منذ بدأ الفكر الإنساني يحبو احتل الشيطان جانبا لا يستهان به في حيز التفكير البشري ، ليس فقط علي مستوي الميثيولوجيا والمعتقدات الدينية بل في أذهان الفلاسفة والمفكرين . إنه الكائن الأكثر غموضا رغم صورته الذهنية المستقرة ،لهذا حظي العدو رقم واحد في كافة الأديان باهتمام حثيث يهدف إلي سبر أغواره ، بل أن هناك من دافع عنه في التراث العربي باعتباره يؤدي مهمة خلق لها ! وقبل سنوات نشرت " أخبار الأدب " نموذجا من هذه الكتابات للحلاج ضمن عدد خاص صدر في أعقاب قضية هزت الرأي العام وقتها وحملت اسما إعلاميا هو " عبدة الشيطان " . في النص التالي يقدم مارك توين رسائل متخيلة ، تتضمن ملاحظات للشيطان عن الجنس البشري ، الذي اهتم برصده منذ ان انتهي الخالق من تشكيله ، بطبيعة الحال تحمل وجهة نظر الشيطان تهكما من البشر واستهزاء بطبيعتهم المتناقضة ، ويفترض المؤلف أن " يوميات الشيطان " التي سجلها عن البشر عبر آلاف السنين كانت موجهة إلي الملائكة ، لإقناعهم بوجهة نظره!! غير أن قراءة النص تظهر بوضوح أن مارك توين لم يجهد نفسه - مثلما فعل الحلاج مثلا - ليقدم نصا يعبر عن وجهة نظر الشيطان ، بل اكتفي بوجهة نظره ككاتب ينتقد مظاهر سادت في عصره ، تظهر فيها تناقضات البشر وادعاءاتهم في مجالي العبادات والعلاقات الإنسانية ، لهذا سيطرت عليه بعض القيم التي سادت في تلك الفترة تحديدا ، ومنها التعالي العنصري واضطهاد اليهود . »أخبار الأدب« رسالة من الأرض مرت أيام عديدة. وهذا يعني وقتًا طويلا بحساب زمننا فاليوم السمائي يقدر بألف عام. وقد ظل إبليس يدون ملاحظات حول مخلوقات الخالق المبهرة.. تلك الملاحظات تستطيع أن تقرأ بين سطورها السخرية والتهكم. وقد حافظ عليها بإرسالها إلي أصدقائه رؤساء الملائكة لتبقي في مأمن، ولكنهم كانوا قد سمعوا عنها من ملائكة عاديين وبلغوا بها مركز العمليات. وقد تم نفيه ليوم.. يوم سماوي. وكان عقابًا معتادًا له من جراء لسانه الطويل. ولقد تم نفيه سابقًا إلي السماء أما الآن فلا مكان لإرساله فتم دفعه بقوة إلي المساء الأبدي والقطب الشمالي، ولكن حدث أن تم دفعه ليلاحق ويبحث عن الأرض ليري كيف تسير تجربة الجنس البشري. وسرعان ما بدأ في الكتابة لوطنه، وبشكل خاص لرئيسي الملائكة عن الأمر. خطاب ابليس إنه لمكان غريب.. بل مكان غير عادي وشيق. لا يوجد هنا ما يشبه وطننا. إن البشر كلهم مجانين والطبيعة نفسها مجنونة. إن الإنسان لتحفة مثيرة للاستطلاع. فعندما يكون في أفضل حالاته يشبه ملاكًا يرتدي معطفًا رخيصًا، وعندما يكون في حالة أسوأ فلا يمكن وصفه أو تخيله وفي البداية والنهاية وطوال الوقت يكون محطا للسخرية. وحتي الآن يتملق ذاته بكل صدق ويدعو نفسه: "صنيعة الله الأكثر تكريمًا". أنا أخبركم بالحقيقة، وهذه ليست فكرة جديدة لديه فقد تحدث عنها عبر كل العصور وصدقها. لقد صدقها!! ولم يجد أي من جنسه البشري ليسخر منها! وعلاوة علي ذلك إن كان من الممكن أن أجهدكما أكثر من ذلك فدعاني أقول لكما