اهتم المفكر الكبير الراحل لطفي الخولي بالطبقة العاملة المصرية، وكثيراً ما كتب يدافع عن حقوق هذه الطبقة، وقد أهدتنا ابنته (دينا) مخطوطاً لم ينشر من قبل وهو عبارة عن كتاب بعنوان "تاريخ الطبقة العاملة المصرية" كانت والدتها محتفظة به ضمن مقتنيات الراحل الكبير. الكتاب عبارة عن دراسة بخط يد لطفي الخولي، مقسمه حسب خطة الكتاب إلي ثلاثة أقسام: تأريخ الطبقة العاملة العالمية، تأريخ الطبقة العاملة المصرية، موقف الدولة بسلطاتها الثلاث من الطبقة العاملة. الكتاب مقسم إلي فصول، لكن لا يعتبر كل فصل قائماً بذاته، بل يتم الربط بين فصول الكتاب عن طريق الأرقام 1، 2، 3 إلي آخره، وننشر هنا الجزء الخاص بتأثير القوانين المصرية علي حال العمال، كما استعرض الخولي تعامل عدد من الحكومات مع هذه الطبقة من الشعب. يهمنا هنا أن نسجل أنه باستقراء التاريخ التشريعي لهذه القوانين وتطور قواعدها فإننا نخرج بنتائج هامة نلخصها فيما يلي: أولاً: لم يعرف المجتمع المصري الصناعة بمعناها الفني الحديث وبالتالي التجمعات العمالية إلا مع الحرب العالمية الأولي والسنوات التي تلتها خاصة حينما صمدت الصناعة الوطنية في السوق المصري عام 1930. ثانياً: درجت الطبقات الحاكمة في مصر من الإقطاعيين والبرجوازيين بصورة كبيرة علي تجاهل حقوق الطبقة العاملة تجاهلاً تاماً، ولم تهتم السلطة التشريعية بإصدار القوانين العمالية المقررة لبعض الحقوق إلا في العهود التي ولي فيها حزب الوفد- كان مؤيداً من الشعب وقام لتمثيل مصالح البرجوازية الوطنية- زمام السلطة.. ففي أيام حكمه صدرت معظم التشريعات المنظمة لعقدي العمل الفردي والجماعي والنقابات وعلاوة إعانة الغلاء.. إلخ.. علي أنه من الملاحظ أن "عدد" و"نوع" ما أصدره من القوانين العمالية في عام 1950 كان وفيراً وتقدمياً بالنسبة "لعدد" و"نوع" ما أصدره في العهود السابقة علي عام 1950، ويمكن تفسير ذلك بأن الوفد جاء إلي الحكم في عام 1950 نتيجة لدفعة شعبية هائلة أكسبته أغلبية برلمانية ساحقة إزاء الأحزاب الرجعية الأخري التي فرضت بالتعاون مع الاستعمار والقصر إرهاباً دامياً شاملاً علي البلاد طيلة سنوات خمس، والوفد حزب متردد سريع التأثر والتحرك طبقاً لموجات الضغط.. في عام 1950 كان الضغط الشعبي هائلاً. ثالثاً: ظلت الطبقة الإقطاعية في البلاد بقوة ما كانت تتمتع به من سطوة وجبروت تحول دون امتداد القوانين العمالية لتشمل ملايين العمال الزراعيين الأرقاء، وإن كانت حكومة الوفد قد تدخلت في بعض الظروف فحاولت أن تخفف بعض القيود التي كانوا يرسفون فيها، فأصدرت في يناير من عام 1944 الأمر العسكري رقم 468 بتحديد أجور العمال الزراعيين الدنيا في مديريتي قنا وأسوان، وكان ذلك بمناسبة وباء الملاريا الذي اجتاح الصعيد في ذلك الوقت.. ويحدد الأمر عشرة قروش يومياً للعامل البالغ من العمر 18 عاماً فأكثر فإن نقصت سنه عن ذلك نقص الأجر بنسبة نصف قرش عن كل سنة بحيث لا يقل الأجر بأي حال عن خمسة قروش