أسعار الدولار اليوم الخميس 2 أكتوبر 2025 قبل قرار الفائدة    تحذيرات من طقس اليوم الخميس.. اضطراب جوي ببعض المناطق    اليوم.. محاكمة المتهم بدهس شخص بسيارة دبلوماسية بالمهندسين    على خطى حماس، تلميح غامض من الجهاد الإسلامي بشأن خطة ترامب في غزة    بهدفين لا أجمل ولا أروع، المغرب يضرب البرازيل ويتأهل لثمن نهائي مونديال الشباب (فيديو)    ترتيب مجموعة منتخب المغرب بعد الفوز على البرازيل في مونديال الشباب    وفاة بشير صديق شيخ القراء في المسجد النبوي عن عمر ناهز 90 عاما    تطور جديد في أسعار الذهب بعد موجة الصعود القياسي بسبب الإغلاق الأمريكي    بعد بلاغ الأم، القبض على المدرس المتهم بالتحرش بتلميذ داخل مدرسة بالهرم    بعد استبعاد المصريين، تركي آل الشيخ عن موسم الرياض: مفتوح للجميع على حسب احتياجنا نحن    شركة مايكروسوفت تطلق "وضع الوكيل الذكي" في 365 كوبايلوت    ترامب: على الجمهوريين استغلال فرصة الإغلاق الحكومي للتخلص من "الفاسدين لتوفير المليارات"    المسرح المتنقل يواصل فعالياته بقرية نزلة أسطال بالمنيا    خطة ترامب لغزة.. قراءة تحليلية في وهم السلام وواقع الوصاية    متى يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025 رسميًا؟ استعد ل تغيير الساعة في مصر    البيت الأبيض: مناقشات حساسة تجري الآن بشأن خطة غزة    بلاغ أم يقود لضبط مدرس متهم بالاعتداء على طفل فى الأهرام    «قولاً واحدًا».. خالد الغندور يكشف رحيل فيريرا عن تدريب الزمالك في هذه الحالة    85 شهيدًا فلسطينيًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    مدير مستشفى معهد ناصر: نستقبل مليوني مريض سنويًا في مختلف التخصصات الطبية.    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    النائب العام يلتقي أعضاء إدارة التفتيش القضائي للنيابة العامة.. صور    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    إصابة 4 عمال في حادث تصادم نقل وميكروباص أمام كارتة ميناء شرق بورسعيد    قرار هام بشأن شخص عثر بحوزته على أقراص منشطات مجهولة المصدر بالجيزة    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    شهادة صحفي على مأساة أفغانستان الممتدة.. جون لي أندرسون يروي أربعة عقود في قلب عواصف كابول    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين والبنوك والمدارس بعد قرار رئيس الوزراء    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    وصول وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية إلى موسكو    مرض اليد والقدم والفم (HFMD): عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين الأطفال    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    أكلة مصرية.. طريقة عمل محشي البصل خطوة بخطوة    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    المطبخ المصري في الواجهة.. «السياحة» ترعى فعاليات أسبوع القاهرة للطعام    ارتفاع أسعار الذهب في السعودية وعيار 21 الآن بمستهل تعاملات الخميس 2-10-2025    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    ماذا كشفت النيابة في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري؟    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    التجربة المصرية في الاستزراع السمكي محور برنامج تدريبي دولي بالإسماعيلية    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    اعتراضات على طريقة إدارتك للأمور.. برج الجدي اليوم 2 أكتوبر    أول تعليق من رنا رئيس بعد أزمتها الصحية: «وجودكم فرق معايا أكتر مما تتخيلوا»    تعرف على مواقيت الصلاه غدا الخميس 2 أكتوبر 2025فى محافظة المنيا    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصتان
نشر في أخبار الأدب يوم 26 - 09 - 2015


النملة حين تقرص
بين الغفوة و اليقظة رأيتها تسير علي جسدي ، تتغلغل في أعضائي ، تسري في خلاياي ثم تنهي رحلتها بلدغة في موضع قلبي .
حبيبتي لا عليك إنها مجرد نملة . أحكمت الغطاء علي جسدي وانصرفت كما اعتادت كل يوم .