أنه المفضل عند الخالق. إنه يصدق أن الخالق فخور به، بل ويصدق أنه يحبه أيضًا.. نعم.. بل ويراقبه ويحفظه من الضرر. إنه يصلي له ويعتقد أنه يسمعه. أليست فكرة طريفة؟! ويملأ صلواته بتملقات بسيطة خام مكشوفة له، ويعتقد أنه يجلس ليستمع لتلك الخرخرة المثيرة للسخرية ويستمتع بها! إنه يصلي له من أجل أن يساعده ويخدمه ويحميه كل يوم، ويؤدي هذا بطريقة مملوءة بالأمل والثقة مع أنه لم يتم استجابة أي من تلك الصلوات أبدًا. هناك أمر حسن بشأن تلك الملاحظة يجب أن أزعجكما أيضًا به: إنه يظن أنه سوف يذهب إلي السماء!! لديه معلمون أجراء يخبرونه بهذا. إنهم يخبرونه أيضًا أن هناك جحيما من نار متقدة لا تطفأ سوف يذهب إليها إن لم يتبع الأوامر والوصايا. ولكن ما الوصايا؟ سأثير بهذا فضولكم وأخبركما بها عما قريب. الخطاب الثاني لم أخبركما أي شيء غير حقيقي عن الإنسان. يجب أن تعذروني إن قمت بتكرار هذه الملاحظة الآن وفي تلك الخطابات، فانا أريدكما أن تأخذا تلك الأمور التي أخبركما عنها بجدية، وأشعر بأني لو كنت في مكانكم وأنتم في مكاني كنت سأحتاج لتلك التذكرة من وقت لآخر لأحفظ سرعة تصديقي من الذبول. ولهذا فلا يوجد شيء بشأن الإنسان ما هو ليس غريبًا بالنسبة لخالد. فهو ينظر للا شيء كما ننظر له، ويختلف إحساسه بالتناغم بشكل طفيف عنا وكذلك إحساسه بالقيم يختلف عنا كثيرًا، ومع كل قوانا العقلية الكبيرة فإنه ليس من المحتمل أن يستطيع أكبرنا موهبة أن يتفهمه ولو قليلا. وعلي سبيل المثال: لقد تخيل السماء وقد أسقط منها تمامًا أكثر المتع بالنسبة له... نشوة المرء التي توجد أولا في قلب كل فرد من جنسه، ومنا: الاتصال الجنسي! الأمر كما لو أن شخصا ضائعا يذوي في صحراء قاحلة تم إخباره بواسطة منقذ أنه ربما يختاره ويكون لديه كل الأشياء التي يرغب فيها سوي واحدة فقط، وهي الماء! إن سماءه تشبهه: غريبة.. مثيرة.. مدهشة.. خيالية. وسأعطيكم كلمتي: لا يوجد فيها شيء واحد يهمه حقيقة. إنها تتكون تمامًا بكل معني الكلمة من تسالي لا يهتم بها مطلقًا هنا علي الأرض، ومع ذلك فهو متأكد أنه سوف يحبها في السماء. ألا يثير هذا الفضول؟ أليس ذلك مثيرًا للاهتمام؟ لا يجب أن تظنوا اني أبالغ، فالأمر ليس كذلك. وسأعطيكم التفاصيل. إن أغلب البشر لا يغنون، ومعظم البشر لا يستطيعون أصلا الغناء ومعظم البشر لن يبقوا عندما يغني الآخرون إن استمر الأمر لأكثر من ساعتين.. لاحظوا ذلك. يستطيع اثنان فقط من بين كل مائة شخص أن يعزفا علي آلة موسيقية، وليس أكثر من أربعة في المائة لديهم رغبة في أن يتعلموا العزف. سجلوا هذا. يصلي الكثير من البشر، ولا يحب الكثير منهم ذلك. قليل منهم من يصلي طويلا بينما تقوم البقية بالاختصار. يذهب الكثير من الرجال إلي الكنيسة دون أن يريدوا ذلك.. وبالنسبة لتسعة وأربعين شخصًا من بين خمسين فإن يوم الأحد يوم ممل بشكل لا يحتمل. ثلثا من يذهبون إلي الكنيسة يشعرون بالتعب حينما تمر نصف الخدمة فقط، والباقون يتعبون قبل أن تنتهي