مع نهاية عام وبداية عام جديد تظهر حاجة ملحة إلي رؤي بانورامية متعددة الجوانب لما اختبرناه في عام مضي؛ واليوم ونحن علي أعتاب استقبال العام 2016 نتطلع بروح الاحتفال المفعمة بالامتنان والبهجة إلي مكتباتنا الخاصة ،إلي رفوف الكتب التي تنامت بهذا القدر أو ذاك ،متأملين كل الذكريات التي تصاحب كل كتاب حصلنا عليه في العام الماضي، لحظة أن لمحناه في المكتبة، لحظة أن سحبناه من الرف، لحظة أن تطلّعنا اليه وتعرفنا عليه برفق ومحبة مثلما نفعل مع مولود جديد،ثم لحظة اصطحابه إلي المنزل وقراءته بحماس أو بتكاسل ،بسرعة أو ببطء، ثم لحظة إنهائه وقد تشبّعنا به ،وبدأت سطوره تتقافز علي ألسنتنا حين نحتاج إلي اقتباسٍ ما ، يعزز وجهة نظرنا وينقذنا من فخاخ سوء الفهم.نتطلع بروح الاحتفال أيضاً إلي المزيد والمزيد من الكتب التي نود اقتناءها أو إهداءها. هذه الروح الاحتفالية تمتد بشكل لا نهائي تقريباً ،ونجد تجلياتها في الكثير من الأشكال وبطرق جذابة وفريدة، فقد أرسل موقع جوود ريدز( أحد أشهر المواقع التي تعني بالقراءة) رابطاً للمشتركين يتيح لهم استعراض الكتب التي قاموا بقراءتها خلال عام 2015 وفي المعهد الفرنسي بالمنيرة وعلي مدي ثلاثة أيام من التاسع إلي الحادي عشر من ديسمبر أقيم معرض مبهر بعنوان معرض عيد الميلاد (المكتبات الفرانكفونية والأعمال الفنية)، والذي حمل شعار »تحت شجرة عيد الميلاد يظل الكتاب هو ملك الهدايا « ؛ حيث ألوان عيد الميلاد التي أضاءت المكان حول مختارات المكتبات الفرانكفونية :مكتبات أم الدنيا ،الكتاب الفرنسي ،أصدقاء الكتاب،ريناسينس وآخرون. حصاد 2015 و في السطور المقبلة تحدثت عدة شخصيات في مجالات الكتابة والموسيقي لأخبار الأدب عن حصاد قراءاتهم وذكرياتهم الخاصة مع الكتب لعام 2015 الشاعر والناقد جمال القصاص: قراءاتي محدودة خلال هذا العام، وتكاد تكون نوعية ،لكن يمكنني أن أتوقف عند ثلاثة كتب حققت لي متعة القراءة بدرجات متفاوتة، أولاً كتاب »عبر منظار اللغة « لجاي دويتشر، وتكمن أهمية هذا الكتاب في أنه يبحث في جذور اللغة بعمقها وشمولها الإنسانيين كاشفاً عن الصلة الخفية بين الفكر الإنساني وتصور الطبيعة، وعلاقة اللغة بالألوان والرموز والدلالات وثقافات الشعوب المختلفة. ثانياً ديوان »تفضّل.. هنا مبغي الشعراء « للشاعر محمود قرني والديوان يتحرك في فضاء الحكاية بكل روافدها التاريخية والإنسانية سياسياً واجتماعياً وثقافياً، وعبر لغة حميمة شديدة التكثيف يشدها الشاعر إلي اللحظة الراهنة في الواقع المصري والعربي. وأخيراً مجموعة قصصية بعنوان »تاكسي أبيض « لشريف عبد المجيد وفيها يقدم رؤية عبثية للواقع المصري يختلط فيها الواقعي بالفانتازي، وفي مناورة فردية شيقة تبحث في ظلالها الشخوص عن حلول عبثية لصراعاتها مع ذواتها والواقع معاً. الشاعرة والقاصة دعاء فتوح: قراءتي للقرآن الكريم كشفت لي سحر اللغة وألهمتني كتابة القصة؛ أما كتاب »نساء يركضن مع الذئاب « فقد عزّز معرفتي لذاتي حتي لتلك المناطق التي تبدو مرعبة؛ أيضاً رواية » الأمواج « لفرجينيا وولف والتي أعدّها من الروايات الصعبة، وأشعار جيمس جويس، بالإضافة لفولتير،وكتاب »حكايات الأخوين جريم«. وبصفة عامة فإن القراءة تعد وسيلة مثالية لفهم قناعاتي والأسباب التي تقودني للإيمان بشيء أو رفضه، محبته أو كراهيته». القاص والصحفي شريف صالح: علاقتي بالكتب أصبحت مرهقة جدًا، فهناك كتب أحرص علي اقتنائها من أجل الدكتوراه، ومعظمها ما بين المسرح والمنهج السيميائي،وكتب خاصة بنتاجات الأصدقاء المبدعين والتي تصلني غالبًا في نسخ إلكترونية وتتطلب وحدها تفرغًا علي مدار العام. أعاني الآن من زحام أرفف المكتبة في البيت والعمل إضافة إلي مئات وربما آلاف الكتب الإلكترونية؛ ومع تلك الوفرة الهائلة والمدوّخة التي لم أحلم بها، أصبح الوقت المتبقي للقراءة شحيحاً، ويتبدد ما بين العمل والأسرة والكتابة والدراسة ومواقع التواصل الاجتماعي ومشاهدة الأفلام. كتب أكثر ووقت أقل. تلك هي المعادلة