يومياً. وأسفرت الانتفاضات الرائعة التي انبعثت من عبيد الأرض في كل ريفنا- صعيده ودلتاه- وعلي الأخص في بهوت وكفور نجم عن وعي ريفي جديد يعي بشعار "الأرض لمن يفلحها" ولكن قطع عليه الطريق هذه الخطوة التي أقدمت عليها الثورة لتحديد الملكية الإقطاعية بمائتي فدان درءاً لخطر انفجار الثورة الريفية، ويحق للثورة أن تهلل بانتصارها لقضية الفلاحين ولحق العمال الزراعيين في التمتع بكافة الحقوق والضمانات التي تقررها للعمال الصناعيين والتجاريين، وكان أهم ما أصدرته في هذا الصدد هو قرار وزارة الزراعة الذي سجل في عام 1953 الحد الأدني للأجر اليومي للعامل الزراعي عن ثماني ساعات عمل فعلية هو 180 مليماً للرجال، 100 مليم للأولاد أو النساء! رابعاً: عمدت السلطات الاستعمارية والطبقات الحاكمة المرتبطة بها بعد تجربة ثورة 1919 التي تضامنت فيها طوائف العمال والمستخدمين الحكوميين مع طبقات الشعب خاصة عمال المؤسسات الأهلية، إلي ضرب هذه الوحدة والفصل بين العمال الحكوميين وغيرهم من العمال الآخرين.. فقررت تنظيمات خاصة للأولين قسمتهم إلي قسمين رئيسيين: قسم الداخلين في الهيئة، وقسم الخارجين عن الهيئة، وهذا القسم الأخير هو الذي يضم غالبية عمال وموظفي الدولة، وقد جاهد الخارجون عن الهيئة طويلاً حتي أصبح من حقهم التمتع بالتشريعات العمالية. خامساً: حرص المشرّع العام علي أن يبذر في صياغة التشريعات عبارات مطاطة تضيق وتتسع طبقاً لمشيئة الطرف الأقوي في علاقات العمل وهو دائماً صاحب العمل. فقانون عقد العمل الفردي القائم مثلاً ينص في مادته الأربعين علي حق صاحب العمل في فصل العامل فجأة ودون مكافأة إذا "ما أخلّ بالتزاماته الجوهرية المترتبة علي عقد العمل" ما هي هذه الالتزامات الجوهرية.. حدودها.. معيارها.. لا جواب محدداً قاطعاً وإنما هي "كل تصرف يعتبره صاحب العمل جوهرياً".. هذه العبارات المطاطة أسلحة مسمومة يخفيها المشرِّع بين طيات النصوص ليوجهها أصحاب الأعمال لصدور العمال في الوقت الذي يبغون. 45- حتي عام 1919 ظلت السلطة التنفيذية أو بتعبير آخر الحكومة بأجهزتها المختلفة بمعزل عن مشاكل الطبقة العاملة.. وتركت أفرادها فرائس سهلة لأصحاب الصناعات، ولكنها كانت تتدخل بالقوة- في الوقت المناسب- للمحافظة علي "أمن" المجتمع و"استقرار" أوضاعه إذا ما هددته حركات ثورية أو اضطرابات عمالية. وفي عام 1919- عام الثورة الوطنية- اضطرت الحكومة إزاء الاضطرابات المتتالية التي قامت بها مجاميع العمال في مختلف أنحاء البلاد إلي إنشاء "لجنة توفيق" لحل المنازعات التي تقوم بينهم وبين أرباب الأعمال حول "الأجور" و"ساعات العمل" و"أوقات الراحة" وغير ذلك من المشاكل. وظلت تلك اللجنة الحكومية تهرع لحل كل نزاع عمالي ينشب، وتستخدم لذلك مختلف الطرق من وعود ووعيد وتهديد.. حتي كان عام 1927، وفي ذلك الوقت كانت الطبقة العاملة قد تجمعت في تكتلات كبيرة نسبياً وراحت تجأر بالمطالبة بحقوقها الاقتصادية والاجتماعية.. علي نحو