أستيقظ صباحاً لأفتش عنها في كل مكان . لا أثر لها ، كل شيء يبدو مرتباً أكثر مما يجب ، لا أثر لقطع ملابسنا المتناثرة في الحجرة و في الممر المؤدي إليها عبر الصالة .
المطبخ نظيف و مرتب ، أين فناجين القهوة الفارغة ؟ وبقايا قطرات القهوة المتساقطة علي الموقد بين أولي مكالماتها : سآتي بعد ساعة ولحظة سماعي صوت إدارتها لمفتاح الباب .
أحدق في باب الشقة تلك التي كلفتني ضعف مرتبي للحفاظ علي كلفة إيجارها ، وحرمتني من أهلي الذين أغضبهم عملي بينما مازلت أدرس بجامعة لم أتخرج منها حتي الآن .. لكنها ليلي .. هم لا يعرفون .
سرب من النمل يتسلق الحائط حاملاً حبات من السكر سقطت علي أرضية المطبخ ، هكذا دائماً كان يسقط السكر من ليلي بينما تتناول حباته قبل خروجها صباحاً .
تحمل النملة أضعاف وزنها سكرا وتهرول به إلي حيث تستكين.
أحاول اعتراض طريقها بالمضرب ، تراوغني مدافعة عن ثقلها ، تتسلل إلي قدمي ، أقاوم حركتها ، ألاحقها بيدي ، محاولاتي للإمساك بها تفشل ، تقترب من أكثر المناطق حساسية بجسدي ، ها قد أمسكتها ، سأضعها بين يدي لأنهي محاولاتها اقتحامي ، تغافلني وتمضي ، أتركها يائساً وأرحل بعيداً عنها .
حاولت مع ليلي مراراً التخلص من ثقل حبنا الجاثم فوق ظهورنا لكنها كانت دائمة القول : بالرغم من ثقل حملك فوق ظهري إلا أنني أشعر أنني مرغمة أن أحمله حتي النهاية .
-لكنك مضطرة لحملي حتي سفح الجبل .
-أعلم .. كما أعلم أنك يقيني و بدونك أحيا كظل .
أيقظني صوت غليان القهوة من استرسال مزيد من الصور ، فارت القهوة ، شربتها علي عجل .
مارست عملي بفارغ صبر ، لا طعم لشيء دونها ، هاتفها خارج نطاق الخدمة ، أكداس من أوراق العمل توضع علي مكتبي يومياً ومازلت أحدق في سرب النمل المار أسفل أوراقي تهديه رائحتي إلي كيس سكر النبات الذي أحتفظ به في الدرج الأول من مكتبي . هذا الدرج الذي أختصه بأهم أوراقي و مفاتيح العمل و المنزل و حتي مفتاح الجزء المخصص لليلي في دولاب ملابسي .
سقطت من درجي ورقة تناولتها بعد أن اجتمع عليها النمل ليصنع فيها ثقوباً عدة ، لم يتبق مما كان فيها غير عبارة واحدة كنت قد كتبتها لها يوماً : لا أستطيع فعل ذلك الآن .. عليك أن تتفهمي .
أعدت ما تبقي من الورقة إلي الدرج ، أتناول قطعة سكر من الكيس قبل موعدي مع ليلي أو حتي كلما مرت ليلي ببالي
ضاحكة : لا تنس السكر قبل امتزاجي بلعابك أو حتي بخيالك .
تهدي الرائحة النمل أخيراً فيقتحم درجي بشراسة مدافعاً عن حقه في ، أدافع عن الكيس بقوة ، أستخدم المضرب كعادتي دونما جدوي ، تحتد المعركة أضطر لاستخدام المبيد الحشري رغم معاناتي من مشاكل في التنفس تحيلني لنوبة سعال حادة بعد استنشاقه ، لكن هذا ما ليس منه بد .
انتهت المعركة بأن فقدت السكر و انتابتني حالة من ضيق التنفس أحالتني لنوم متقطع .
أتناول قميصها الأسود من علي المشجب و أحتضنه ، أتنفسه بعمق ، لعل رائحتها تهديني إليها .
في الصباح ، أخرج إلي المقهي الذي اعتدنا ارتياده ، تتأبط ذراعي : أنا بعشق الغنا في حضن عينيك ، أنا هنا من أجلك قبل أن أولد بأعوام و سأظل هنا من أجلك بعد أن أرحل بأعوام ألملم من عينيك ابتساماتي وأرسم فوق شفتيك أهاتي ، سأظل أغني حتي عندما يأخذوا روحي مني ، سأهمس بينما أستجير بصدرك . لو تركت حضنك يوماً سأموت .
