بعد كتابها "الحتة الناقصة"، تعود ناهد صلاح بمجموعة قصصية بعنوان "دومينو" تستثمر فيها موضوع العلاقة بين الرجل والمرأة. تكتب ناهد عن مساحات التداخل، والهجران، الحب والشغف، سوء الفهم، وسوء الطوية أحيانا. المجموعة الصغيرة تحوي نصوصا عدة عن بطلين يتكرر سمتهما الخارجي والنفسي بطول المجموعة حتي يهيأ لك أنها قصة طويلة أو رواية قصيرة منفصلة/ متصلة الفصول وإن لم تُشر ناهد صراحة لذلك. في أولي قصص المجموعة، الصادرة حديثاً عن دار مصر العربية، تقدم ناهد نصا قصيرا بعنوان "زيرو" عن الرجل الضحل والمرأة الكاشفة، وهما سمتان ستلتزم بهما الساردة حين ترسم هذين البطلين بطول المجموعة حيث الرجل في العادة متربص أو راصد للأنثي السارحة في عالمها، البطل عند ناهد سطحي مظهري مغوٍ كما في قصة " شورت وفانلة وكاب" حين يُختزل الرجل في مظهره. فنجد رجلا يغوي امرأة برواية العطر، لكنها تتركه بعد أن تري تهافُت تأنقه المبالغ فيه. تعمد ناهد صلاح في المجموعة القصصية (دومينو) إلي عقد المقاربات بين الرجل وتمثلاته في الكون، فتارةً الرجل صائد كما في قصة "مركب شراعي" حيث تطرح مقاربة بين الرجل والنهر اللذين التهما الصبايا عرائس النيل، أما في قصة "ديل حصان" فتقدم تماثلات الرجل الحيوان، حتي وهي تختار حيوانا نبيلا بهي الطلعة كالحصان المختال بذيله تماما كما يشعر بطلنا حيال شعره الطويل، وتستطيع إكمال باقي صفات البطل بتتبعك سائر قصص المجموعة كما في "رائحة القرفة اللطيفة" حيث البطل منفوش الريش الذي يربي عضلاته وينهار أو يكاد يتلاشي أمام قسوة أخبار السياسة. وتستثمر ناهد هذا الأسلوب كما في قصة "الواد سعيد بتاع البوفيه" حين تتبع تماثلات السينما مع هذا المنسي الموهوب الذي تجد أصداءه في شخصية سينمائية هي "قناوي" في فيلم باب الحديد، أو عند ممثل سينمائي شهير هو "جاك نيكلسون". الإحساس بالمكان من أبرز سمات الكتابة عند ناهد صلاح، وإحساسها بالمدينة راصد متأمل وكاشف في آن، يحوي روح الهيام علي الوجه دون وِجهة حتي لو رصدت بطلتها في طريقها للعمل!! الألفة البادية في علاقة الأبطال بالمكان ورصد تحولات المدينة علي بشرها يتجلي في قصتيّ: "ش شامبليون" و"أحمر يقطع الطريق مرتين يوميا". المجموعة ذات الجذر الذهني تتمتع بسرد متدفق وبوح منفلت وبخاصة حين تأخذ البطلة بناصية السرد، فكل قصة تحوي فكرة ناظمة تخفيها الساردة تحت غلالات من الرموز والحكايات المبعثرة ظاهريا والتي لا يجمع بينها رابط واضح في شكل أقرب للانشطار العفوي والحر للحكاية، لكن النسج الخفي الذي تجيده الكاتبة يجعلك تلقف الأمثولة / الحكمة / "الإيفيه" بنهاية القصة كما في قصة "فلافل" حيث الادعاء الإسرائيلي بملكيتها الفكرية موازيا لادعاء الحبيب بملكية حبيبته التي تنسحب منه. يتكرر احساس البُعد بين الحبيبين في قصة "7ساعات" حيث فتاة يهجرها الأهل وأخري يهجرها الحبيب، ووحدها الأنثي تواسي الأخري فالرجل بعيد جدا عن أنثاه، أبعد من 7 ساعات سفر فرق توقيت. وتستمر ناهد في رصد اتساع المساحات بين الرجل والمرأة في مجموعتها حتي تكتشف أنها غيَّبت بطلها بالموت كما في قصتها "ن والقلم وما يسطرون" باختيارها أن يكون البطل شبحًا. ولكن هل هو ميت فعلا أم أماتته بغضبها منه؟؟ وباستثناء قصة "ولما كانت عظيمة" فالبطلة الأنثي في المجموعة ساكنة تستقبل أفعال البطل في برود، ربما تعي نيته وتستشرف أفعاله، لكنها لا تُقدم علي الفعل في الغالب ما يغري بطرح تساؤل كيف تكون مصائر اللعبة بين الرجل والمرأة؟ وكيف ينتهي دور الدومينو بينهما؟ "دومينو" القصة البطل هي مزاوجة بين أنثي تشاهد فيلما أجنبيا وبين بطلته التي تقتل انتقاما لحبيبها، حيث تلعب بطلتنا الدومينو مع حبيبها الذي تنتوي الانفصال عنه؛ وفيها تستمر ناهد في تشريح العلاقة بين الرجل والمرأة وهو موضوعها الأبرز في تلك المجموعة حيث اللعب والغواية وحيث الشد والجذب والأخذ والرد والكونشيرتو بين صوتين رجل وامرأة فنراها وقد استعادت تيمة الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين حبيبين كما في قصة "كما يفعل العاشق الخائب" وهو ما فعلته قبلا في كتابها الأسبق "الحتة الناقصة". الكتاب الذي لعبت فيه عبر النوع والذي اختلف النقاد في تصنيفه فالبعض رآه رواية والآخرون رأوه مجموعة قصصية. مازالت اللعبة بين الرجل والمرأة مستمرة ومازالت ناهد تستمرئ اللعب مع قارئها في لوحات منفصلة متصلة تكوِّن بالنهاية لوحة بازل كبيرة قِطعها هي نصوصها وتستمر اللعبة ما دام آدم وحواء، وما دامت الكتابة.