المؤلمة التي اختلفت عن أيام الشباب الباكر عندما لم يكن الحصول علي الكتاب سهلًا لكن الوقت كان كافيًا جدًا للاستمتاع به. ومن الكتب التي أحرص علي اقتنائها بانتظام سلسلة » عالم المعرفة« الكويتية وأري أنها تقدم ثقافة رصينة وعصرية جدًا ،ومن أحدث مانشرته هذا العام ولفتني بشدة كتاب »عبر منظار اللغة « وهو كتاب بالغ الخطورة عن علاقة اللغة بالثقافة والطبيعة، وكيف توجه تفكيرنا وإدراكنا للوجود من حولنا. ومازال من أحلام حياتي أن أقرأ تلك السلسلة كاملة والتي بلغت الآن 430 كتابًا نشرت علي مدي أربعين عامًا. عازفة الهارب ومؤسسة فرقة أنامل شرقية د. منال محيي الدين : من الأعمال التي تركت تأثيراً كبيراً لديّ كان »قواعد العشق الأربعون « لإليف شافاق، إلي الحد الذي جعلني أقوم بكتابة القواعد واحدة فواحدة لأتأملهما جيداً، حيث يشغلني الجوهر الفكري الكامن في الصوفية، والذي يمكن أن نجده في الكثير من الثقافات. و»صوت من المنفي« ويقدم الكتاب السيرة الذاتية لنصر حامد أبو زيد عبر حوار مطوّل أجراه مع إستر نيلسون ، وأيضاً قرأت رواية «صولو» لنور عبد المجيد ، »هنا القاهرة» لإبراهيم عبد المجيد،«في قلبي أنثي عبرية» لد.خولة حمدي، «الزانية» و»الرابح يبقي وحيداً « لباولو كويلو، »الأسود يليق بك « لأحلام مستغانمي، » مذكرات فتاة رصينة « لسيمون دو بوفوار، و »قصة الجنس عبر التاريخ « لري تاناهيل . رؤية نقدية و عن رؤيته النقدية لأبرز قراءاته لعام 2015 يقول الناقد الدكتور محمد سمير عبد السلام: ديوان »رقصة الحرف الأخيرة « للشاعر العراقي أديب كمال الدين. يمزج فيه الشاعر بين الهارموني، والاختلاف؛ فالرقصة تجمع بين التكرار، والغياب معا، والديوان مشحون بجماليات السيميوطيقا المتعلقة بالألوان، والأصوات، والتمثيلات الاستعارية الأدائية للحروف، وتتداخل الأزمنة، والأصوات؛ فالذات تستدعي السندباد، وبيكيت، ودانتي، ولوركا في سياقات باطنية جديدة. رواية »طقس « للروائي السوداني أمير تاج السر. يطرح السارد إشاراته المعرفية الخاصة بالشخصية، ثم يتساءل حول مركزية هذه الإشارات نفسها، وتقع الشخصية بين الواقع، والوعي، وصيرورة النص في سياق يؤكد جماليات ما بعد الحداثية، وتفكيكها المستمر للبني المستقرة. كتاب »دورة ما بعد الحداثة « للمفكر المصري الأمريكي إيهاب حسن، ترجمة: محمد عيد إبراهيم. يعد الكتاب من العلامات الفارقة التي تكشف عن التحول ما بعد الحداثي، الذي يحتفي بالصيرورة، والحدوث، والمحاكاة الساخرة، ومقاومة التأويل الواحد، وتداعيات النص، والتفكك، والغياب في الأعمال الأدبية المعاصرة. السيرة الروائية »حكاية الشتاء«، للروائي الأمريكي بول أوستر، ترجمة: هالة سنو. الجسد في عمل بول أوستر نافذة جمالية لاكتشاف جماليات الوجود؛ فهو يبحث من خلال خبرات حسية جمالية نشوة اللعب في الطفولة، وبكارة اكتشاف اللذة، والموت، وفعل الكتابة، والصوت المتكلم في النص يبحث عن التفرد في اكتشاف التفاصيل الصغيرة، والسخرية من ثوابت الذات المتكلمة، وتاريخها أحياناً. كتاب »خواطر« للفيلسوف الفرنسي بليز باسكال، ترجمة إدوار البستاني. يبحث باسكال قضايا الوجود، والموت، والأخلاق، والأبدية بلغة تجمع بين المنطق، والحكمة، والبلاغة التمثيلية التي تجسد المفارقة بين المحدود، واللانهائي. كتاب »المونادولوجيا «للمفكر الألماني فيلهلم ليبنتز، ترجمة ألبير نصري نادر. يبحث ليبنتز عن السمات الأصلية المميزة للنفوس، أو المونادات، وتجانسها الممزوج باختلاف، وتنوع هائل، وما يميزها من إمكانية التجدد، وتجاوز الغياب الطارئ، وكذلك يحتفي بإنتاجية العقل الإبداعية المتعالية. The Heart Goes Last: A Novel by Margaret Atwood. ترصد ساردة مارجريت أتوود التفاصيل، وتوقعات الوعي لكل من ستان، وزوجته عقب تحولات وصعوبات تتعلق بالعمل، وترتكز علي كشف العوالم الداخلية المتنوعة، والمفارقات الجمالية بين لحظة الحضور، والذكريات، ويتميز النص بالتعددية، وتجاوز المركز في خطاب الساردة، ومعرفتها المحتملة بالشخصية.