الخدمة. وأكثر اللحظات سعادة لهم جميعًا عندما يرفع الواعظ يديه مانحًا البركة. يمكنك سماع ذلك التنهد الناعم بالراحة الذي يعم المكان، ويمكنك أن تتعرف علي ذلك العرفان بالجميل بفصاحة. كل الأمم تزدري كل الأمم الأخري.. تحتقر كافة الأمم البيضاء كافة الأمم الملونة أيا كان لونها، وتقوم بقمعها عندما تسنح لها الفرصة. لن يتعامل البيض مع السود ولن يتزوجوا منهم. لن يسمحوا بهم في مدارسهم وكنائسهم. يكره العالم كله اليهودي، ولن يتحملوه إلا إن كان غنيًا. أسألكم أن تلاحظوا كل تلك التفاصيل. وبالإضافة لذلك فإن البشر العاقلين يكرهون الضوضاء. وكل البشر ذ سواء كانوا عاقلين أم مجانين ذ يحبون التنوع في حياتهم وتضجرهم الرتابة سريعًا. وكل إنسان طبقًا لمؤهلاته وقدراته العقلية يمارس ذلك الذكاء باستمرار علي الدوام، وهذا التدريب يلعب دورًا واسعًا وقيمًا وضروريًا في حياته. إن أقل قدر من الذكاء مثله مثل أكبر قدر منه ، لديه مهارة من نوع ما وينتج سرورا شديدا في اختباره وإثباته وإكماله. إن الولد الصغير الذي يتفوق رفيقه عليه في اللعب لهو مجتهد ومتحمس في ممارسته كالنحات والرسام وعازف البيانو والرياضي .. إلخ. لا يمكن لأحدهم أن يكون سعيدًا إن تم حرمانه من موهبته. والآن فلديكم الحقائق. تعلمون بما يمتع الجنس البشري وما لا يمتعه. لقد تم اختراع سماء في رأسه.. كلها من اختراعه، وخمنوا كيف هي؟ لن يمكنكم تخيل ذلك في ألف وخمسمائة أبدية. إن العقل البارع الذي تعرفونه أو أعرفه أنا لم يمكنه في خمسين أبدية أن يفعل ذلك. حسنًا... سوف أخبركم عن الأمر. باديء ذي بدء، فإني أعيد لفت انتباهكم إلي تلك الحقيقة المذهلة والتي بدأت بها. فلنضحك قليلا فإن البشر مثلهم مثل الخالدين يضعون بشكل طبيعي الاتصال الجنسي في مكانة أرفع وأعلي من كل المتع الأخري ولأجلها تركوا السماء! إن الاهتمام الكبير بذلك يثيره جدًا، والفرصة تسنح أمامه بشكل كبير، ففي تلك الحالة سيخاطر بحياته وسمعته وبكل شيء.. حتي وإن كانت سماؤه الغريبة نفسها لينجح في تلك الفرصة ليمتطيها صوب تلك الذروة الغامرة. ومن سن الشباب وحتي الكهولة فكل الرجال والنساء يجلون الاتصال الجنسي أكثر من كل المتع الأخري مجتمعة، فالأمر تمامًا كما قلت: إنه ليس في سمائهم.. الصلاة تأخذ مكانها." هم يقدرونها بذلك السمو ككل ما يطلقون عليه "هبات" بينما هي أمر فقير. ففي أفضل الأحوال وأطولها فإن ذلك الفعل يمثل راحة خلف المخيلة... أعني مخيلة شخص خالد. أما بخصوص مسألة التكرار والإعادة فالإنسان محدود.. أووه.. خلف مفهوم الخلود بقليل. نحن من نمارس الفعل ونشواته القصوي بشكل كامل ودون انسحاب لقرون لن نتمكن أبدًا من أن نفهم أو نشفق بشكل كاف علي ذلك الفقر المروع لهؤلاء الناس في تلك الهبة الغنية والتي يمكن اقتناؤها كما نقتنيها نحن ، والتي تجعل من كل الممتلكات والحيازات الأخري مجرد تفاهات لا تستحق عناء... . في سماء البشر يغني الجميع! ذلك الإنسان الذي لم يغن علي الأرض يغني