خيلاء وتصيد حب .. تعابير جديرة بروائي بوزن (ماركيز ) .. كثيرا ما كنت اتحدث عن اكثر ما يجذبني ويدفعني لقراءة رواية معينة .. احيانا اتحمس لرواية من اجل ملخصها الخلفي .. واحيانا من اجل الاهداء في اول صفحاتها .. او من اجل عبارات من هذا النوع في الصفحة التي تلي الغلاف مباشرة .. اتذكر ايضا ان عبارة "الأب يحب .. الأب الذي يملك سلطانا علي الكل ..الأب يحب فوق كل شيء ..أن يخضع لمشيئة الحرف الصارم كل شيء " (هولدر لين ) نشيد (باتموس) التي بدأ بها (ابراهيم الكوني ) روايته (عشب الليل ) كانت سبب في ان انتهي منها في جلسة واحدة .. وخاصة انه تلاها بعبارة شهيرة ل (دستوفسيكي ) وهي " اذا لم يوجد الله فكل شيء مباح حتي الجريمة " هو لم يبدأ الرواية بهما ولكنه وضعهما كتلميح بعيد لكل ما اراد قوله من خلال الرواية .. احيانا اتصور ان عبارات من هذا النوع تكون الدافع لدي بعض الكتاب لتأليف الرواية كلها ..عبارات تمس شيء ما داخل الكاتب و القاريء معا .. تلك العبارات التي تعطي انطباع بأنها حكمة ما .. او رساله موجهه .. او رأي عميق .. واحيانا قصة قصيرة جدا .. تكون في الواقع من اكثر عوامل جذب القاريء لبعض الأعمال الأدبية .. لدرجة ان بعض الكتاب اعتمد هذا النمط الكتابي كنوع ادبي منفصل واشهرهم بالنسبه لي هو (أنيس منصور ) الأديب المصري الساخر المشهور بعمود (مواقف ) الرائع .. (ابراهيم الكوني ) ايضا له كتابه الرائع (نزيف الروح ) والذي هو عبارة عن مجموعة من هذه العبارات التي تتناول رأية عن اغلب مفاهيم الحياة المجردة مثل الحب .. العدل .. الظلم ..الوجع .. واللذة .. وغيرهم .. ايضا تحدث فيه كثيرا عن المرأة .. والعشق .. والسلطة .. والحرية .. والسيادة .. والحقيقة انه علي الرغم من عدم قدرتي علي تحديد نوع الكتاب كصنف ادبي .. الا انه فعلا من أروع ما قرأت وكل عبارة فيه كافيه لتوحي شخص لديه وجع ما او حلم او اتجاه ما لكتابة احد الروائع او علي الأقل كافية لتثير داخل احدهم شعور ما .. وفي رأيي هذا هو الهدف الأسمي للأدب والفن .. فبعيدا عن فكرة التأريخ الأجتماعي او البوابة السحرية للهروب من الواقع .. فالهدف الأسمي والأعم من الأدب والفن هو اثارة المشاعر . . طرح فكرة او رسم بسمة او سقوط دمعة .. كل هذه الأفكار اثارتها داخلي عبارة ماركيز (تصيد الحب .. ضرب من الخيلاء ) عبارة موحية في الصميم .. فعندما تتصيد شيء ما فأنت تنصب له الفخاخ .. وتعلق الشباك .. وتعد خطوات فريستك الف مرة وتنتظر وتنتظر وتنتظر .. ولكن الحب لا يمكن ابدا ان يكون فريسة لتتصيدها .. الحب ينقض علي القلوب كألف سهم .. فمن الطبيعي ان يكون تصيد الحب ضرب من الخيلاء .. العبارة تقدمت احدي روايات ماركيز الشهيرة وهي (قصة موت معلن ) .. وهي توثيق لحادثة حقيقية حدثت في الريف الكولومبي حيث ولد ماركيز .. وتتحدث عن اعدام (سانتيغاو نصار) علي يد الأخوة (فيكاريو) انتقاما لشرف العائلة .. تدور احداث الرواية كلها في حوالي خمس او ست ساعات .. والرواية كلها عبارة عن تجميع لأراء اهل القرية حول الحادثة ..الرواية هي نموذج فريد من القصة متعددة الرواة .. التي تجعل في حيرة من امره وحالة بحث دائم عن الحقيقة ..وحتي اخر سطر من الرواية لن نعرف ابدا هل استحق (سانتيغاو ) الموت ام لا ؟؟ هل ارتكب جريمته بالفعل ام لا .. ؟؟ في الحقيقة الرواية ايضا تسير علي نهج عبارتها الأولي .. وتثير في القاريء الكثير من المشاعر والتساؤلات .. التي تترك داخلنا اثر لايمكن تجاهله او نسيانه .