جماعي نسبياً. وأمام هذا الضغط، شكلت الحكومة لجنة برئاسة عبدالرحمن رضا "باشا" لدراسة مشاكل العمال والصناعة، وفي عام 1929 قدمت اللجنة تقريراً أوصت فيه بضرورة إصدار تشريع منظم لأحوال العمل والإسراع بإنشاء "مكتب للعمل": يتولي مراقبة وتنفيذ ما يصدر من تشريعات ودراسة ما يجد من مشاكل عمالية في مجالات الصناعة. (مكتب العمل) 46- وفي عام 1930 كانت الصناعات المحلية قد أخذت توطد مراكزها بفعل الحماية التي قررتها حكومة البرجوازية الكبيرة برئاسة ممثلها "إسماعيل صدقي باشا" وصار من الضروري أمام هذا التطور الصناعي تنظيم أمور العمل في شكل لا يعرقل مصالح الصناعة الوليدة. والتقط "إسماعيل صدقي" تقرير اللجنة، ورأي في "اقتراح تكوين مكتب العمل" مفتاح التنظيم المنشود. وما إن قاربت سنة 1930 من نهايتها (نوفمبر) حتي كان مكتب العمل قد أنشئ كجزء متمم لجهاز الدولة البوليسي، فأُلحِقَ بإدارة الأمن العام بوزارة الداخلية، وكانت مهمته الحقيقية تتلخص في أن يكون عيناً ساهرة علي تحركات العمال وقيداً لانتفاضاتهم. (الإدارة العامة للعمل) 47- وفي عام 1935 أُنشئت وزارة جديدة باسم وزارة التجارة والصناعة، وكان مكتب العمل كأداة بوليسية قد انكشف أمره، وكمحاولة لإنقاد سمعته سلخ من وزارة الداخلية وأُلحق بالوزارة الجديدة. واستمر الحال علي هذا الوضع إلي أن أنشئت وزارة الشئون الاجتماعية فضم إليها وبات إحدي مصالحها الكبيرة ثم إحدي إداراتها، وذلك تبعاً لازدياد عدد الطبقة العاملة مع نمو الحركة الصناعية وتعدد وتعقد مشاكلها. غير أن الجدير بالملاحظة أن أصحاب الأعمال لايزالون يلجأون عند حدوث نزاع بينهم وبين عمالهم إلي إدارة الأمن العام بوزارة الداخلية أولاً ثم يتقدمون بعد ذلك إلي مكتب العمل. 48- والمفروض- رسمياً- أن إدارة العمل تتولي بواسطة موظفيها مراقبة تنفيذ المؤسسات الصناعية والتجارية والزراعية للقوانين العمالية. والإدارة العامة مقسمة إلي عدة إدارات فرعية كإدارة التفتيش والمسائل الصحية والنقابات ومراقبة القوي العاملة وغيرها.. وتتبع الإدارة مكاتب عمل وتفتيش وتوظيف منبثة في الأحياء والأقاليم خاصة الصناعية منها. وقد أضفي القانون علي مفتشي مكاتب العمل صفة "الضبطية القضائية" التي يتمتع بها رجال البوليس والتي تبيح لهم حق التفتيش علي المؤسسات والاطلاع علي سجلات العمال وتحرير المخالفات الجنائية ضد المخالفين سواء من العمال أو من أصحاب الأعمال. والواقع أن هذه السلطات قد رتبت- حكومياً- في صورة تشلها عن أي نشاط.. فعدد الموظفين العموميين بإدارة العمل ضئيل بحيث لا يسمح له بمواجهة الكم المتزايد من المشاكل، وفضلاً عن ذلك فإن معظم هؤلاء الموظفين ليسوا من الاخصائيين خاصة فيما يتعلق بالمشاكل الفنية كإصابات العمل وأمراض المهنة والعلاج الطبي.. ويكفي في هذا الصدد أن نضرب مثلاً بإدارة المسائل الصحية المنوط بها التفتيش علي كيان العمال الصحي في جميع مناطق الجمهورية المصرية. إن هذه الإدارة الخطيرة