هناك.. ذلك الإنسان الذي لم يتمكن من الغناء علي الأرض يستطيع أن يغني هناك! إن الغناء الكوني ليس أمرًا عرضيًا ولا موسميًا ولا يتم اقتطاعه بفواصل من الصمت... إنه يستمر... طوال اليوم... وكل يوم... أثناء فترة تمتد إلي اثنتي عشرة ساعة، ويبقي الجميع بينما يخلو المكان علي الأرض تمامًا في غضون ساعتين. والغناء يكون تراتيل وترانيم فقط. لا... إنها ترتيلة واحدة فقط. والكلمات دائمًا هي هي، وعددها تقريبًا يصل إلي اثنتي عشرة كلمة، وليس ثمة إيقاع، ولا شعر: " أوصنا.. أوصنا.. أوصنا.. الله رب السبت.. ترا رام.. ترا رام.. ترا رام.. بيم بوم!! آآه..." وفي غضون ذلك فكل شخص يعزف علي القيثارة.. ملايين وملايين! في حين أنه ليس أكثر من عشرين في الألف منهم يمكنه أن يعزف علي آلة موسيقية علي الأرض أو حتي يريد ذلك. وفكروا في ذلك البركان من الأصوات الذي يصم الآذان بينما ملايين وملايين الأصوات تصرخ في الوقت نفسه، وملايين وملايين من القيثارات تصر علي أسنانها في وقت واحد! وأنا أسألكم: هل ذلك بشع؟ هل ذلك بغيض؟ هل ذلك مرعب؟ وفكروا فيما أكثر من ذلك: إنها خدمة تسبيح.. خدمة مديح.. تملق ومداهنة. هل تتساءلون من يمكنه أن يتحمل ذلك التملق الغريب.. ذلك التملق المجنون؟ ومن ليس بإمكانه أن يتحمله فقط، بل يحبه أيضًا ويمتعه ويفرضه متي يأمر به؟ احبسوا أنفاسكم! إنه إله ذلك الجنس البشري.. هذا ما أعنيه. إنه يجلس علي عرشه محاطًا بالأربعة وعشرين رئيسا وبعض أصحاب المقام الرفيع الآخرين يدخلون ضمن مجلسه، وينظر خارجًا حيث أميال وأميال من العابدين الصاخبين ويبتسم ويوميء برأسه ليعبر عن رضاه ناحية الشمال وناحية الشرق وناحية الجنوب. من السهل أن نكتشف أن مخترع فكرة تلك السماوات لم ينشئ أبدًا تلك الفكرة، ولكن نقلها عن المراسم الاحتفالية لإحدي الدول المسيطرة البائسة الصغيرة في مؤخرة مستعمرات الشرق في مكان ما. يكره جميع العقلاء البيض الإزعاج ومع ذلك فقد قبلوا فكرة ذلك النوع من السماء.. دون تفكير.. دون تأمل... دون فحص، وقد أرادوا بالفعل أن يذهبوا إليها! ذلك الورع العميق لرؤوس الرجال الشيباء الذي يشغل جزءًا كبيرًا من وقتهم في الحلم بذلك اليوم السعيد عندما يلقون باهتمامات ذلك العالم ليدخلوا إلي أفراح ذلك المكان. ويمكنكما أن تريا كم يبدو ذلك غير حقيقي بالنسبة إليهم، وكم يستحوذ قليلا عليهم أن يفكروا في ذلك الأمر كحقيقة، حتي أنهم لا يقومون بأي إعدادات عملية لذلك التغيير. لن تريا أبدًا أحدهم بصحبة القيثارة، ولن تسمعا أبدًا أحدهم يغني. وكما رأيتم فإن ذلك العرض المنفرد هو خدمة تسبيح... تسبيح بالترتيل والركوع. إنه يحل محل الكنيسة، أما الآن علي الأرض فإن هؤلاء الناس لا يمكنهم تحمل الكنيسة أكثر من ذلك.. ساعة وربع هو الحد الأقصي وقد حددوا الأمر مرة واحدة في الأسبوع. ويمكن القول أنه يوم الأحد. يوم واحد من وسط سبعة أيام وحتي ذلك اليوم لا يتطلعون إليه باشتياق، ولتأخذا في الاعتبار ما تزودهم به سماؤهم الخاصة: الكنيسة.. إنها تستمر إلي الأبد بطقس يوم أحد لا ينتهي! إنهم يضجرون سريعًا من تلك الراحة الأسبوعية لطقس يوم الأحد هنا ولكنهم يشتاقون إلي ذلك الأحد الأبدي حتي أنهم يحلمون به ويتحدثون عنه ويعتقدون أنهم سوف يستمتعون به... بكل قلوبهم البسيطة يعتقدون أنهم سوف يسعدون فيه! وهذا لأنهم لا يفكرون إطلاقًا، بل يعتقدون فقط أنهم يفكرون. فليس لدي اثنين من عشرة آلاف من البشر أي شيء ليفكرا به، ولكن بالنسبة للخيال.. .أوووه.. انظر إلي سمائهم! إنهم يقبلون بها ويثبتونها ويعجبون بها. هذا يدلكما علي مقياس مقدرتهم العقلية. إن مؤسس سمائهم المتخيلة صب فيها كافة أمم الأرض في خليط واحد عام. وكلهم متساوون مساواة مطلقة، ولا أحد فيهم يفوق الآخرين مقامًا فعليهم أن يكونوا أخوة، وعليهم أن يختلطوا سويًا: يصلوا سويًا.. يعزفوا علي القيثارة سويًا... يصرخوا "أوصنا" سويًا... البيض والسود واليهود... الجميع... لا تمييز. بينما هنا علي الأرض تكره كافة الأمم بعضها ويكره كل منهم اليهود. حتي أن كل شخص تقي يعشق تلك السماء ويود أن يدخلها. إنه يفعل ذلك فعلا، وعندما يكون في نشوة مقدسة فهو يعتقد أنه إن كان بمفرده هناك كان سيأخذ كل الجماهير إلي قلبه ويحتضنهم.. يحتضنهم، ويحتضنهم! إنه أعجوبة... الإنسان أعجوبة بالفعل! كل إنسان علي الأرض لديه نصيب من الذكاء.. كبير أو صغير، وسواء كان كبيرًا أو صغيرًا فهو يفتخر به. وينتفخ قلبه أيضًا عند ذكر أسماء رؤساء بني جنسه الأذكياء بشكل ساحر ويحب حكايات انجازاتهم العظيمة. فهو من نفس الدماء، وبتكريمهم يحصل علي تكريمه هو أيضًا. انظرا ماذا يمكن أن يفعل عقل الإنسان! إنه يبكي ويستدعي سجل المشاهير من كافة الأعمار ويشير إلي الآداب الخالدة التي منحوها للعالم، والعجائب الآلية التي اخترعوها، والمعجزات التي زودوا بها العلوم والآداب، ويتعامل معهم كما يتعامل مع الملوك ويكن لهم أعمق ولاء وإخلاص ممكن يمكن أن يمده بهما قلبه الجذل.. ذلك العقل المتوهج يعلو علي كل شيء آخر في العالم ويتوجهُ هناك أسفل السماوات المقوسة في تلك السيادة التي لا يمكن الاقتراب منها. وعندها يخترع سماءً لا يوجد فيها خرقة من الذكاء في أي مكان! هل ذلك غريب؟ هل ذلك يثير الاستطلاع؟ هل ذلك لغز؟ إن الأمر تمامًا كما أخبرتكما.. لا يصدق كما يبدو. وهذا العاشق بإخلاص للذكاء والمكافئ السخي عن خدماته العليا هنا علي الأرض قد اخترع الدين والسماء. وخلال ذلك الوقت سينبغي عليكما أن تلحظا أن سماء البشر قد تم التفكير فيها وتصميمها عبر خطة محددة كاملة، وان تلك الخطة يجب أن تحوي في تفاصيلها العملية كل شيء يمكن تخيله بغيضا للإنسان، ولا شيء واحد يحبه! حسنًا... عندما نذهب أبعد ستصبح تلك الحقيقة أكثر وضوحًا. ولاحظا ذلك: في سماء البشر لا توجد ممارسات للذكاء.. لا شيء. سوف يتعفن هناك في غضون عام.. يتعفن وينتن.. يتعفن وينتن، ولكنه في تلك المرحلة يصبح مقدسًا. وثمة شيء مبارك: يمكن فقط للمقدس أن يتحمل أفراح ذلك الهرج والمرج.