من خلف النافذة لمحتها ، هي حبيبتي .. تضع طرف بنصرها علي حافة فنجان القهوة، بينما يلعق هو أصبعها في نهم ، تقترب منه في دلال ، أيمكنك شرب القهوة بمفردك بعد اليوم ، يتناول يديها ليقبل أطراف أصابعها تضغط علي يده : إن تركت حضنك يوماً أموت .
لا ألمح في عينيها بريقاً كان بيننا حينما تهمس بالكلمات نفسها، لا أجد في يديها ثمة ارتعاشة كانت تعتري جسدها كله إثر كل ضغطة تسري بين يدي و يديها ، جسدها يقبع بجواره في صمت بالرغم من حديثهما المفعم بالارتشافات .
تعمدت أن أخفي وجودي عنهما ، جلست منزويا في ركن دني منهما خلف العمود الذي يفصل منضدتي عنها كي لا تراني.
أشعر بالبرد
يقترب منها يعدل وضع شالها الوردي علي كتفيها : المكان مغلق و دافئ ، لا تفكري في البرد .. فلن تشعري به .
تحدق في نقطة بعيدة عن جلستهما بينما تتلحف بشالها الوردي و تحكم وضعه علي جسدها ، نملة تنادي أخري لتعاونها علي حمل حبة سكر سقطت من ليلي سهواً بينما تزيد في فنجانها كميته كما اعتادت، أدارت النملة لها ظهرها وتركتها تحمل حملها وحدها .
أشعر بالبرد، قالتها في حضني يوماً فخلعت عني قميصي
همست:هكذا ستصاب بنزلة برد
اقتربت منها .. لامس جلدي جلدها ، انتفض جسدي كله ، تلحفت جلدي ، توسدت صدري حتي استكانت وتحولت أنا لجمرة نار تشع دفئاً يكفي العالم بأسره ، إن بقيت هنا تمتزجين بي لن تصابي بالبرد يوماً .
ارتعاشتها تزداد كلما نظرت بطرف خفي من زجاج النافذة
لا أحتاج للتلصص علي المارة عبر النافذة لألمحك قبل إتيان موعدنا
وقع أقدامك علي الأرض يحدث دبيباً يهديني إليك ، كنت ألتفت قبل أن تأتيني بثلاث خطوات أو يزيد بابتسامة قالت يوماً إنها تبتلع أحزانها .
ذهبت لتعدل من هندامها ، عادت و هو مازال غارقاً في أفكاره
هيا بنا حان وقت عودتي و إلا عنفتني أمي للتأخير
أجمل ما في أسرتك حبيبتي التزامهم وتحفظك .
عندما خرجا وتواري ظلها في الزحام طلبت فنجان قهوتي ، وضعت طرف بنصري علي حافة الفنجان ، انسكب مني دون أن أرتشف منه رشفة واحدة ، دفعت للنادل .
-أعجبتك القهوة ؟!
-إنها أسوأ ما شربت في حياتي .
لا أعرف للقهوة طعما إلا معها ، تزيد السكر، تقلب الماء بالبن جيداً حتي تنضج ، تضع الفنجان علي صدري و ترتشف منه رشفة وتسكبها في فمي ، لكن في آخر لقاء كان بيننا رميت بها بعيداً عن صدري ، تعلقت بيديها بعض شعرات اقتطفتها من حشائش صدري بينما أدفعها عني في عنف : تتزوجين !
ترتدي ملابسها علي عجل : هكذا تظنني مجرد بائعة هوي ، اليوم لك وغداً لمن يريد المتعة بمقابل أكبر .
-حبيبتي أنا لم أقل هذا ، لم أعن ما وصل إليك ، فقط لا أتصورك لغيري
- كيف تسربت إليك هذه الفكرة !
