واقفاً معه تحت نافذة أتأمل وشم الظلال علي ضفة الأبجدية قلت له : قد تغيرت ياصاحبي وانفطرت فهاهي درّاجة الموت تدنو ولكنها لا تحرّك صرختك الخاطفة قال لي : عشتُ قرب حياتي كما هي , لا شيء يثبت أني حيٌّ ولاشيء يثبت أنيّ ميتٌ ولم أتدخل بما تفعل الطير بي وبما يحمل الليل من مرض العاطفة الغياب يرف كزوجي حمام علي النيل ينبئنا باختلاف الخُطي حول فعل المضارع كنّا معاً وعلي حدة , نستحثُّ غداً غامضاً لا نريد من الشيء إلا شفافية الشيء : حدّق ترَ الورد أسود في الضوء واحلم ترَ الضوء في العتمة الوارفة .. الجنوبيّ يحفظ درب الصعاليك عن ظهر قلب ويشبههم في سليقتهم وارتجال المدي لا ( هناك ) له , لا ( هنا ) لا عناوين للفوضويّ ولا مشجب للكلام يقول :النظام احتكام الصدي للصدي وانا صوت نفسي المشاع : أنا هو انت ونحن أنا وينام علي درج الفجر : هذا هو البيت بيتٌ من الشعر بيت الجنوبيّ لكنه صارم في نظام قصيدته صانع بارع ينقذ الوزن من صخب العاطفة الغياب علي حاله قمر عابر فوق خوفو يُذهب سقف النخيل وسائحة تملأ الكاميرا بالغياب وتسأل : ما الساعة الآن ؟ قال لها : الساعة الآن عشر دقائق مابعد سبعة آلاف عام من الأبجدية ثم تنهّد : مصر الشهية مصر البهية مشغولة بالخلود ! اما انا فمريض بها لا أفكر إلا بصحتها وبكسرة خبز غدي الناشفةْ شاعر , شاعرٌ من سلالة أهل الخسارة وابن وفيّ لريف المساكين قرآنه عربي ومزموره عربيّ وقربانه عربيّ وفي قلبه زمانان غريبان يبتعدان ويقتربان : غد لا يكف عن الإعتذار ( نسيتك لا تنتظرني ) وأمسِ يجر مراكب فرعون نحو الشمال : انتظرتك لكن تأخرت قلت له : أين كنت اذاً ؟ قال لي : كنت أبحث عن حاضري في جناحيّ سنونوة خائفة .. النوبي يحمل تاريخه بيديه كحفنة قمح ويمشي علي نفسه واثقا من يسوع السنابل إن الحياة بديهية فلماذا نفسرها بالأساطير ؟ إن الحياة حقيقة والصفات هي الزائفة قال لي في الطريق إلي ليله : كما قلت كلا تجلي لي الله حرية وبلغت الرضا الباطني عن النفس قلت : وهل يُصلح الشعر ما أفسد الدهر فينا وجنكيز خان وأحفاده العائدون إلي النهر ؟ قال : علي قدر حلمك تتسع الأرض والأرض أم المخيلة النازفة قال في آخر الليل: خذني إلي البيت بيت المجاز الأخير فإني غريب هنا ياغريب ولا شيء يفرحني قرب بيت الحبيب ولاشيء شيء يجرحني في ( طريق الحبيب ) البعيدة قلت : وماذا عن الروح ؟ قال : سنجلس قرب حياتي فلاشيء يثبت أني ميت ولاشيء يثبت أني حيّ ستحيا , كما هي حائرة آسفة