بطريرك الأرمن الأرثوذكس ينعى وفاة ال 19 فتاة على الطريق الإقليمي    «زي النهارده».. اغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف 29 يونيو 1992    مدرب بيراميدز: حاولنا ضم بن رمضان قبل انتقاله ل الأهلي.. وهذا سبب فشل الصفقة    بعد توقف 116 دقيقة.. تشيلسي يفوز برباعية ويتأهل لربع نهائي مونديال الأندية على حساب بنفيكا    الدوماني: المدير الفني الجديد سيكون مفاجأة..والزمالك يسير في الطريق الصحيح    حادث المنوفية.. شاهدة على كفاح شهيدات كفر السنابسة على الإقليمي: التقيت «وجوه القمر» يوم الكارثة    «الندل الكبير مبرشم ومحشش».. خيري رمضان عن حادث الطريق الإقليمي: «ملعون أبوك يا فقر..حوّجنا للأندال» (فيديو)    «زي النهارده».. اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات 29 يونيو 2015    حادث أشمون.. متحدث محافظة المنوفية: الطريق ليس تحت ولايتنا.. وتسميته بالموت مجرد تريند    «حرام بالراحة عليه شوية».. نجم الزمالك السابق يدافع عن محمد الشناوي    وفاة غامضة للممثلة الهندية شيفالي جاريوالا عن عمر 42 عامًا (تفاصيل)    أوركسترا القاهرة السيمفوني يختتم موسمه ال66 بأنغام بيتهوفن    متحدث محافظة المنوفية: تقرير اللجنة الفنية أكد أن الحادث خطأ فردي    القديسان بطرس وبولس.. رمزان مسيحيان في قلب سيناء    يسبب التسمم.. احذر من خطأ شائع عند تناول البطيخ    «زي النهارده».. فلمنج يكتشف البنسلين 29 يونيو 1928    شيكابالا يستقر على الاعتزال.. ومصدر يكشف أسباب القرار    الأهلي يتخذ قرارًا حاسمًا بشأن رحيل أفشة والشحات ومصير صفقة «شريف».. إبراهيم المنيسي يكشف التفاصيل    والد مصطفى أشرف يكشف كواليس فشل انتقاله نجله إلى الزمالك    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 29 يونيو 2025    بعد حادث المنوفية.. طلب إحاطة لحظر نقل الركاب داخل «البيك أب» ومصادرتها    بعد فشل توربينات سد النهضة، خبير جيولوجي يحذر من حدوث فيضانات بالخرطوم قريبا    ثبات حتى الرحيل .. "أحمد سليمان".. قاضٍ ووزير وقف في وجه الطابور الخامس    «القومي لحقوق الإنسان» عن حادث المنوفية: جرس إنذار لتوفير بيئة عمل آمنة ولائقة للفتيات    لميس الحديدي تطالب بمحاسبة علنية لمسؤولي حادث الطريق الإقليمي: خلّوا الناس قلبها يبرد وتحس بالعدل    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل قياديين في "حزب الله" بغارات جنوب لبنان    مقرر لجنة الوساطة الجنوبية ل«الشروق»: اتفاق سلام جوبا يمنح جميع أطرافه نسبة ال25% للمشاركة في السلطة بالسودان    لافتات وشعارات تطالب بفتح معبر رفح.. مظاهرة بهولندا ضد السيسي في ذكرى الانقلاب    تنسيق الثانوية العامة 2025 محافظة كفر الشيخ.. الحد الأدنى للقبول    فقرات فنية وتكريم المتفوقين في حفل خريجي مدرسة المنيا الرسمية للغات.. صور    ماجدة الرومي تتألق خلال حفلها بختام مهرجان موازين (فيديو)    حادث أشمون.. خيري رمضان: ملعون أبو الفقر ألف مرة.. دفع الفتيات للعمل ب 130 جنيها    عيار 21 الآن.. آخر تحديث لأسعار الذهب اليوم في عطلة الصاغة الأحد 29 يونيو 2025    كأس العالم للأندية.. إيقاف مباراة تشيلسي وبنفيكا بسبب الظروف الجوية    فوائد البنجر الأحمر، كنز طبيعي لتعزيز صحة الجسم    لتفادي الصداع والدوخة.. أطعمة ترفع الضغط المنخفض لطلبة الثانوية العامة    شهيدان جراء استهداف الاحتلال الإسرائيلي دراجة نارية جنوب لبنان    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    القيعى: 4 ركلات ترجيح غيرت مصير الأهلى فى الموسم الماضى.. وما تم غباء اصطناعى    بنفيكا ضد تشيلسي.. جيمس يفتتح أهداف البلوز فى الدقيقة 64 "فيديو"    «القومي لحقوق الإنسان»: حادث المنوفية يسلط الضوء على ضرورة توفير بيئة عمل آمنة ولائقة للفتيات    «الغالي ثمنه فيه».. مؤتمر لابناء المرحلة الإعدادية بإيبارشية طيبة (صور)    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 29 يونيو 2025 (آخر تحديث)    تشويش ذهني ومعلومات جديدة.. برج العقرب اليوم 29 يونيو    حادث الطريق الإقليمي والاستراتيجية "صفر"؟!    