عدت لفراشي أجاهد عيني ربما استطعت إرغامها علي غفوة قصيرة . أتابع حركة النملة علي الجدار يبدو أنها لاحظت رؤيتي لها ، لقد انكشفت الآن و تعرت أمامي ، لأصبح عدوها اللدود أو هكذا ظنت ، وضعت آخر نقطة سم في جوفها عبر شفاهها في جسدي لعلها تنجو ، لكن قرصتها تعني موتها . اقتربت من فمي ، في الفجوة بين الشفتين فعلتها و لدغتني .
طالما شغلني هذا السؤال .. هل صحيح تموت النملة حين تقرص
ظمأ الجرة !
جلست أمامي علي الأريكة كقطة مبتلة كما اعتدت وجودها في حياتي .
جلست قبالتها أتفرس في ملامحها النائمة في وداعة .. المستيقظة في شراسة بينما تحمل في يديها جرتها .
ستظل متسمراً مكانك تنظر إلي ؟!
خلعتُ عنها ملابسها المبتلة ، وخلعت عني ملابسي لأدفئها في صدري ، وأصل للفرق بينها وبين كل من عرفتهن قبلها من نساء لا زلن يمارسن طقوسهن الماجنة في حدائق قلبي بعد أن تربعت ليلي علي عرشه .
بالأمس كانت إحداهن تمشط جدائل شعرها داخلي فتغتال وجودي ، ومنذ عشر ليالٍ ، أخري مارست معي لعبة المرآة . كانت حاصلة علي لقب ملكة جمال مدينتنا ، سخرت كل ما أوتيت من سحر وأنوثة لتشاغل مرآة قلبي وتحرمني رؤية من هم دونها جمالاً حتي أشرق النهار وانطفأ نور بصيرتي .
أراها في المرآة بصورتها المعكوسة وأظل عاكفاً علي ملامحها الأخاذة حتي الصباح أكتب في كل جزء من تفاصيلها قصيدة حتي تذوب كقطعة ثلج بين حرارة كلماتي
فأشربها كماء لا يطفئ لهيبي المتقد دوماً لشرب الكثير من الماء .
أما تلك القطة المبتلة دائماً ، الجالسة علي عرش قلبي ، الرافعة كياني بعيداً عن الجاذبية الأرضية التي تشدني الأخريات إليها بقوة ، لتنقلني معها في المسافة الفاصلة بين الحقيقة والوهم ، تلك المساحة الضيقة التي ترتفع بي من خلالها خارج نطاق الجاذبية الأرضية مشكلة ثقباً أبيض صغيراً جداً بين حلمي وواقعي ، ومن خلال هذا الثقب الصغير أمارس حضوري بشكل كامل لتكتبنا معاً كما نريد.
كلما ضممتها لصدري وصلت معها لسر دهشتي بوجودها الراوي لظمأ شهيتي للنساء رغم ما لم يحدث بيننا .
حاصل ضربي في ليلي هو أنا وحاصل جمعي علي الأخريات يساوي اثنين.
تشبهني ، تتناص معي بشكل استباقي كما في حلم رأيته ثم تحقق بعد عمر..
أو حلم لم أره قبلاً ويفاجؤون بتجسده فأتذكر أنني تمنيته ونسيته يوماً ما ، فتهزني روعة المفاجأة .
كتبتها قصيدة وقصة ومقالا في جريدتي اليومية وأرسلتها إلي العالم ليعرف من هي ليلي ، ولماذا أنا متمسك بها إلي الدرجة التي جعلتني أبقي معها رغم وجعي الموشوم بها .
سألتها أن تلاقيني في ميدان التحرير في الواحدة ظهراً ، ارتبكت، كادت جرتها التي لم تبرحها يوماً أن تسقط من بين يديها وتنسكب علي الأرض ، لكنها حافظت علي ثباتها بكل ما أوتيت من قوة ، لترشح من بين مساماتها المفتوحة قطرات المياه التي تكفي لبللها كل ليلة .
بت ليلتي أتساءل ، هل ستأتي ليلي في الموعد المحدد أم علها ستتأخر؟ تري هل ستحمل معها جرتها لتأتيني مبللة وكيف سأقوم بعملية التنشيف اليومية تحت وطأة النهار وحركة المارة والسيارات ؟ هل يمكنها التخلي عنها اليوم ؟ تموج في رأسي أسئلة باتساع البحر ولم تأت ليلي في لحظات اختلاط الواقع بالخيال قبل بدء الحلم لتخبرني ماذا سيحدث غداً .
