تتخذُ الكاتبة المغربية وأستاذة علم الاجتماع الراحلة »فاطمة المرنيسي« (1940 فاس 30 نوفمبر 2015) من قضايا التحرر والدفاع عن المرأة محورًا مهمًا في معظم أعمالها، بل صارت واحدة من أشهر المدافعات عن هذه القضايا، وأولت اهتمامًا كبيرًا بالعوامل الاجتماعية والثقافية، التي ساهمت في وصول المرأة العربية إلي هذا الوضع المتردي. وقد اتسمت أعمالها الفكرية بالمراوحة بين الذاتي والعام، والتاريخي مع الأدبي، من أجل هدف واحد هو الانتصار للمرأة ذلك الكائن الذي تنتمي إليه أولاً، وثانيًا لتضع مفارقة دالة ذات مغزي عميق، وهو كون المرأة وما طرأ علي حياتها من تهميش في العصور الحديثة، حتي أضحي مصطلح الحريم أدقُ وصفٍ، للتعبير عن تقييد المرأة، وجهود المرأة لتحقيق انتصارات تعيد لها ذاتها الأنثوية المجهضة بفعل وصايا أبوية بطريركية، تحتم عليها قمعها في داخل أخبية متعددة بدءًا من خباء الحجاب وخباء الحايك، وصولاً إلي خباء المنزل والصراع المرير للخروج من هذه الأخبية أو التمرد عليها، مقارنة بالمرأة في العصور السابقة للإسلام وكيف صار للمرأة بالإسلام وضعية ذات مكانة لم تحظَ بها مطلقًا؛ فصار النسب إلي الأم مفخرة للرجل بعد أن كان سُبَّةً، فحرّر الإسلام المرأة من تلك الأخبية، وأعلن اسمها علي الملأ دون الشعور بالعيب أو النقيصة كما كان سائدًا في عصور الجاهلية. 1 تبحث المرنيسي عن المرأة في التاريخ لتعيدَ لها ذاتَها وتُحَرِّرَها من سلطة مجتمع ذكوري، تَعَمَّدَ إقصاء وتهميش وتشويه نصفه، وحصره في نقطة واحدة مُتمثِّلة في مركز الإثارة واللَّذة والمتعة للرجل فقط، دون أن يفكر في النصف العلوي لها، وما يَحْمِلُ من قِيَمٍ وأفكار، العجيب في معظم أعمال المرنيسي أنها لا تقتصر إدانتها علي المجتمع العربي، بل تتوسّع لتشمل إدانتها العالميْن العربي والغربي، والأول لما يحمل من طبيعة خاصة أفرزتها قبليته وعشيرته التي مازالت المرجعية الأولي في الحُكْمِ رغم تَبدُّلِ النسق الثقافي بنسق مغاير، في كثير من الأحيان تَدين مثل هذه المجتمعات التي تحتكم للنظام القبلي والعشائري، إلا أنها في الجزء الخاص بالمرأة ترتكن لمثل هذه الثقافات الناتجة عن هذه السياقات وما تحمله من رجعية، وفي ذات الوقت من أنانية مُفْرِطَةٍ للرجل الذي يُعَامِلُ خيانة المرأة للرجل بنفس أحكام القبيلة، دون أنْ يُطَبِّقَها علي نفسه لو حَدَثَ منه الفعل المشين. لم يكن لجوء المرنيسي للتاريخ حدثًا استثنائيا بقدر ما كان حدثًا ضروريًا، واجهته النخبة المثقفة، ونتيجة ضرورية وملحة ألزمتها إفرازات المشروع النهضوي والتحديث، إبان البعثات المتوالية للغرب، وما أعقبها من حركاتِ التحرّر من الاستعمار، والتي أعقبتها حركات التحرر النسوي في المجتمعات العربية. فكل ما طُرح من أسئلة النهضة والتحديث وأسباب تأخر ثِمَار هذه النهضة، كان مرجعه الأساسي الإهمال الجسيم لقضايا المرأة والدفع به ضمن أولويات المجتمعات، وآراء النخبة، لكن المفارقة المدهشة، هي التباين في حصول المرأة علي كثير من حقوقها من وصاية الرجل عليها التي جاءت متأخرة جدًا في مقابل دعوات المطالبة بإعطاء المرأة حقوقها، والتي جاءت