حسب ميزانية عام 1954 لا تحوي غير سبعة موظفين فقط! والسبعة كتبة غير مؤهلين جميعاً فيماعدا أحدهم فهو طبيب.. والنتيجة أن الدولة تعتمد طبيباً واحداً لمراقبة الكيان الصحي للطبقة العاملة كلها. من أجل ذلك كله، وبسبب أن الموظفين القائمين بالعمل خاضعون طبقاً للروتين الحكومي خضوعاً تاماً لهرم من الرئاسات البيروقراطية دون أن تغطيهم أية حصانة، فضلاً عن مرتباتهم الزهيدة التي تعجز عن الوفاء بمطالب المعيشة الضرورية.. نقول إنه بسبب هذا كله تضطر غالبيتهم إلي الإذعان والسقوط في حبائل أصحاب العمل! (المجلس الاستشاري الأعلي للعمل) 50- في 21 سبتمبر من عام 1953 أصدرت الحكومة قانوناً بإنشاء "مجلس استشاري أعلي للعمل" ملحقاً بوزارة الشئون الاجتماعية، أي كجهاز من أجهزة السلطة التنفيذية الخاصة بالطبقة العاملة، والواقع أن هذا المجلس ليس جديداً علي وزارة الشئون الاجتماعية فقد سبق أن قرر مجلس الوزراء في عام 1932 إثر إنشاء مكتب العمل في عام 1930 إنشاء مجلس استشاري أعلي للعمل بغية "تهيئة" فرص التشاور بين الحكومة وأصحاب الأعمال والعمال تمشياً مع المبادئ المقررة لهيئة العمل الدولية. وهذا المجلس- سواء في صورته القديمة أو الجديدة- كما يدل عليه اسمه هو هيئة استشارية فحسب تصدر للحكومة نصائح غير ملزمة في شئون العمل. وقد حددت المادة الثانية من القانون الجديد مهمة المجلس بأنها ؛إبداء رأيه في كل ما تعرضه عليه وزارة الشئون الاجتماعية من المرسومات المتصلة بالعمل والعمال.. وفي كل تشريع خاص بالعمل والعمال قبل إصداره". ويرأس المجلس وزير الشئون الاجتماعية بحكم منصبه. أما الأعضاء فهم علي ثلاثة أنواع: أ- أعضاء حكوميون وهم وكلاء وزارات الشئون الاجتماعية والداخلية والحربية والمالية والاقتصاد والمعارف والتجارة والصناعة والمواصلات والأشغال والزراعة والشئون البلدية والقروية أو من يقوم مقامهم. ويضاف إليهم عضو قانوني من مجلس الدولة ومدير عام مصلحة السكك الحديدية، ومدير عام مصلحة العمل بصفة مقرر. ومجموعهم 14 عضواً.. يضاف إليهم عضو آخر يمثل المجلس الدائم للخدمات العامة. ب- أعضاء يمثلون أصحاب الأعمال وعددهم ستة أعضاء، أربعة منهم يمثلون الاتحاد المصري للصناعات، والعضوان الآخران يمثلان غرفة القاهرة التجارية والجمعية الزراعية وهؤلاء جميعاً يختارهم وزير الشئون الاجتماعية من بين الترشيحات التي تقدم إليه من إدارات الاتحاد والغرفة والجمعية الزراعية. ج- أعضاء يمثلون العمال عددهم ستة، أربعة عن عمال الصناعة وواحد عن عمال التجارة وواحد عن عمال الزراعة، وهؤلاء جميعاً يختارهم أيضاً وزير الشئون الاجتماعية من بين الترشيحات التي يسفر عنها اجتماع رؤساء اتحادات النقابات والنقابات التي يبلغ عدد أعضائها ألف عضو علي الأقل وتدعي للاجتماع بواسطة مدير عام الإدارة العامة للعمل. ومن طبيعة هذا التكوين الحكومي للمجلس والمهام الاستشارية المنوطة به يتضح عدم ديمقراطيته وأجنبيته عن الطبقة العاملة، بل إنه في