ذهبت للميدان في الموعد المحدد ، انتظرت حتي سقطت الشمس في بطن الأرض ولم تأت ليلي .
بعثت برسالتها اليومية التي تسقط علي قلبي كندي الفجر كل صباح لكنني استلمتها متأخراً نظراً لانشغالي بموعدنا معاً .
تعاني حبيبتي ليلي من فقر دمِ حاد وعلي من يجد في نفسه القدرة علي التبرع لها بدمائه التوجه إلي ميدان التحرير في الواحدة ظهراً .
أنا ظمأي لدماء تنقل داخل دمي بشكل فوري تمتزج في داخلي الامتزاج الذي يسمو بنا ليصبح كلانا واحداً، فحين تعلو قيمة الرجولة تصل إلي قمتها التي هي الأنوثة ، وحين تعلو قيمة الأنوثة تصل إلي ذروتها التي هي الرجولة ،حينئذ يمزج أحدهما في الآخر حتي يخترقه أو يتجاوزه.. فتخرج من الذكر أنثاه ومن الأنثي ذكرها في شكل ينتقل من علامة الجمع التي تقبل الانفصال إلي علامة الضرب التي لا تقبل الانفصال، هكذا سأستقبل الدماء التي ستروي أرضي الجدباء منذ سنين .العبارة التي اقتطعتها من رسالتي اقرؤها بين سياق رسالتها مع تحليلها وكأنني لم أكن أنا حين كتبتها !
أسئلة حائرة تموج في ذهني حين أقرأ ما كتبته بعيون ليلي التي كتبت من أجلها أو تحت تأثيرها أو بإرادتها أو بإرادتنا المسلوبة أو للفرار منها أو للسقوط فيها.
جاءتني كعادتها ليلاً متلحفة بالسواد متماهية مع ظلام مدينتنا . بعد ممارسة طقسنا اليومي ، أشعلت لها قلبي لتقرأ في كتابنا المكلفين باتباعه قبل أن نولد بعقود .
(لتصبحي علي عرش مدينتنا ملكة ، عليك أن تكوني واحدة من جليسات حواشي الملك مرتديات الثياب الحريرية البيضاء ، ولو نصبوك علي مدينتنا ملكة فلتفرحي وتهللي، لن تبرحي كرسيك أبداً حتي يقضي الله فيك أمراً كان مفعولاً، ولك الحق في إعطاء عرشك لأولادك ، فنحن شعبك منك وبك، مرهونون بحياتك وإرثك بعد وفاتك)
سألتها بعد أن انتهت من قراءة أغرب فقرات كتابنا: لماذا لم تأت ؟
-كان يجب علي التخلي عن جرتي و لم أستطع .
نظرت إلي عينيها استلهم منهما خطئي الفادح واعتذرت لها . ما كان لي أن أطلب منك أن تتخلي عن جرتك دفعة واحدة .
طلبت منها أن تذهب لتطفئ النور في حجرتها و تنام وحيدة .
صرخت في وجهي : لا يمكنني النوم وحيدة في الظلام ، ووحدتي تعني أنني سأصاب بنزلة برد حادة من سيجففني ليلاً .
انظر إليها لأراها بملابسها الرقيقة المبللة بالماء حد التساقط وأري جسدها النحيل تحت ملابسها يرتعد يشي بمرض محقق .
تراجعت عن طلبي .
اذهبي ليلي واغلقي نور غرفتك لساعة واحدة وعودي إلي .
عادت بعد ساعة بوزن زائد .
من الصعب خلع ملابس بهذا الثقل كثياب ليلي ، علي أن أقوم بعصرها أولاً ، ثم أخلعها عنها لأدفئها في صدري وأظل هكذا حتي بزوغ الشمس .
كانت المرة الأولي التي استيقظ فيها لأري ليلي أمامي تجدل شعرها المجعد كما تجدل أيام عمري خلف ظهرها.
أنظر إليها بينما مازالت في صدري ، سأرشحك كملكة جمال لمدينتنا لتدخلي في منافسة علي لقب ملكة جمال العالم .
لن تنطبق علي شروط لجنة تحكيم مدينتنا فلجمالي مذاق آخر .