من الرجل نفسه والتي بدأت جذورها تظهر فيما طرحه أحمد فارس الشدياق في كتابه »السَّاق علي السَّاق« في دلالة فارقة من عنوانه لتوضح عملية الصِّراع بين الذَّات التقليدية الجمعية والذَّات الباحثة عن فرديتها، في ظلّ عمليات التحديث التي بدأ مشروعها في التحليق في عالمنا العربي، في ظل مشروع محمد علي لبناء مصر الحديثة، هذا الصراع بين الذاتيْن (الجمعية والفردية)، التي تبحث عن فرديتها حتي ولو كان في ذلك خرقاً للأعراف والتقاليد الموروثة، والتي تمثل تابو يَصْعُب اختراقه، يُعلن هو في ظل سعيه المحموم لإثبات فرديته بتمردّه علي الموروث الذي يعتبر وضع "الساق علي الساق" نوعًا من العيب أو قلة الأدب كما يقول "صبري حافظ"، ويجعل عنوان قصة "الساق علي الساق" في إشارة لتمرد ذاته علي هذه المواصفات من أجل فرديتها، أو إثباتها، وقد زاد علي ذلك باختيار عنوان فرعي »أيام وشهور وأعوام في عجم العرب والاعجام« ليوضح تعقد الصراع وحدته. وما تلي هذه من نصوص النخبة في هذه الفترة "رفاعة الطهطاوي 1801-1873، وقاسم أمين 1865- 1908"، من إدراك جلي للتحوّل في النظرة لطبيعة الوضع النسائي في المجتمع العربي، وإدراك هذه النخبة للبون الشاسع بين طبيعة المرأة في مجتمعنا وفي المجتمعات الغربية، وما أتبعه من انتقادات حادة لهذه الوضعية كما مثّلتها مقارنات الطهطاوي في »تخليص الإبريز في تلخيص باريز« 1834، وتصويره لما تتمتع به المرأة في فرنسا من حقوق وحريات مقارنة بمثيلتها في الشرق، العجيب وهو الاحتراز الذي نسجله هنا أن الطهطاوي وإن كان من أوائل الداعين للحداثة والأخذ بمشروع النهضة والتحديث للمجتمع، إلا أن ما استلفت انتباهه هو نموذج المرأة الغربية، وعلي الأخص الفرنسية التي دَرَسَ بها خمس سنوات (1826 - 1831)، وغاب عليه ما نالته المرأة في ظل الإسلام رغم الفارق بين ظهور الإسلام وانبعاث الثورة الفرنسية 1798، التي جاءت هذه الحقوق تالية لقيامها، وهو ما استرعي انتباه المرنيسي التي جاءت كتاباتها لمناقشة وضعية المرأة في ظل الإسلام كما تجلّي واضحًا في كتابها "سلطانات منسيات"، والذي رصدت من خلاله تجارب نسائية استلهمتها من التاريخ الإسلامي؛ لنساءٍ مارسن السياسية والخلافة ، في مفارقة مدهشة لسياقين تاريخييْن أحدهما عاشت فيه هذه السلطانات ، وتمتعن بهذا الحق، وسياق تاريخي حديث يرفض ما حصلت عليه المرأة منذ قرون، بل ويُحرِّمُ عليها الاشتغال بأعمال يجعلها حكرًا علي الرجل. أو في كتاب »الحريم السياسي« الذي نظرت فيه للتجارب الفكرية والسياسية، التي تحدثت عن المرأة، وكيف أنها استطاعت أن تقرأ الواقع عبر السياقيْن التاريخي والراهن، مزحزحة كل الأفكار الرديكالية التي أدانت الفترات التاريخية وجعلت منها مقبرةً للمرأة، وقد رأت في هذه الفترات تفتُّحًا ومرونة لم تجدها في عصرها الراهن مثلما لم تجدها جدتها ياسمين في عصرها، وهو ما أرادت لها أمها أن تشبَّ عنه برفضها أن تضع نفسها في إطار الحريم الذي قاومت - الأم - أخبيته، وعملت جاهدة علي أنْ تتجاوزه ابنتها، فرفضت رغبتها في الصغر أن ترتدي الحجاب، حتي ولو كان كنوعٍ من التخفي مِنْ المستعمر الألماني مثلما فعلت بنات العائلة، فقالت الأم في نبرة حازمة »لا تغطي رأسك أبدًا، هل تسمعيني؟