الحقيقة، والغالبية الساحقة من أعضائه من ذوي المناصب الحكومية الممتازة ورجالات الصناعة والزراعة والتجارة المستغلين- يمكن بعض أصحاب العمل من استغلاله- كسلاح غير مباشر ضد الطبقة العاملة ويجب تعديله. ولهذا كان محصول نتاجه حتي اليوم محاولات مستمرة لسلب ما اكتسبته الطبقة العاملة بنضالها المرير من حقوق ضئيلة كتحديد ساعات العمل وحق طلب وقف تنفيذ الفصل التعسفي.. لولا تدخل الدولة من حين لآخر. (لجنة توقف المصانع) 51- ولا يقتصر الجهاز التنفيذي- من الناحية العمالية- علي إدارة العمل والمجلس الاستشاري والبوليسي فحسب، بل هناك سلطة خامسة.. وهي لجنة التوقف عن العمل بالمصانع التي أنشئت خلال الحرب العالمية الثانية وألحقت بوزارة التموين. والغرض منها مراقبة إنتاج السلع والخدمات الضرورية للحياة، وضمان استمراره دون توقف أو تشريد للعمال خلال الأزمات الاقتصادية الطاحنة. ومن أجل هذا حرم علي أصحاب المصانع التوقف عن العمل دون الحصول علي إذن سابق من لجنة التوقف التي يرأسها وزير التموين، ونص علي مجازاة المخالف بعقوبات جنائية. وحدث في 21 أكتوبر 1952- بعد انقلاب يوليو 1952- أن صدر القانون رقم 250 مخففاً لقيود التوقف عن العمل وتشريد العمال. فرغم أن هذا القانون لايزال يحظر التوقف دون ترخيص من وزير التموين.. فقد نص علي أن "يعطي هذا الترخيص لكل شخص يثبت أنه لا يستطيع الاستمرار في العمل إما لعجز شخصي أو لخسارة تصيبه من الاستمرار في عمله أو لأي عذر جدي آخر يقبله وزير التموين. ويفصل وزير التموين في طلب الترخيص خلال شهر من تاريخ تقديمه ويكون قراره في حالة الرفض مسبباً. فإذا لم يصدر الوزير قراراً مسبباً بالرفض خلال المدة المذكورة اعتبر ذلك ترخيصاً". والجد إننا نري في هذا فتحاً للباب علي مصراعيه أمام أصحاب الصناعات للتوقف عن العمل "لأية أسباب يقبلها وزير التموين" وتشريد العمال للتحلل من الالتزامات أو المساومة في تخفيض الأجور من ناحية أو رفع أسعار المنتجات من ناحية أخري. السلطة القضائية والطبقة العاملة 54- تتكون السلطة القضائية في مصر من مجموع المحاكم المنبثة في جميع الأقاليم علي اختلاف أنواعها ودرجاتها من محاكم إدارية وعادية ودينية للأحوال الشخصية، وفي كل يوم تطرح في ساحات هذه المحاكم المنازعات التي تثور بين الطبقة العاملة- أفراداً وجماعات- من جانب وبين الحكومة وأصحاب الأعمال من جانب آخر. والمنازعات العمالية علي نوعين: أ- منازعات فردية ب- منازعات جماعية (المنازعات الفردية) 55- والمنازعة الفردية هي تلك التي تنشب بين عامل وصاحب عمل بشأن مصالح فردية خاصة، ومثال ذلك الدعوي التي يرفعها عامل فُصِلَ فصلاً تعسفياً بطلب إيقاف تنفيذ قرار فصله أو إعادته إلي عمله إذا كان فصله ناتجاً عن نشاطه النقابي، وأيضاً الدعاوي التي تقام بطلب مكافأة مدة الخدمة عند إنهاء العمل لتطبيق قواعد إعانة غلاء المعيشة، وكذلك القضايا التي تُرفع من صاحب عمل ضد أحد عماله استناداً إلي العلاقة العقدية