أعضاء هذه اللجان لا يسعون إلا لرؤية ذواتهم في عيون الآخر ، فكيف يستوعبون الجمال في الشيء الجميل حقا ً، كيف يرون ما لا يستشعرون إذا كان القبح آفة قلوبهم فحتماً لن يروا غيره ، ليبحثوا عن أصحاب الوجوه البيضاء و الأيادي البيضاء والثياب البيضاء .
استلهم من عينيها جمالا لم أكن لأعرفه لولا ولوجي متاهاتها الكبري .
خرجت بابتسامة شاحبة مؤكدة أنها ستلتزم بما طلبته منها . أتبعت ذلك برسالة تؤكد ما طلبت و أرسلتها لجريدتي اليومية .
ليلي ستلزم بيتها غداً اعتراضاً علي شروط لجان تحكيم مدينتنا في اختيارها ملكات جمالها المحظيات بالرعاية والاهتمام .
جاءتني رسالة ليلي معقبة : الجمال الحقيقي ستجده حيث كنا يوماً ، في التراب ، ستجد الرجل الكادح و المرأة المعفرة بغبار الحقيقة وإن أردت أن تري جمال مدينتك في أنقي صوره فلتلتفت إلي أطفال الشوارع هناك حيث نجد للجمال مزاجا آخر .
جاءتني ليلاً بملابس سقط عليها ندي الفجر ، حتي أنني لم أحتج لخلعها عن كل جسدها ، فقط خلعت ملابسها الخارجية و ضممتها إلي صدري وراحت تتلو علي شيئاً من كتابنا .
ودعتني بعد أن أودعتني سرها المنقوش في رسالتها لي : ستلزم بيتها صباح الأحد من كل أسبوع حتي تغير لجان تحكيم مسابقة ملكة جمال مدينتنا شروطها .
جاءتني بعد مرور شهر بأذيال ثياب مبللة بخفة ضممتها إلي صدري بكامل ملابسها فلا حاجة لخلعها اليوم .
سألتها أن ترسل لمدينتنا رسائلها التي كتبتها إلي ووضعتها في ظرف محكم بعيداً عن العيون المتلصصة ليقرأها الناس .
أرسلت الكسحة الأخيرة من عملية كسح الماء السارية بيننا منذ شهور علها تجد من نقصت جرته من الماء لتكفيها كسحة أخيرة لتنضب ، فيأتي في الموعد الذي حددته لليلي سابقاً في الواحدة ظهراً في ميدان التحرير.
في الموعد المحدد سألت نفسي كما في السابق هل ستأتي ليلي؟ هل كان ما فعلته معها كافياً لكسر جرتها ؟
جاءت ليلي دونما انتظار قبل موعدنا بجرتها الفارغة ، ومعها جرار كثيرة يحملها عدد من الناس لم أرهم من قبل لكنهم يشبهون ليلي حتي ناديتهم جميعاً يا أنا .
تساقطت علينا الهراوات، بللت أجسادنا المياه ، دوي السباب والصرخات .اختلطت مع أصوات الرصاص ، تساقطت من بين أيادينا صفحات الكتاب الذي أعلنا فيه رغبتنا في إعادة كتابة صفحاته بأيدينا .
كسرنا جرارنا جميعاً بعدما فعلتها ليلي .
قالت ليلي بينما تتكئ علي زندي خشية السقوط : بالرغم من الدماء المتساقطة من كل جسدي المراقة أرضاً ، أشعر الآن أني جافة بعدما كسرت جرتي .
فرحت بليلي التي كسرت جرتها وجاءت في موعدها تحت وطأة شمس النهار، احتضنتها ، ضممتها إلي صدري ليس كما كل ليلة . ضمة تكفي لتدفئتها وحمايتها من برد محقق، بل ضمة مريض يحتاج لنقل دماء من طبيبه وتشبثت هي بي لتبادلني رغبة مماثلة .
بدأت السحب تزحف قليلا قليلا نحو السماء ،أخذت تميل نحو السواد ،ذهبت ليلي إلي حجرتها لتنام ،من غير أن تسمع طلبي لها بالذهاب هذه المرة ! استلقت ،أغلقت عينيها بهدوء .. كانت تري سيلا من الجرار الكثيرة تملأ البصر في ساحة التحرير كأنها الخراف، وكانت المياه مراقة في الطرقات تذهب إلي كل مكان .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.