« وفي كتابها »هل أنتم محصنون ضد الحريم؟« عرّت واقع الاستلاب والعبودية المقنعة، فالغرب ينظر إلي المرأة بوصفها دمية معدة للاستغلال من قبل الرجال، كما أدانت نظرة العقلية الغربية النمطية للمرأة العربية، التي تحصرها في الجنس، والشهوة، وغلبة الرجال. 2 تدين المرنيسي العقلية العربية والغربية معًا، فرغم الفارق بينهما في التكوين الثقافي والفكري، إلا أنهما يتساويان في نظرتهما للمرأة، رغم أن الأخير خرجت منه الدعوات المنادية بحرية المرأة ومساواتها به في الحقوق والواجبات، مثلما فعلت الوثيقة الفرنسية، التي أعقبت الثورة الفرنسية (بدأت 1789، وانتهت 1799)، التي أعلنت مبادئها »الإخاء، المساواة، الحرية«، ومع هذا فتري أن عقلية الرجل واحدة، سواء في الغرب أو في الشرق، فكلاهما يتعمد قهر المرأة والنظر إليها من وجهة نظر جنسية بحتة، فالمرأة لا تُمثِّل لهما سوي مثير للشهوة، ومُحَقِقٌّ للذَّة والمتعة (لاحظ ما قالته في كتابها »شهرزاد ترحل للغرب«: كيف صوّر الفنان ماتيس المرأة الشرقية في لوحاته (رغم أن صوره عن المرأة الغربية لم َتظْهَرْ فيها المرأة عارية، بل كاملةَ الثيابِ)، خاصة لوحة الحمام التركي، وأيضًا صورة شهرزاد علي الغِلاف التي صاحبت ترجمة الكتاب إلي اللغات الأجنبية (الألمانية)، فهي صورة لامرأة شبقة مثيرة جنسية، أقرب إلي صور مجلات البورنو والإثارة، دون النظر لعقلية شهرزاد ودهائها في خداع الملك بالحكاية دون تمرير فرصة شهوة انتقامه التي استمر عليها منذ الحادثة المشئومة، وكيف أن المرأة الممثَّلة في صورة شهرزاد استطاعت أنْ تُرَوِّضَ الرجل القوي، وتُحِدَّ من شراسته وغواياته، وتجعل حكاياتها مصدرًا للرغبة والطلب، لا جسدها رغم أن شهرزاد في بعض حكاياتها كانت تُصَوِّر المرأة كمصدرِ غوايةٍ وافتتانٍ حتي من الجن (راجع حكاية الأمير شاه زمان)، وفي بعض الأحيان تجد المرأة القوية الذكية الجميلة التي تكون مطلب الخلفاء والوزراء ليس لجمال جسدها فقط، بل لرجاحة عقلها، فكثيرًا ماجَسّدَتْ الليالي هذه الصورة للمرأة، وتنافس الولاة والوزراء علي اقتناء مثل هذه الجواري. لاحظ حكاية الجارية تودد مع الخليفة هارون الرشيد، وكيف أنها استطاعت برجاحة عقلها وعلمها الفيّاض، أن تحصل علي ما تريد من الخليفة، بما امتلكته من معارف وعلوم، واستطاعت بهذا العلم وتلك المعرفة أن تتحدي أرباب العلوم في عصرها من فقهاء وأساطين عصر الرشيد، كما كانت ماهرةً في لَعِبِ الشطرنج، والنرد، فَدُهِش الخليفة هارون الرشيد بمهارتها الفائقة في كافة العلوم والألعاب، وطَرِبَ لذلك فأمر بإحضار المال، وإعطائه لمولاها مائة ألف دينار، وقال لها يا تودد تَمَنِّي عليَّ؟ قالت تَمَنَّيْتُ عليكَ أنْ تَرُدَّني إلي سيدي الذي باعني، فقال لها: نعم، فردها إليه وأعطاها خمسة آلاف دينار لنفسها، وجعل سيدها نديمًا له علي طول الزمان، وأطلق له في كل شهر ألف دينار وقَعَدَ مع جاريته تودد في أرغد عيش. هكذا استطاعت شهرزاد أن تستخدم أجنحتها للحد من غواية القتل للمرأة حتي تصل إلي الليلة الألف فيحدث العفو ليس لها ولكن لبني جلدتها من النساء قاطبةً. 