حادث المنوفية.. وزير العمل عن تشغيل فتاتين دون ال15 عاما: سيتم اتخاذ إجراءات ضد صاحب العمل    «وقعوا في الترعة».. إصابة 4 أشخاص في حادث تصادم بالقليوبية    موعد اعتماد نتيجة الشهادة الإعدادية بمحافظة قنا    أخبار× 24 ساعة.. إعفاء أبناء الشهداء والمصابين بعجز كلى من مصروفات الجامعات    ذكرى 30 يونيو| الشعب الجمهوري بالقليوبية يُكرم أسر الشهداء    محلل سياسي: المصريون انتفضوا فى ثورة 30 يونيو ضد جرائم الإخوان    هل سيدنا الخضر نبي أم ولي؟.. الدكتور عالم أزهري يفجر مفاجأة    هيئة الدواء تشارك في مؤتمر الاستثمار الأول في الرعاية الصحية بإفريقيا    ما حكم تيمّم المرأة التي تضع مستحضرات التجميل (المكياج)؟    عيبك أولى بالإصلاح من عيوب الآخرين    أسفار الحج (6)..الصفا والمروة وزهرة اللوتس    الإنتاج الحربي: الشركات التابعة حققت إيرادات نشاط بنسبة 144% بمعدل نمو بنسبة 44% عن العام الماضي    رسميًا.. موعد صيام يوم عاشوراء 2025 وأفضل الأدعية المستحبة لمحو ذنوب عام كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كيف تجمع العالم في قصيدة وتبعثره من جديد
نشر في أخبار الأدب يوم 04 - 12 - 2015

يمثل صلاح فائق حالة استثنائية داخل المشهد الشعري الآني، إنه المتجدد باستمرار، من العسير أن تلجأ إلي التصنيفات التقليدية، و إلقاء المسميات المعتادة والمجحفة - كالقول إنه سوريالي أو تفكيكي، مستقبلي أو عدمي، ففي قصائده يقدم آليات ومستويات متعددة، والأداء الشعري ينطلق من مخيلة تبدو أسطورية، حيث يتجاور العجائبي والأسطوري مع المتاح واليومي، و الذاتي يلتحم بالتاريخي والمعرفي وتنطلق الصراعات الديالتيكية بتلقائية شديدة، من خلال سرد شعري يلجأ حينًا إلي الحكائي، وتارة إلي المونولوج الداخلي، ينطلق من الشفاهي فوق حيواناته - التي لاتشبه كائنات هنري ميشو -، ويواجه العالم بمحبة وحميمية بذواته المتعددة، إنه لايشاهد العالم مثل ريتسوس الرائي البارع بل يتفاعل معه في صراعات متعددة بحثا عن تحقق وجوده الإنساني في لحظته الآنية، ومواجهة وحشية العالم ومسوخه، يصنع عوالم موازية للواقع و متصلة به...
وعبر رحلة شعرية و إنسانية بداية من كركوك حيث الجماعة الأكثر تأثيرا في المشهد الإبداعي العراقي والعربي قدم تجربة شعرية خاصة أنتج خلالها ما يربو علي العشرين ديوانًا من رهائن إلي مقاطع يومية عبر أعمال عديدة مثل رباعياتي.. رباعياتي الثانية.. دببة في مأتم وغيرها.. ومن العراق إلي جزيرة في الفلبين أمام محيط هادر بعد أن ترك لندن مدينة الضباب والسيرة الذاتية لصلاح فائق برغم أهميتها وتأثيراتها علي منتجه الشعري، ستدفع بنا إلي طرق بعيدة عن النص وجوهره ومايحمله من مفارقات عجائبية مدهشة، وتشكيلات جمالية متعددة كأنه يكتب بلغة لانعرفها فالصور المتتابعة و المنطلقة والهادرة في بساطة وتلقائية أبرز ما في نصوصه كأنه يعيدنا للمقولة الأقدم لأرسطوطاليس ( الشعر هو القول المخيل ) برغم صعوبة أن نختصر مفهوم الشعر في تعريف أو بنية أو قواعد، إذ من التعسف والهوس ذ أيضا ذ أن نتوقف أمام تعريف ما، وخلال قصائده النثرية التي تجاوز مقولات سوزان برنار ومدرسة شعر وقصيدة التفاصيل اليومية وغيرها مما أنتجته الذهنيات الأكاديمية و النقدية ثمة موسيقي تسبح في فضاءات قصائده تنطلق بتلقائية وبراءة وحميمية فهو شاعر الأسئلة الأولي التي نمتلك إجابات متعددة ومتوارثة لايمكن اليقين بصحتها، إنها الأسئلة التي لم تغتل الإجابات خطواتها في عقولنا ولم تُحذف علامات استفهامها بعد...
