كالكؤوس    أوكرانيا تعلن استهداف مصفاة نفطية روسية ومنصة بحر القزوين    «أندرية زكي»: خطاب الكراهية يهدد السلم المجتمعي ويتطلب مواجهة شاملة    البرهان يعلن استعداده للتعاون مع ترامب لإنهاء الحرب في السودان    المصرف المتحد يرعى المسابقة العالمية للقرآن الكريم في نسختها الثانية والثلاثين    «الست» تتصدر شباك التذاكر.. أبرز إيرادات أفلام دور العرض المصرية    مع بدء التصويت بانتخابات الاعادة للمرحلة الثانية .. حزب العدل يتقدم ب 7 شكاوي للهيئة الوطنية للانتخابات    عاجل- الأرصاد السعودية تحذر: أمطار ورياح شديدة على منطقة حائل    محافظ قنا يوجه بحملات مرورية مكثفة للحد من حوادث الطرق    متحدث وزارة الصحة يقدم نصائح إرشادية للوقاية من الإنفلونزا الموسمية داخل المدارس    إعلام الاحتلال: إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع حزب الله نهاية العام    سطوحي قائمًا بأعمال عميد علوم عين شمس وطنطاوي للآثار    إصابة ثلاثة طلاب من جامعة بنها جراء اعتداء بمياه النار في كفر شكر    الصحة تكشف تفاصيل تجديد بروتوكول مواجهة الطوارئ الطبية لمدة 3 سنوات جديدة    صحة سوهاج: تنظيم 2105 ندوات توعوية لصحة الفم والأسنان خلال شهر نوفمبر    سعر الدولار اليوم الأربعاء 17 ديسمبر 2025 في مصر    اسعار الخضروات اليوم الاربعاء 17 ديسمبر 2025 فى اسواق المنيا    مرونة الإسلام.. وخلافات الصحابة    «كامل أبو علي»: أتمنى فتح صفحة جديدة وعودة العلاقات مع الأهلي    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التحرر من الكابوس بتحويله إلي واقع

أغلب الظن أن القصة القصيرة بدأت في استعادة مكانتها‏,‏ بعد الضجيج شبه النقدي الذي استمر عدة سنوات حول زمن الرواية‏,‏ وبنظرة سريعة يمكن ملاحظة صدور عدد كبير من المجموعات القصصية أخيرا‏,‏ فإبراهيم أصلان وبهاء طاهر ومحمد البساطي علي سبيل المثال أصدر كل منهم مجموعة قصصية‏,
‏ وخلال العامين الماضيين أصدر عدد آخر من كتاب السبعينات مجموعاتهم القصصية‏,‏ بل ان مجلة الكتابة الأخري في عددها الأخير احتوت علي قصص قصيرة ممتازة للأجيال الجديدة‏,‏ ومع مطلع العام الحالي صدرت عدة مجموعات قصصية لهدرا جرجس وحمدي أبو جليل وإيهاب عبد الحميد وغيرهم‏.‏
وسوف أتوقف في السطور التالية عند مجموعة قميص هاواي لايهاب عبد الحميد الصادرة عن دار ميريت‏.‏ يبدو لي ان الكاتب حقق في هذه المجموعة درجة عالية من النضج الفني والاتقان والعكوف علي لغته وشخوصه وعالمه‏,‏ مما منح قصصه هذه التلقائية الماكرة‏,‏ فهي وإن بدت تلقائية ورشيقة‏,‏ إلا أن وراءها حرفية الكاتب العجوز‏.‏ وفي أغلب قصص المجموعة سيكتشف القاريء أن ما يصرح به الكاتب علي السطح‏,‏ يشي ويشير الي الكثير مما لم يصرح به‏.‏