المباشرة التي تربطه وإياه. والمحاكم العادية هي المختصة بالفصل في مثل هذه المنازعات. والأصل في القضاء المصري هو إفساح فرصتين متتاليتين للخصوم في منازعة ما لعرض وجهات نظرهما حتي يمكن تمحيصها بأناة وروية.. ولهذا جعل القضاء العادي علي درجتين تعلو إحداهما الأخري. فهناك المحكمة الابتدائية التي يرفع إليها النزاع بداءة فإذا ما حكمت فيه كان لكل خصم في النزاع الحق في استئناف الحكم أمام المحكمة الاستئنافية خلال فترة معينة هي "عشرة أيام" تبدأ من تاريخ إعلان الحكم من أحد الخصوم إلي الآخرين. وفوق هاتين الدرجتين من المحاكم تستقر المحكمة العليا وهي محكمة النقض التي تراقب تطبيق المحاكم للقوانين تطبيقاً سليماً علي المنازعات التي تُرفع إليها بحيث إذا ما كشفت عن خطأ أو قصور في أحد الأحكام نقضته وأحالت النزاع إلي المحاكم من جديد لإعادة نظره. 56- والمحاكم الابتدائية للمنازعات قد تكون محكمة "جزئية" مكونة من قاض واحد وهي تختص بالفصل في كل منازعة لا تزيد قيمة المطالبة فيها علي مائتين وخمسين جنيهاً، ولكنها بالنسبة لدعاوي المطالبة بالأجور والمرتبات تختص بنظرها- ابتداء- مهما كانت قيمتها. وقد تكون محكمة "ابتدائية" مكونة من ثلاثة قضاة وهي تفصل في جميع المنازعات التي تزيد قيمتها علي مائتين وخمسين جنيهاً. وأحكام المحاكم الجزئية تستأنف أمام هذه المحاكم الابتدائية، أما أحكام المحاكم الابتدائية فيُطعن فيها بالاستئناف أمام محاكم "الاستئناف العالي" المكونة من ثلاثة مستشارين. 57- ولقد كانت المحاكم تنظر القضايا العمالية في نفس الجلسات التي تنظر فيها القضايا الأخري العادية من مدنية وتجارية. في عام 1953 اضطرت السلطة القضائية أمام التعدد والتزايد المستمر للمشاكل العمالية وكثرة التشريعات المنظمة لأحوال العمل إلي تخصيص محاكم "بدوائر" معينة لنظر القضايا العمالية وحسب دون سواها. فأنشئت في بعض المدن والأقاليم وعلي الأخص في القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والجيزة محاكم جزئية باسم "محاكم شئون العمال الجزئية"، وتفرغت دوائر من المحاكم الابتدائية والاستئنافية العالية للفصل في المنازعات العمالية. ويبلغ الآن متوسط عدد القضايا المعروضة في الجلسة الواحدة أمام هذه المحاكم مائة قضية. 58- ويعفي القانون الدعاوي الفردية التي يرفعها العمال ضد أصحاب العمل من الرسوم القضائية علي أن تحصل فيما بعد من الخصم الذي يصدر ضده الحكم. وتملك المحكمة الحق دائماً في أن تضمن حكمها إعفاء من تري إعفاءه من الرسوم نهائياً، علي أن امتياز الأعضاء مقصور فقط علي القضايا التي تُرفع أمام المحاكم الابتدائية دون الاستئنافية ومحكمة النقض. ومن حق من يطعن في الحكم الصادر ضده أمام محكمة استئنافية أو محكمة النقض أن يلجأ إلي لجان المعافاة القضائية لكي يستصدر قراراً بمعافاته من الرسوم قبل إعلان خصومه بطلباته. 59- ويحتم القانون علي المحاكم أن تفصل في المنازعات العمالية علي "وجه السرعة".