بين إطلاق مبادرة "تحدي القراءة من دبي" وانطلاق العام الدراسي بمصر أيام قلائل، لكن ثمة فجوة هائلة تفصل ما تبشر به المبادرة، وملامح الموسم الدراسي هنا، إلي الحد الذي يجعل مشاركة الطالب المصري في فعالياتها محل شك! من دبي أطلق الشيخ محمد بن راشد نائب رئيس دولة الإمارات، حاكم دبي، مبادرة "تحدي القراءة العربي" أكبر مشروع عربي لتشجيع القراءة لدي الطلاب من المحيط للخليج، عبر التزام نحو مليون طالب بقراءة 50 مليون كتاب في الفترة من أول أكتوبر الحالي، وحتي نهاية مارس المقبل. في مصر، لم تبشر بدايات العام الدراسي- منذ اليوم الأول- بالخير فيما يتعلق باكتمال الاستعدادات الأساسية، وفضحت جولة وزير التربية والتعليم اهتراء المنظومة التعليمية، وبنيتها التحتية التي تعاني الكثير، وبينما كانت الفوضي حاضرة، والانضباط غائباً، كانت ثمة مشاهد غرائبية مرشحة لتحتل موقعاً بارزاً في أبواب "صدق أو لا تصدق"، والأمثلة أكثر من أن تُحصي. مدرسة بلا طلاب، وأخري بلا كتب، وسوء النظافة سمة في مدارس محافظات بأكملها، واشتباكات بين أولياء الأمور والمدرسين، ثم يفتح الله علي معالي الوزير عندما لا يعجبه ما يري خلال جولته الميدانية الشكلية بقوله: "ده منظر مدرسة"! ثم يرفض الوزير سماع مشاكل المعلمين والطلاب وأولياء الأمور، ولا يفوته أن يبشر بعودة مسابقات أوائل الطلبة! ثمة سؤال يفرض نفسه بإلحاح: هل هذه الملامح المبكرة لاستهلال الموسم الدراسي، وأداء وزير لم يكمل أياماً في مقعده يمكن أن تفرز تحركاً يهدف لتفعيل مبادرة تحدي القراءة التي انطلقت من دبي، وتستهدف كل الطلاب العرب، والمدارس العربية، ولاشك أن طلابنا ومدارسنا تصنف تحت اللافتتين؟! إذا كان الوزير لا يملك حلولاً، وإذا كان المدرس لا يعنيه سوي مجموعات الدروس الخصوصية، أو الحجز بالسناتر، وإذا كان مفهوم الإدارة بأبجدياته في اجازة رغم بدء الدراسة، وإذا كان تطوير المناهج شعارا بلا مضمون.. وإجمالاً إذا كانت العملية التعليمية من ألفها إلي يائها بلا بوصلة، فإن الرهان علي تسجيل طلاب مصريين أو مدارس مصرية ضمن مبادرة "تحدي القراءة العربي" أمر يقترب من الحلم الصعب المنال إن لم يكن مستحيلاً! لكن ربما تكون الحوافز المالية المقدمة دافعاً لاختراق العقبات القائمة، والتواصل مع اللجنة العليا المشرفة علي تنفيذ المبادرة. الحوافز تستهدف إلي جانب المدارس والطلاب، أسرهم، والمشرفين علي برامج القراءة، وتصل قيمتها إلي 3 ملايين دولار أو ما قيمته نحو »11 مليون درهم إماراتي« إلي جانب الحوافز المعنوية عبر تكريم المدارس والمشرفين، فضلاً عن الهدف الأكثر سمواً الذي تتوخاه المبادره، ويتمثل في إبراز جيل جديد متفوق في مجال الاطلاع والقراءة وشغف المعرفة. صاحب المبادرة يدق ناقوس الخطر: "العالم العربي اليوم يمر بأزمة قراءة ومعرفة، والأرقام التي نسمعها صادمة، نحن أقل المناطق في العالم من حيث القراءة، ونتائج ذلك التأخر المعرفي نراه كل يوم في التأخر الحضاري والفكري لمنطقتنا". بالتطبيق علي الواقع المصري، فإن الأرقام المتوفرة تشكل صدمة بالفعل، فنحو 88٪ من الأسر المصرية لا يقوم أي من أفرادها بقراءة أي نوع من أنواع الكتب بخلاف الكتب المدرسية! و76٪ من الأسر لا تقوم حتي بقراءة الصحف أو المجلات علي الإطلاق! و79٪ من القراء الحريصين علي قراءة الكتب يقبلون علي قراءة الكتب الدينية. 