في قرية الملاحة أثران لقبرين دارسين بعيدين عن القبور الحديثة : أحدهما للسيدة التي هربت من مدينة نبروه ،وعلمت حبيبها أسرار صناعة الفسيخ ! كل بيت صار مصنعا ، فدبت الأقدام الغريبة ،وجري القرش كالماء ! في شهر طوبة يقام لهذه العاشقة حفل ، يرقص فيه الناس علي قبرها ، يأكلون ويشربون ويغنون ، ويريقون العطور ثلاثة أيام .! يباح الاختلاط بلا أدني تحفظ ، وينتصر الالتصاق علي القر! في اليوم الرابع يرجمون قبر السيدة الأخري التي هربت من الملاحة ، وتزوجت في عزبة البحيري وحنثت بيمين المصحف لأول مرة . هناك علمت حبيبها أسرار صناعة الفسيخ ! ضاع نصف الزبائن ، وأغلقت نصف المصانع وبيعت البراميل والطاولات الخشبية ! من خلالها تسرب السر إلي سيدي سالم وأبو غنيمة وعزبة البلاصي ومطوبس ودسوق ، فأغلقت بقية البيوت وبيعت بقية البراميل والطاولات . ظهرت هناك محلات بواجهات براقة فخمة ، وحوائط من الزجاج ، وأضواء تخطف البصر! يكون الرجم بالطوب والحجارة والبيض الفاسد والطماطم والأحذية القديمة من شأن الرجال !أما النساء فيبصقن بقدر المستطاع . تنتاب البعض حالة من التقمص ، فيركلون بقايا القبر ويهرسونها حتي ينتزعهم الأصدقاء ويبتعدون بهم ! الحفل السنوي يمتعنا حتي النخاع . يظهر فيه كل عام شعراء يبدعون أغاني وملحنون يصفرون بأفواههم ، ومصممو رقصات ونكات جريئة وضحكات داعرة وتمثيليات وحكايات عن روائح الفسيخ ! في اليوم الرابع يعصف الجو ، ويأتي الناس بملابس رثة قديمة ، ليرجموا فقرهم وفرصهم الضائعة . تسترخي الملاحة أياما عقب المهرجان تبدو فيها خالية كالصحراء . تفتح عينيها ثانية وتتحرك ، فلا تفكر لحظة في مغزي شهر طوبة ، ولم لا يكون الحفل في بؤونة ؟ أو في مغزي أيام الفرح ويوم الحزن! أو في نميمة تبادل القبرين ، للرجم والتكريم في فترات مختلفة !.