وهذه المقدمة ضرورية قبيل تقديم قراءة عن ديوانه " مقاطع يومية والصادر عن جماعة أنا / الآخر بالتعاون مع مؤسسة أروقة للدراسات والنشر والذي تضمن 72 قصيدة تحفل بالعجائبي والغرائبي وتنطلق من منحي إنساني شديد الحميمية يمتزج داخلها السوريالي بالفانتازيا واليومي بالأسطوري والسرد الحكائي بالذاتي والمعاش حيث شعرية البوح والاعتراف، ويكشف الديوان عن ثقافة موسوعية ينطلق من خلالها ليصنع عوالم جديدة موازية للواقع ومتقاطعة معه في آن بإنسانية شجية يتشبث بهويته ويحمل أساطير العراق، ويتفاعل مع الثقافات بتنوعها ليصنع أسطورته الخاصة نجد هذا في عتبات النص ومفاتيحه حيث عناوين القصائد مثل ( موعدي مع لوتر يامون في كركوك..أوديب المستاء مني..نمور تتطلع إلي لوحات...جدار يقرأ قصيدة..كلكامش يتطلع إلي شعبه في التلفزيون غزالة تطارد برقًا....ضرير يغني في طائرة...) وغيرها من قصائد الديوان الذي حمل عنوانًا مخادعًا فهو لايحفل باليومي والمعاش فقط بل يتجاوز ذلك إلي آفاق آخر، ولن نتوقف أمام تفسير ما أو طريقة لقراءة النص علي نحو ما حاول نقاد مثل تمام حسن أو شكري عياد أو حتي التفكيكيين مثل دريدا فقد بحثوا جميعا عن طرائق لقراءة النص - أي نص - وسأحاول التوقف أمام بعض الظواهر و الملامح في الديوان حيث الذات الشاعرة تعيش يومها في الشعر وتحيا داخل القصائد، فهو يعي بلا افتعال أو مباشرة دوره كشاعر وآلياته مثل :
" ليس في الذي أقوله أي مجازٍ
تورية أو استعارة
كل ما هناك أنني أتحسس حقيبتي اليدوية
أعثر فيها علي حبوب ضد الصداع،
والحظ منازل تنظر إلي بصمتٍ
فأشعر أنها تعاني حشرجةٌ أخيرة." ص 182
وللبوح والاعتراف بما يحملان من شاعرية حميمة وإنسانية مكانتهما داخل الديوان مثل :
" أنا مهاجرٌ، أعيش منذ زمن طويل في مخيم متخيل
لا يعرفه أحد ، حقيقة يدركها كل هاربٍ
بعد سنوات.
لي مدني وقراي من كلماتٍ
وذاكرة مرضي يتشاتمون في مصعد." ص 40
أو "إنني رجلٌ بلا روح
ليست لي أوهام عن مدينتي.
كابدت ما يكفي لأصل قمةً هنا أو هناك
لم أصل.
الآن هدأ منشدون في رأسي" ص9
وفي تفاعله مع الثقافات يصنع أسطورته الخاصة جدًا أنه لايهتم بالمقولات السابقة حول التناص ولا يعبأ بما يقوله النقاد مثل كريستيفا أو رولان بارت حول الهوية الخلافية للنص مثل :
" كنت قبل ساعات في عيادة طبيبي
فوجئت بهاملت هناك ينتحب أمام ممرضة،
جلست، تصورتني في طائرة يغني فيها ضريرٌ
بصوتٍ جميل. " ص 96
وهنا في هذا المقطع نجد المنشدين الشعبيين الذين نعرفهم في موالد الأولياء وكانوا يطوفون في مقاهي القاهرة القديمة، والشوارع يحملون السير و الملاحم الشعبية إلي جوار هوميروس، وأحدهم يركب الطائرة، ويغني، وهذا التصور العجائبي لحظة تخيل هاملت صديق شكسبير وضحيته ينتحب كشخص مهزوم أمام سيدة بسيطة تعمل ممرضة في عيادة أنه يضع تصوراته وكوابيسه وأحلامه في مواجهة وحشية الحضارة الحديثة التي تفقدنا إنسانيتنا ويبحث عن تحقق وجوده داخل المتخيل والأسطوري وفي سعيه لهذا يحدث الكائنات من حوله البحر.. النهر و المحيطات..الشجر والحيوانات مثل :
" سأذهب لأرحب بنهرٍ
يقف أمام بيتي منذ الصباح..