3 تتعجّب المرنيسي في تعليقها علي النسخة الأولي المترجمة لكتاب ألف ليلة وليلة، المعنون ب »المتعة في ألف ليلة وليلة«، وتري أن المترجم لم يقصد المتعة في الحكي بقدر ما قَصَدَ المتعة الحسيّة، حيث الحكايات الشبقية والألفاظ الخادشة، وتقول- في عتاب - بعد تأملها لوحة الغلاف وعنوانه موجهة حديثها لصديقها هانس: »ورسالة شهرزاد السياسية ماذا حصل لها؟« المفارقة التي لم ينتبه لها أحد أن شهرزاد التي رحلت إلي الغرب عبر الترجمة علي يد الفرنسي »أنطوان كالاند« الكاتب الخاص في السفارة الفرنسية عام 1704، وقد ظهر المجلدان الأخيران بعد وفاته 1715، قد نجحت كما تقول المرنيسي فيما فشلت فيه الحملات الصليبية، في وقت قصير. المعني الآخر الذي تريده المرنيسي أن يصل للمتلقي عبر هذه الرسالة، أن شهرزاد المرأة الشرقية (موطنها بلاد فارس) استطاعت أن تخرج من إطار الحريم الذي وُضِعَتْ فيه كحكّاءة للملك وسَمِيرة لمجلسه، بل تعدتهما لأن تتجاوز حكاياتها الملك نفسه وغرفة النوم التي تتم في إطارها الحكايات، إلي فضاءٍ عامٍ واسعٍ وشَاملٍ يَتَجَاوزُ حُدُودَ المكانِ، فالمرأة التي تخطت الأخبية التي وضعت لها (مجلس الملك وعلي سريره)، انتقلت وتجاوزت لا بصورتها وعريها كما دَأَبَ الفنانون تصويرها به أو تزيين الكتب بها، أو حكاياته الجنسية (التي حَدتْ بمنع طبعه في مصر باعتباره أدبًا مكشوفًا) وإنما بشهوة الكلام التي روّضت الملك نفسه بها من قبل، فبالكلام استطاعت شهرزاد أن تتحدّي الموت والخوف، فهي ضحت بنفسها، وراهنت علي الانتصار، من أجل ذاتها ومن أجل الآخرين (وهذا ما لم تفطن إليه المرأة في العصور الحديثة، فالرجل هو الذي نادي لها بمطالبها (لاحظ ما فعله قاسم أمين "1863-1908م" في كتابيه تحرير المرأة 1899والمرأة الجديدة 1901)، وإن كان سبقه في هذه الدعوة رفاعة الطهطاوي"1801-1873". تقف المرنيسي مع شخصية أسمهان، كتجسيد لحالة الحُلم الذي تتخيله المرأة وتريده فالأميرة التي تمردت علي كل شيء وعانت من كل شيء علي حدٍّ سواء تضعها- المرنيسي - في موازاة مع شخصية أم كلثوم التي كانت تُمثّل النموذج النسائي الذي يهواه الرجل بعكس أسمهان التي كانت تُفَضِّلُهَا النساء، فالأولي أم كلثوم تجسيدٌ للنموذج الذي يُحَافِظُ علي التقاليد (أول ظهور لأم كلثوم وهي تغني كانت ترتدي ملابس كالرجال) من خلال الاحتشام المُفْرِط في الملابس حيث تُفَضِّل الفساتين الطويلة، الفضّفاضة والتي تخفي صدرها الضخم. في حين تأتي أسمهان الشَّابة المنطلقة في حيوية ونضارة مفتقدتيْن في صورة أم كلثوم، مرتدية الملابس القصيرة وذات التقويرات أعلي الصدر لتظهر جماله، معتنية بمظهرها وهندامها وزينتها المبهجة، واضعة الورود في شعرها؛ لتكسر مثل هذا التابو سواء في المظهر أو حتي في الغناء. ففي الوقت الذي تغني فيه أم كلثوم الأناشيد الدينية وقصائد التوشيح، تنطلق حنجرة أسمهان بإعلان ما يُعْتَّبَرُ في حِينها عيبًا فتقول في تؤذة »أهوي أنا، أنا، أنا، أهوي«، وتردد النساء خلفها ما فشلنا في التعبير عنه جهرةً ، المفارقة أن الأميرة التي تكاد تكون في