يكشف المؤرخ الإسباني أنخل بينياس في كتابه الجديد والمثير للجدل "الوجه الآخر للقائد العظيم.. حقائق وأساطير حول سيرة فرانكو"، بالوثائق والمستندات أسرار الثروة المشبوهة التي جمعها ديكتاتور إسبانيا، فرانسيسكو فرانكو، من بزنيس الحرب الذي كان بينه وبين الزعيم النازي أدولف هتلر. يفند أنخل بينياس (1941) في كتابه "أكذوبة الزعيم طاهر اليد، والذي برغم استبداده لم يثبت تورطه في أي قضايا فساد مالي". يثبت المؤرخ، بعد أربعة عقود من رحيل الديكتاتور، كيف تربح فرانكو من بيزنس الحرب، والطرق غير المشروعة التي كان يستخدمها في الحصول علي المال بمساعدة حليفه النازي أدولف هتلر، مشيرا إلي أنه من بين هذه الطرق بيع البن الذي كانت تمنحه البرازيل لإسبانيا منذ عام 1939، فضلا عن حصوله علي عمولات شهرية من شركة الاتصالات الإسبانية "تيليفونيكا". ينتقد الكتاب المقرر صدوره في 22 من الشهر الجاري عن دار نشر "كريتيكا"، الجانب الخفي من سيرة حياة القائد، وكيف تمكن من إيداع سبعة ملايين ونصف بيزيتا في حسابه عام 1940، ما يعادل وفقا لسعر صرف عام 2010 مبلغ 86.6 مليون يورو، من صفقات بيع البن التي كان الدكتاتور البرازيلي جتوليو فارجاس قد قدمه للحكومة الإسبانية في صورة مساعدات مجانية. تهذه العطية لفرانكو بصورة شخصية، "منحة مقدمة من ديكتاتور لديكتاتور"، تعادل 600 طن من حبوب القهوة. لا يمكن تصور أن يشرب فرانكو بمفرده كل هذا الكم من القهوة. الفرضية الأكثر منطقية أن تكون منحة مقدمة للشعب أو الدولة الإسبانية، واستولي عليها فرانكو بصورة غير شرعية. تجدر الإشارة إلي أنه خلال فترة ما بعد الحرب الأهلية الإسبانية كان البن من السلع شديدة الندرة، ومن ثم كان الاتجار فيه بصورة غير شرعية يقع تحت طائلة القانون. تبتوجيه من فرانكو، قام ابن عم الديكتاتور، سالجادو أراوخو، والذي كان يتولي منصب سكرتير عام الحكومة، بتسليم شحنة البن إلي هيئة التموين والمواصلات، التي كانت تتبع في ذلك الوقت وزارة الصناعة والتجارة، من أجل أن تقوم بتوزيعها علي إدارات الحكومات المحلية بأقاليم البلاد، لبيعها في مختلف محافظات القطر الإسباني كله، بسعر 12.48 بيزيتا للكيلو الواحد. من خلال بحثه في أرشيف القصر الملكي، عثر بينياس علي وثائق تشير إلي إجمالي عائدات الكميات المباعة والتي قدرت بنحو 7.5 مليون بيزيتا، وهو نفس إجمالي المبلغ المودع في حساب القائد العظيم بتاريخ 31 أغسطس عام ت1941. تتجدر الإشارة إلي أن كشف حساب فرانكو في ذلك التوقيت نشرته مجلة تييمبو عام 2010، بدون توضيح مصدر أو أصل المبلغ. يوضح كشف الحساب أن الديكتاتور كان يوجه بصرف مبالغ بصورة عشوائية لصالح مشاريع أو أشخاص، مثل إعادة بناء إحدي القلاع أو توسيع زمام مدرسة دينية تبشيرية. لكن المثير للريبة كان بند الإيداع، والذي يرصد تسجيل عطية مالية شهرية ثابتة قيمتها عشرة آلاف بيزيتا من قبل شركة "تليفونيكا". الطريف في الأمر أن المساهم الرئيسي في الشركة آنذاك كانت شركة (آي تي أند تي: أميركان تيلفون أند تيليجراف) الأمريكية التي أسست سلسلة فنادق هيلتون. وفقا لبينياس يعادل هذا المبلغ 11 ألف يورو بأسعار صرف هذه الأيام. بحسب المؤرخ: "القضية مؤثرة من الناحية السياسية". فقبل اندلاع الحرب الأهلية، كانت الشركة الأمريكية تحظي بعلاقات جيدة مع تيارات اليمين واليسار، ومع فرانكو وزوجته كارمن بولو وزعيم حزب الفلانخي (الكتائب) دييجو بريمو دي ريبيرا، وشقيقته بيلار التي تزعمت الفصيل النسائي أثناء الحقبة الديكتاتورية. كما حرصت الشركة الأمريكية علي تزويد جبهتي الصراع بالخدمة طوال زمن الحرب، بالرغم من أن رئيس الشركة سوزنيس بين، كان معروفا بعدائه للشيوعية، وكان من أشد مؤيدي الانقلاب الذي قاده فرانكو علي الحكومة اليسارية المنتخبة. جدير بالذكر أنه بعد انتهاء الحرب، قرر فرانكو عدم تجديد عقد (أي تي أند تي) في إسبانيا. وبالرغم من أن المؤرخ الإسباني لم يتمكن من التوصل لطرف الخيط لتحديد تاريخ بدء العلاقة بين فرانكو وتليفونيكا ومتي يتلقي منها الأموال، يؤكد أن هذه النوعية من العلاقات لم تكن لتتم بدون علم (آي تي أند تي)، مشيرا إلي أن قرار تأميم شركة الاتصالات تأخر بشكل ملحوظ مقارنة بغيرها من القطاعات الأخري. تت تتيقول المؤرخ: "في 31 أغسطس 1940، بلغ إجمالي ثروة فرانكو 30,34 مليون بيزيتا موزعة علي عدة أرصدة في عدد من البنوك، حصل علي أغلبها من الأنظمة التي تعاطفت مع الانقلاب والتي أعلنت اكتتابا عاما للتبرع من أجل دعم القيادات التي ورطت إسبانيا في الحرب الأهلية". كما يوضح بينياس أنه بالرغم من أن فرانكو خصص بعض هذه الأموال لمشروعات، إلا أن هناك شكوكا قوية تحوم حول احتفاظه بالجزء الأكبر منها لنفسه. لقد تمكن من تكوين ثروة بطرق تخلو من الشفافية، أرصدته التي بلغت الملايين بحلول عام 1940 تثير الكثير من الدهشة، بالرغم من أن راتبه الشهري قبلها بخمس سنوات عام 1935 كان وفقا لما هو مثبت في المستندات التي كشفت عنها جريدة الباييس في مارس الماضي لا يتجاوز ألفين وخمسمائة بيزيتا (2493 بيزيتا)، فيما بلغ راتبه السنوي عام 1940 بعد تقلده منصب رئيس الدولة 50 الف بيزيتا".ت من المعروف أن الحرب الأهلية استمرت لثلاث سنوات، بين 1936 و1939، وراح ضحيتها مئات الآلاف بين قتلي ومختفين ومنفيين ونازحين، من أشهرهم جارثيا لوركا. وقد حكم إسبانيا بالحديد والنار قرابة أربعة عقود، قيد فيها الحريات وصادر الحقوق في كل القطاعات وفرض نمطا استبداديا كانت له عواقب كارثية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.