يعتبر نسيج القباطي من أقدم المنسوجات المزخرفة وقد عرف أسلوب القباطي في مصر منذ أقدم العصور حيث عثر دكتور (يونكر) علي بعض من الخيوط المغزولة في مقابر (مرمدة بني سلامة) بمنطقة الدلتا وهي مقابر ترجع إلي عصور ما قبل الأسرات الفرعونية، وفي العصور الفرعونية استخدم المصري القديم في منسوجاته الكتان والصوف وبلغ في اتقان صناعتها درجة عالية من الروعة والكمال، وقد عثر علي العديد والكثير من نماذج لتلك المنسوجات ترجع إلي مختلف مراحل العصور الفرعونية ويضم المتحف المصري الكثير من تلك المنسوجات المزخرفة والمطرزة . ومن أهم هذه القطع قميص الملك توت غنخ آمون. والملاحظ في المنسوجات التي ترجع للعصور الفرعونية اقتصار زخارفها علي العناصر النباتية والهندسية دون العناصر الآدمية أو الحيوانية وكان النسيج في العصور الفرعونية يتم صناعته في المصانع الملكية التي توفر حاجة الملك وحاشيته من الأقمشة وكذلك صنع في المعابد وربما كان هناك العديد من المصانع الخاصة التي كانت تمد عامة الناس بحاجتهم من الأقمشة والملابس، واستمرت شهرة النسيج المصري في العصر البطلمي حيث نجد المؤرخين اليونانيين يصفونه بالنسيج الملكي لدقة صناعته وفي العصر البطلمي ظهرت المناظر التصويرية التي تمثل الأساطير الإغريقية والمصرية القديمة، واستمر هذا الأسلوب مستخدما حتي دخول الرومان مصر وظهور المسيحية منذ العصر البطلمي. ظهرت المنسوجات الحريرية عن طريق التجارة وبدأت صناعتها في مصر في العصر الروماني وكان عليه قيود شديدة في صناعته واستخدامه نظرا لندرة الحرير وغلاء سعره، وقد قسم علماء المنسوجات الفترة التي خضعت فيها مصر للاحتلال الروماني إلي ثلاثة أقسام من الناحية الفنية - القسم الأول ويشمل القرن الثالث والرابع وتمتاز منسوجات هذه الفترة بكثرة استخدام الرسوم الآدمية والحيوانية بجانب العناصر البنائية والهندسية وانتشار موضوعات الأساطير الاغريقية وكانت الزخارف مليئة بالحياة والحركة وتمتاز بدقة التفاصيل، القسم الثاني ويشمل القرنين الخامس والسادس ويعتبر هذا القسم رحلة انتقالية حيث تعتبر همزة وصل بين منسوجات العصر الاغريقي الروماني ونسيج القسم الثالث المسيحي في نفس هذا القسم نجد أن الرسوم والموضوعات مازالت تعتمد علي الأساطير الاغريقية إلا أن الحركة والدقة أصبحت أقل وبدأت تنتشر في هذه المرحلة الرموز المسيحية واستخدام الألوان البراقة مثل اللون الارجواني الداكن ، القسم الثالث ويمتد من القرن السابع إلي التاسع ويعرف برحلة نسيج العصر القبطي وفي هذه المرحلة ابتعد الفنان القبطي عن استخدام موضوعات الأساطير الاغريقية والوثنية وزاد انتشار استخدام موضوعات مأخوذة من قصص التوراة والانجيل وابتعد الفنان عن محاكاة الطبيعة وقلت الدقة. وظف الفنان القبطي الموضوعات الزخرفية علي المنسوجات للدعاية الدينية حيث نجد في بداية انتشار المسيحية في مصر أن الفنان المسيحي قد استخدم موضوعات الأساطير الأغريقية الوثنية كرمز للدين الجديد فنجده يصور آله الخمر ديونيسيوس وحوله أفرع الكروم ليرمز به إلي المسيح وإلي تحويله الماء إلي خمر في عرس قانا (الانجيل) وأفرع الكروم إلي انتشار المسيحية، واستخدم أيضا شخصية العازف أورفيوس للرمز إلي الراعي الصالح (المسيح) الذي يجذب بعزفه الجميل الخراف الشاردة، ومن الموضوعات الشائعة أيضا قصة ولادة أفروديت (ميننوس) وخروجها من الصدفة وخلقها من العدم في رمزية إلي ولادة المسيح واستخدم الفنان أيضا الأساطير الأغريقية التي ترمز إلي انتصار الخير علي الشر مثل قصة دافني والإله أبوللو وكذلك أسطورة انتصار هيراكليس علي أسد نيميا، ومع الوقت بدأ يقل استخدام الأساطير الاغريقية وبدأت تظهر موضوعات من التوراة والانجيل وذلك مع ازدياد انتشار المسيحية في مصر ومن أهم الموضوعات التي صورت علي النسيج في هذه المرحلة قصة خلق آدم وحواء وقصة ابراهيم وابنه اسحاق وقصة النبي يونان والحوت وقصة يوسف وإخوته وكذلك تم تصوير بعض القديسين. ومع دخول العرب والإسلام إلي مصر في القرن السابع أصبحت الزخارف تعتمد علي الزخارف النباتية والهندسية وأصبحت أكثر تجريدا وشاهد فن النسيج في مصر ازدهارا كبيرا خاصة في العصر الفاطمي. القباطي: هو الاسم الذي أطلقه العرب علي المنسوجات المصرية نسبة إلي أهل مصر (القبط) وقد ذكر المؤرخ أبوالمحاسن بن تغري بردي في كتابه النجوم الزاهرة (أنه في السنة الحادية عشرة من حكم الحاكم بأمر الله كسا الكعبة بالقباطي) وكذلك ذكر المقريزي في كتابه الخطط والآثار في التراجم والأخبار (أن المقوقس أهدي رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما أهدي قباء وعشرين ثوبا من قباطي مصر) ويعتبر نسيج القباطي من الفنون الشعبية غير الخاضعة لرقابة الدولة وقيودها ولذا انتشر في أرجاء البلاد ويذكر المؤرخون العديد من مراكز صناعة النسيج في مصر سواء في الوجه البحري مثل (شطا - دميره - دمياط - الاشمونين) أو في الوجه القبلي (أخميم - قرية الشيخ عبادة - أسيوط - أهناسيا - البهنسا - الفيوم).