كان يستشيرني في الماضي
في أمور تعنيه وجداوله.
بعد لقائنا سيتجه إلي المحيط القريب
ويختفي بين أمواجه القديمة
أنا الآن أبحث في كتاب عن لؤلؤة لأهديها إليه " ص 84
أنه يمنح الكائنات حوله سمات إنسانية خالصة وحميمية دون الوقوع في فخاخ فكرة الشيئية عبر أداء شعري شفاهي، ومخيلة يتجاوز بها المتوقع والعادي ويقدم مفارقات عجائبية مدهشة يتفاعل خلالها مع العالم والذكريات والتاريخ و المعرفي بتلقائية دون السقوط في استنساخ المعرفية وإقحامها، أو تقديم نص ذهني تحت مسميات فارغة ومجانية - مثل هندسة القصيدة - كما فعل من تبنتهم المؤسسات الرسمية وصنعت السلطات بأنواعها شهرتهم ووجودهم...
إننا أمام شاعر له ملامحه ومفرداته و معجمه الخاص، ولايمكن أن نتحدث عن شاعرية صلاح فائق وديوانه دون أن نتعايش مع حيواناته والتي تحيا مع أشجاره وأنهاره وسحبه داخل عالم يبدو متكاملًا، ويحمل نفيه وأسطوريته في اللحظة ذاتها مثل :
"في راسي لغاتٌ
أختار ما يفهمها جاموسٌ
وفقراء يجمعون كبريتًا من تلال كركوك" ص 107
أو " في البدء كان التمساح
لم يكن مختبأ في مستنقع
بل يطير من شجرةٍ إلي شجرة
بحثًا عن لقالق.
كنت أراقبه أبدي إعجابي به بتصفيقٍ وهتافات
أدهشتني قفزاته الرشيقة
فجأة سقط وكسر ظهره
وكان يبكي. " ص164
وللكوابيس وما تحمله من رؤي مكانتها داخل فضاءات النص ولعل هذا مما دفع البعض لاختصاره في السوريالية التي تشكل ملمحًا من منتجه الشعري ضمن ملامح وآليات وأجواء متعددة مثل :
" كان شاعرٌ يرثي صديقه هناك
فجأة خرجت يد صديقه من القبر، صفعته بقوة.
لم يزعجني ما رأيت، إنما صدي تلك الصفعة
لا يزول من رأسي " ص 147
وتبدو الفانتازيا أحد أدواته وجزءا من خليط سحري يقدمه في قصائده ينجح من خلاله في صياغة العالم من جديد فهو من يوزع منشورات سرية في جزيرة خاوية، وينادي باخرة من خلف شباكه، ويختفي في مخبأ طائرة، ويستقبله أمبراطور سكران، ويشتري أنياب أسد ليزرعها في حديقته.
وثمة ملامح كثيرة في نص شديد الثراء مثل تعدد الذوات وصراعاتها فالأنا / الآخر..والقرين والشبح يحضرون جميعا فمن الذات الفردية إلي الأنا الجمعية ومن بحثه عن ذاته إلي تصوراته عنها ومن ذكريات تتوالي إلي أحلام وكوابيس وأشباح يجلس معها ومن رؤيته لنفسه وحكاياته عنه كأنه شخص متعدد..حاضر وغائم.. مهاجر ومقيم أنه في صراع متواصل مع ذاته وأحلامه وكوابيسه وذكرياته الحقيقية و المتخيلة مع تاريخه الشخصي، وتاريخ وأساطير العراق كل هذا داخل النص الذي يأتي من مخيلة حرة باذخة وثقافة موسوعية تمنحه آفاقًا شاسعة غير محدودة، ويؤكد من خلال قصائده أن الشعر لم يتراجع وأن المؤسسات والسلطات بتوجهاتها وألعابها تسعي لفرض خطاب احادي لايتفق وطبيعة الحياة وأن الشعر فن متجدد يملك أن يغير العالم لما هو أفضل، وأن يرسخ بهدوء وعيًا جماليًا وانسانيًا ضد بشاعة وقبح العالم المعاش.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.