تضم المجموعة تسع قصص تبدو واقعية تماما علي السطح‏.‏ ففي قصة العطش مثلا‏,‏ لا يختفي الماء فقط‏,‏ بل العصير والبرتقال‏,‏ لكن أحدا لا يعنيه الأمر‏,‏ والعالم الذي تقدمه القصة عالم واقعي يكاد يكون فوتوغرافيا‏,‏ وشركة المياه لا تعليق لديها سوي‏.‏
آه‏..‏ نعم‏..‏ المياه مقطوعة‏,‏ هناك بعض المشاكل ستحل قريبا إن شاء الله‏..‏ لا تقلق‏.‏
والرجل الشخصية الرئيسية بلا اسم‏,‏ ومشكلته الكبري هي حذاؤه الواسع جدا‏,‏ ولا يلتفت زملاؤه في المكتب الذي يعمل به الي انقطاع المياه‏,‏ أما المقهي فعليه لافتة مكتوب عليها‏:‏
لا توجد مشروبات‏..‏ الجلوس بنصف جنيه والألعاب بربع جنيه‏...‏والفتاة التي تعرف عليها لا مشكلة لديها إلا أنها عبيطة وثرثارة كما تكرر كثيرا‏.‏
وتستمر المياه في الانقطاع وقتا غير محدود دون أن يثير هذا الأمر اهتمام أحد‏,‏ حتي عندما يجف النيل تماما‏,‏ فإن احدي صحف المعارضة تنشر الخبر التالي‏:‏
انقطعت المياه منذ أيام عن سائر المدن المصرية‏.‏ ولم يذكر المسئولون السبب‏,‏ لكنهم أكدوا أن كل شيء سيكون علي ما يرام‏,‏ وأن المياه ستعود لمجاريها قريبا‏.‏
وعندما ينزل الرجل في الفجر ليصلي‏,‏ يعظ الامام المصلين بأن الشرع صريح في مسألة التيمم بالرمل في حالة انقطاع المياه‏..‏ فلا مشكلة إذن‏.‏ وقبل أن تنتهي القصة ينقل الرجل بعد تعرضه لاغماءة عنيفة الي المستشفي‏,‏ إلا أنه لا ماء أيضا‏,‏ واعتذر له الطبيب بهدوء شديد مؤكدا للرجل أن مايشعر به بوادر فشل كلوي‏,‏ لكن كل ذلك سيحل عندما تعود المياه‏.‏
هذا الجو الكابوسي يقدمه الكاتب بحياد شديد‏,‏ فهو ليس في نهاية العالم والناس من حوله‏,‏ بل والدنيا كلها حكومة ومعارضة يتعاملون بدورهم مع هذه الكارثة بحياد وبرود‏.‏ وفي الوقت نفسه لا يستعين الكاتب بالمفارقة بين الكارثة والحياد في مواجهتها‏,‏ بل يلجأ إلي ما هو أكثر قسوة وإيلاما‏,‏ أي التحرر من الكابوس بتحويله الي عالم واقعي لا يثير الاهتمام وكل ما يحدث من غلظة وقسوة أمور طبيعية‏.‏
علي هذا النحو يمضي الكاتب في خمس قصص هي‏,‏ الي جانب العطش قميص هاواي‏,‏ والبنت الفقيرة والشمبانزي الأمير العاشق‏,‏ و مزرعة البنات‏,‏ ومع كانجارو‏,‏ التي تشكل جميعها أحد أهم محاور كتاب ايهاب عبد الحميد‏,‏ وفي الوقت نفسه أحد أهم الانجازات للكاتب‏.‏ففي قميص هاواي ظل القميص أملا منتصبا أمام الراوي يمنعه حتي من انهاء حياته‏,‏ كما لم يستطع حرقه فهو وسيلة هروبه من كل عالم الي كل عالم‏,‏ يتسلل الكاتب بنعومة ومكر معا‏,‏ فقد خطر له في أحد الأيام أن يتألق ويرتدي قميص هاواي الذي أهداه له أحد أصدقائه‏,‏ ويبدأ حياة جديدة‏..‏ يقول الراوي‏:‏
