ضمن سلسلة: "من ذاكرة أرض ونهر" أصدرت دار البلسم كتابين مبتكرين للدكتور إبراهيم شلبي، الأول بعنوان "عزيزة" والثاني "نغم". تحكي السلسلة كيف "قررت الفواكه نقض عهدها بالصمت.. وتعترف للبشر لأول مرة أنها كائنات عاقلة.. تري وتسمع وتشم وتتفاعل مع الأحداث.. وكيف تندمج في خلاياها خلاصة ذاكرة الأراضي التي نمت فيها والأنهار التي ارتوت بمياهها.. فتكون حافظة للماضي.. شاهدة علي الحاضر وناصحة للمستقبل." في الكتاب الأول تصحب ثمرة الجوافة عزيزة القارئ في رحلة جغرافية وتاريخية وثقافية علي امتداد نهر النيل من منبعه إلي مصبه. بلغة سلسلة جذابة تبدأ عزيزة بتعريف نفسها للقارئ كثمرة جوافة مصرية نشأت بمزرعة علي مشارف دمياط مستعرضة لمحة من تاريخ المدينة العريق، ثم تنتقل للحديث عن النيل باعتبار أن ماءه هو ما منحها الحياة، وتبدأ من الأمطار الغزيرة فوق غابات نيونجوي في بوروندي، حيث صدمة الحرب الأهلية علي ضفاف نهر كاجيرا بين قبيلتيّ التوتسي والهوتو، ومن بوروندي إلي تنزانيا حيث بحيرة فيكتوريا، ومنها إلي أوغندا وأحراشها الساحرة. وهكذا يواصل الكاتب رحلته مع ثمرة الجوافة عزيزة عبر حكي شائق بحس قصصي يهتم بالتفاصيل ويركز علي نيل مصر بالحكايات والأساطير المحيطة به، والمدن والقري الواقعة علي ضفتيه. الكتاب مزين برسومات ولوحات لافتة للانتباه، أوضح المصمم الفني للكتاب أحمد سليمان أنها اختيرت من ضمن عشرات النماذج التقليدية لفن الوشم الشعبي المنتشرة علي امتداد نهر النيل، وأضاف: "بحكم ظروف طباعة الكتاب بالأبيض والأسود، ورغبة مني في عرضها علي القارئ في أوضح صورة، فقد قمت بإعادة رسم هذه الوحدات بالنقل المباشر من مصادرها الأصلية الملونة، محاولاً تقليد أسلوب الرسام الأصلي بكل ما فيه من عفوية أو خشونة، وملتزماً قدر المستطاع بحدود أمانة التوثيق، اللهم إلا من قليل من التصرف لضرورة إيضاحية." كما يحتوي علي معلومات قيمة موزعة بين فصوله علي شكل معلومات عامة عن الأصل العلمي لكلمة "النيل"، وموقعه في الديانات المصرية القديمة سواء في العصر الفرعوني أو البطلمي والروماني، إضافة لمقولات عنه وتعريفات سريعة بمكتشفي منابعه. مقدمة "الكتاب الأول: عزيزة" كتبها الدكتور محمد المخزنجي، ومما جاء فيها: "هذا كتاب مدهش وجميل. مدهش، لأنه استطاع أن يجسد في عدد رشيق من الصفحات تاريخ نهر عظيم، وما ألقاه هذا النهر علي ضفافه من بركات، فأينع الشجر وأبدع البشر وتحول الحجر إلي صروح تغني لمجد الإنسان ساكن هذه الضفاف علي امتداد آلاف السنين. فتون وشجون جرفتني وأنا أقرأ هذا الكتاب فكأنني في زورق من سيقان البردي تدفعه مياه النيل في الفيضان فلا يتوقف ولا أريده أن يتوقف من فرط الافتتان بزخم حياة هذا النهر العظيم وما يمنحه من حيوية لضفافه وجزره." أما "الكتاب الثاني: نغم"، فينتقل بنا إلي دجلة والفرات وبلاد النهرين؛ العراق، وحضاراتها المتنوعة والعريقة بصحبة بلحة عراقية شهية تدعي "نغم" وتعرف نفسها بأنها رأت "حضارات تزدهر وبلداناً تباد.. تذوقتُ حلاوة البناء والازدهار ومرارة الهدم والدمار.. وكنت شاهدة علي الإنسان في انكساره وطموحاته ورقيه وانحطاطه.. حملت كل هذا في قلب قلبي.. خلاصة ذاكرة أرض ونهرين". اختار د. إبراهيم شلبي أن يهدي كتابه "إلي شباب العراق: عراقكم عائد.. وسيعيد مجد نبوخذ نصر.. والرشيد". وكتب الشاعر العراقي في تقديمه للكتاب: "ولعل مما يحسب للكاتب أنه كان ينظر إلي بلاد النهرين نظرة إنسان مصري عروبي مسلم إنساني، ذي قلب مفتوح علي الشعوب والأمم والحضارات، وذي رؤية تعتبر أي إنجاز حضاري ملكاً لكل الإنسانية، ورافداً لكل البشرية، وهي نظرة معاصرة تستوحي قوتها من كل الأصول الثقافية التي أسهمت في تطوير الحياة الإنسانية، وفي مقدمتها حضارة وادي الرافدين التي شكلت الوجه الناصع للعراق الحديث. نغم ذ (من ذاكرة أرض ونهر) سياحة حرة في الأرض والزمان والمكان، رسم لها المؤلف خارطة طريق هي ضفاف دجلة والفرات صعوداً وهبوطاً ملونة بأناشيد الإنسان، ومترعة بماء الحياة، موصولة بأمانيه وغاياته لتعمير الأرض مهد البشرية الخالدة، وصولاً إلي إسهام الأحفاد في تعميق ما بناه الأجداد." المادة البصرية التي اختارها المصمم الفني أحمد سليمان للكتاب الثاني تمثلت في وحدات فنية من أعمال الكتابة بالخط العربي لخطاطين من أجيال مختلفة، ينتمون إلي كل من العراق وسوريا وتركيا، وأوضح سليمان أنه حصر الاختيار علي خطاطي هذه البلاد فقط لاعتبارين: "الأول جغرافي، ويأتي من اتصال ممدود بنهري دجلة والفرات، موضوع الكتاب؛ والثاني تاريخي، ويأتي من اعتراف مشهود بفضل أبناء الأمم الثلاث علي سيرة الكتابة العربية والخط العربي، قديمهما وحديثهما." الكتاب القادم من سلسلة "من ذاكرة أرض ونهر" للدكتور إبراهيم شلبي، سيكون بعنوان "سوريش وراكشندة" وسوف يأخذ القارئ بجزءَيه إلي شبه القارة الهندية، في رحلة بصحبة ثمرة المانجو سوريش التي ترعرعت في كولكتا بمقاطعة البنغال الهندية مرتوية بمياه نهرَي الجانجا واليامونا، والرمانة راكشندة التي نمت علي أرض مدينة ميثانكوت الباكستانية مرتوية بمياه نهر السند وأنهار البنجاب الخمسة.