عُرْفِ البعض قادرة علي تحديد مصيرها من بطريركة الرجل، كانت مثلهنّ فلا فارق بين الأميرة والمرأة العادية، فالأميرة تزوجت صغيرة جدًا من ابن عمها الأمير حسن الأطرش، ويبدو أن هذه الأميرة أُرْغِمَتْ علي هذا الزواج مثل كثيرات من غير الأميرات، فحدث الطلاق سريعًا وهي ابنة السابعة عشر، ولذا جاءت الأغنية التي اشتهرت بها كتعبير عن حالتها الداخلية. ووجدت فيها الحريم (نساء البيوت) تنفيسًا عما يكتمنّ ولا يستطعن البوح به. 4 ومن أجل استعادة هذه الذات الأنثوية المجهضة في الوقت الحاضر، تلوذ دائمًا المرنيسي بالتاريخ كشاهدٍ علي إنجاز حقيقي للمرأة، وفي ذات الوقت إدانة للعصور الحديثة؛ فمثلما لجأت المرأة منذ شهرزاد للحيلة للخروج من حدود الحريم التي وضعها الرجل فيها، وكذلك بطلات شهرزاد، تستمر في استنطاق هذا التاريخ عبر سيرتها الموزَّعة علي ذوات الآخرين وبالأحري الأخريات سواء أكانت أمها أو جدتها ياسمين، أو حتي علي صورة الأميرة أسمهان، تلك الأميرة التي ضَرَبتْ نموذجًا فريدًا في التمرد علي كافة أشكال التقاليد والأخبية الموروثة أو التي صَنَعَها الرجل وجعل نفسه وصيًا عليها كما في حالة طليقها الأمير حسن الأطرش، والذي وصل به الأمر إلي مطاردتها في القاهرة حاملاً مسدسه، بعدما تردّد عن مغامراتها وتعدد زيجاتها. لا تقف المرنيسي في نماذجها عند أسمهان بل تتخذ أيضًا هدي شعراوي نموذجًا للمقاومة أيضًا وعائشة التيمورية وزرينب فواز، إلي جانب الأميرة بدرو، والمرأة ذات الكسوة الريش في الليالي استعانت بهم المرنيسي لتقاوم أخبية الذكورة، وتخرج من إطار الحريم حتي لو امتلكن أجنحة من خيال للتحليق عاليًا بعيدًا عن وصايا الرجل. ومن ثم سعت لأن لا تقاوم هذه الأخبية التي عانت منها كل النساء التي استشهدت بهم، ليس بشهوة الكلام كما فعلت شهرزاد، أو حتي بالكتابة كما فعلت عائشة التيمورية وزينب فوّاز، وإنما المقاومة بسلاح هدي شعراوي المطالبة بالتغيير، في مرحلة لاحقة بتمرد أسمهان، وفوق هذا وذاك استخدمت وسيلة أخري ساعدتها عليها أمها وهي استحضار هذه الأنوثة، والعثور عليها منذ صغرها، تلك الأنوثة التي حاولت الأنظمة الأبوية البطريركية مصادرتها. فالأم دائما تعتني بجمالها وشعرها وسعيها إلي إصلاحه بكافة الوصفات، والابنة تحاول تقليد الكبار بالاهتمام بنظافتها ،إظهار جمالها / أنوثتها حتي أن عمتها حبيبة قالت لها: »لا داعي للعجلة، فسيكون " لديك" متسع من الوقت " لتعلم " تقنيات الجمال، والتزيين كلها« علي مدار رحلتها الفكرية كان الشاغل الأساسي للمرنيسي هو مقاومة الأخبية، استطاعت تارات وأخفقت تارات عدة، لكن النجاح الذي سينسب لها أن رقشت هذه البطريركية وقاومتها تارة بالكلمة وأخري بالتمرد، وهو ما مهّد الطريق لجيل لحق بها في مسيرة النضال التي كانت رائدة من رائداته. المصدر: كتاب فاطمة المرنيسي: »نساء علي أجنحة الحلم« ترجمة، فاطمة الزهراء أزرويل، بيروت المركز الثقافي العربي، 1998 وهناك ترجمة أخري بعنوان: »أحلام النساء الحريم: حكاية طفولة في الحريم« ترجمة ميساء سري، مراجعة محمد المير أحمد، عن دار ورد للنشر والطباعة والتوزيع سوريا عام 1997 .