في مضمار التتابع التاريخي، يقوم كل مسافر عبر المكان والزمان بتسليم كتابه للاحق له، وبعد فترة تقصر أو تطول يأتي من يحمل علي عاتقه البحث عن نقاط التلاقي التي تصنع في مجملها تاريخ أمة، ولكن الفنان والنحات الأمريكي "جوزيف كورنيل" ذهب يبحث عما يمثل تاريخا للعالم ليضعه في صندوق، حيث دأب يجمع قصاصات الرحالة التي تحكي قصة هذا العالم عبر العصور، وبعد أربعة وثلاثين عاما صادف هذا الكنز من يكتشفه ليضعه في كتب تتداول بين الناس أو في معارض يقصدونها. ضم صندوق كورنيل آلاف الأقصوصات التي تحكي كل منها روايات تحتاج عشرات الآلاف من المجلدات لتفرد فيها، بها صور تعادل الواحدة ملايين الكلمات ومنها مجموعة فنان الباستيل الفرنسي ذو الأصول السويسرية "جان إتيان ليوتاد" الذي عاش في القرن الثامن عشر، وأرخ بالصور للأماكن المحيطة برحلته التي قطعها من باريس إلي لندن ثم روما ونابولي في جنوبإيطاليا، ولم يستثن أحدا من النبلاء إلي الدبلوماسيين والشعراء وحتي تجار القراطيس أي الأوراق وكذلك أصحاب المتاجر والحوانيت. ومن أبرز رحالة القرن العشرين الفرنسي "يوجين ديلاكروا"، وكسابقه ولاحقه؛ فنان ورسام أخذه الهيام بالشمال الأفريقي، حيث بدأ رحلته من المغرب والتي كلما رحل منها؛ آب إليها مرة أخري بعدما شعر أن هناك المزيد يستحق أن يسجله بالرسوم، وواصل مغامراته فذهب لتونس ثم الجزائر فليبيا، ولكن المرض داهمه فغادرها إلي بلاده، وإن استكملت ابنته مارجريت المسير بعد رحيله بنحو عشر سنوات. وخلال نفس القرن، ولكن في النصف الثاني منه أبحر الفنان "جوجان" إلي تاهيتي ومحيطها وكشف للعالم أسرار هذه البقاع الخلابة لأول مرة، وتوغل في غاباتها، وتميز عمن سبقوه بتسجيل تفصيل أكبر كتابة تتضمن شروحا وتفاصيل عن طريقة تفكير أهلها وأطعمتهم وملابسهم، وحرصهم الشديد علي حماية الطبيعة وعدم الاعتداء عليها، وكذلك الممارسات الروحية التي تعمل علي إذكاء الروح والجسد. ابتدع كورنيل فكرة صندوق قصاصات العالم قبل وفاته، وهو صندوق مغلق من كل الجهات عدا واحدة بواجهة زجاج تكشف عما بداخله المصمم برؤية خاصة وإضاءة مختلفة وغير مألوفة، تتباين بحسب الحقبة التي ترمي إليها، والزمن الذي تروي جزءا من قصته، وما يتناسب مع الأقصوصة، وتبدو اللوحات داخل الصندوق وكأنها ثلاثية الأبعاد.