72٪ من الأسر المصرية يرون أن السبب في عدم إقبال المجتمع علي القراءة بشكل كبير هو أولويات الحياة، و48٪ من الشباب (بين 15و29 عاماً) يضعون القراءة في المرتبة الثالثة ضمن هواياتهم، و65٪ منهم يهتمون بالكتب الدينية، و46٪ من النشء يُرجعون أسباب عدم الإقبال علي القراءة بشكل عام إلي عدم تشجيع الأسرة، يليها كثرة القنوات التليفزيونية بنسبة 40٪، ثم كثرة الأعباء المدرسية بنسبة 36٪. تلك هي بعض الملامح التي تشكل جانباً من الواقع الصادم، ومصدرها آخر تقرير بهذا الشأن صادر عن مركز المعلومات بمجلس الوزراء! وللأسف، فإن ما تعانيه القراءة في مصر لا ينفصل عن مجمل الواقع العربي، فبينما يقرأ 80 عربياً كتاباً واحداً كل عام، يقرأ الأوروبي 35 كتاباً في العام الواحد! ونصيب كل مليون عربي 30 كتاباً في العام أيضاً و... و... ويمكن الاسترسال في رسم الواقع التراچيدي بالأرقام، إلا أن الأمر لن يخرج عن ممارسة نوع من جلد الذات دونما سعي جاد لتجاوز هذا الواقع! وربما كان الأجدر، والأكثر جدوي محاولة الإجابة علي سؤال من كلمة واحدة: ما العمل؟! نحن بصدد ثلاثة خيارات: الأول: أن يتلقف المعنيون بالأمر في مصر مبادرة "تحدي القراءة العربي" باعتبارها أحد أطواق النجاة، وكخطوة تساهم في بناء جيل قارئ، والارتقاء بالوعي الثقافي، والوقوف تحت مظلة قومية الثقافة، إذ أن المبادرة الإماراتية لا تقتصر علي طلابها أو طلاب مجلس التعاون الخليجي، وإنما تمتد لتشمل كل طلاب الوطن العربي. الثاني: أن يكون الالتحاق بالمبادرة رمزيا، محدوداً، علي طريقة ما لا يدرك كله لا يُترك كله، وربما تكون فرصة للاقتراب والاستطلاع بدلاً من الغياب التام، لعل في ذلك ما يؤهلنا لمشاركة فعالة وحقيقية في دورة قادمة للمبادرة. الثالث: عدم المشاركة تماماً، وغض البصر، ووضع الأصابع في الأذان، وكأننا في عالم آخر، ونمارس مزيداً من الانكفاء علي الداخل! مبدئياً وبحكم ضرورات تفرض علينا عدم الغياب عن تحرك ثقافي قومي من جهة، وحتمية التخطيط لبناء جيل قادر علي اللحاق بتحولات عالم المعرفة بإيقاعاته المتسارعة، فإن رفض الخيار / السيناريو الأخير لابد أن يكون قراراً لا يقبل المناقشة. من ثم يبقي استثمار مصر بطلابها في مبادرة تحدي القراءة مراوحاً بين الخيارين/ السيناريوهين الأول والثاني، وحسم الأمر لابد ألا يستغرق وقتاً يحول دون الاستفادة من الحيز الزمني المتاح (أكتوبر 2015/ مارس 2016). وهنا لابد من التأكيد علي أن تنفيذ أيهما يستلزم- أولاً- توجيه ضربة قاصمة لمبدأ الجزر المنعزلة، لأن نجاح المشاركة المصرية يتوقف- يقيناً- علي عمل مؤسسي جماعي يتجاوز وزارة التربية والتعليم إلي وزارة الثقافة (خاصة هيئة قصور الثقافة، والهيئة العامة للكتاب) ثم وزارة الشباب (بمراكزها ومكتباتها) وكذا المجتمع المدني وما يمكن أن يقدم من أنواع متعددة من الدعم. المهم أن يكون ثمة تواصل دون إبطاء مع اللجنة العليا المشرفة علي المبادرة بدولة الإمارات للوقوف علي جميع التفاصيل، والإلمام التام بالتوقيتات، لأن المبادرة تشمل خمس مراحل، لتبدأ بعدها مراحل التصفيات علي مستوي المدارس والمناطق التعليمية ثم مستوي الأقطار العربية، وصولاً للتصفيات النهائية بدبي آخر مايو 2016 . إن مشاركة مصرية لابد أن تعني تميزاً للعناصر التي تلحق بالتصفيات، وتكون مؤهلة للحصول علي جوائز، لأن مبدأ "شرف المحاولة" أو "التمثيل المشرف" بغض النظر عن النتائج أفضل منهما الغياب، والاستعداد من الآن لدورة قادمة، وفي أضعف الإيمان فإن الالتحاق الرمزي القوي، ومن موقع يتيح الاستطلاع عن قرب ربما يكون أساساً يمكن البناء عليه.