أستطيع الان أن أغير شخصيتي‏,‏ عندما أحصل علي شقة جديدة سأزرع الجرجير في حديقتها‏,‏ وسأعلق الصور علي جدرانها‏,‏ وأملأ هواءها بالبخور والموسيقي‏.‏ وفي اللحظة التي يبدأ فيها حياة جديدة‏,‏ يجد نفسه متورطا يحمل كلاشينكوف ومنضما لأحد الميليشيات‏,‏ وتتوالي لحظات الحياة الجديدة‏,‏ ويخرج من كابوس الي كابوس‏,‏ وينتهي الراوي الي الحلم بالاحتفال مع صديقه بحرق قميص هاواي‏.‏وفي قصة البنت الفقيرة‏..‏ التي وصفها الكاتب بأنها قصة أطفال‏,‏ يختلط الشامبانزي بالطفل والطالب الجامعي والبنت في مزيج مجنون‏,‏ وفي مزرعة البنات تكون مهمة الراوي تعهد الأجنة الحديثة التكوين بالزراعة في الأرض حتي تخرج البنات من الأرض صبايا عاشقات‏.‏ ومع كانجارو يستيقظ الراوي ذات صباح ليجد كانجارو مسكينا وحيدا أمام باب شقته‏,‏ فيحاول كأي مواطن صالح أن يسلمه لحديقة الحيوان فيتعرض للسخرية الشديدة ويتهم بالجنون‏,‏ وتتركه خطيبته عندما يصر علي الاحتفاظ بالكانجارو والعيش معه‏,‏ ثم يستدعيه الأمن ويجري معه تحقيقا عبثيا بالغ القسوة ويطلق سراحه‏,‏ يكتب الراوي في آخر سطور القصة‏:‏لقد حرمني‏(‏ الكانجارو‏)‏ من الزواج وتكوين أسرة‏,‏ من السفر وكسب المال‏,‏ ومازال يحرمني من أشياء كثيرة ما كانت لتصبح في يدي ما لم يكن موجودا‏.‏ لكن العشرة جمعت بيننا‏,‏ وأنا الآن أستطيع أن أقول أن حياتي الجديدة ليست سعيدة جدا‏,‏ ولا بائسة جدا‏,‏ وليس لدي تصور لما كانت ستصبح عليه لو لم يدخلها الكانجارو‏.‏
والحال أن القصص الخمس التي أشرت اليها وهي أكثر من نصف قصص المجموعة البالغ عددها تسع قصص تشكل محورا‏,‏ وسلسلة الكوابيس الواردة فيها‏,‏ لا يتناول الكاتب بوصفها كوابيس‏,‏ بل حقائق واقعية مجردة تدمي القلب من فرط واقعيتها وقسوتها‏,‏ وتجري أحداثها أيضا في عالم شديد الواقعية‏,‏ لا يلتفت فيه أحد لما يجري‏,‏ كما لا ينتبه أحد‏...‏ فلتنقطع المياه ويموت الناس من العطش‏,‏ وفي قميص هاواي يتورط الكاتب دون أي مبرر مع ميليشيات غامضة وشواطيء تختفي‏,‏ وفي البنت الفقيرة يسخر الكاتب منا وهو يقدم قصة يصفها بأنها قصة أطفال‏..‏ الي آخر هذه القصص الخمس التي لا يمكن أن نصفها هذا الوصف المجاني بأنها كافكاوية أو متأثرة بكافكا‏,‏ لأن الكاتب يتحرر من الكابوس بتحويله كما سبق أن ذكرت إلي عالم واقعي لا يثير الاهتمام‏.‏
وإذا كانت القصص الأربع الباقية من المجموعة وهي موتو والكاتبة والقاهرة و مؤتمر الكمة الافريقية‏....‏ اذا كانت تقدم عالما مختلفا بلا كوابيس‏,‏ الا أنها من جانب آخر تشير الي التنوع والثراء والقدرة علي التعبير عن عوالم مختلفة ومتناقضة في بعض الأحيان‏:‏ وفي النهاية حقق ايهاب عبد الحميد في مجموعته الأخيرة ما يمكن أن يكون نقلة نوعية بالقياس الي روايته عشاق خائبون‏,‏ بل استطيع أن أؤكد باطمئنان انه تحرر منها الي عالم أكثر رحابة‏,‏ وهو ما ننتظره منه نحن القراء‏,‏ في أعمال أخري قادمة‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.