يمكن ببساطة وسم رواية"الموريسكي الأخير" لمؤلفها صبحي موسي،والصادرة هذا العام 2015 عن الدار المصرية اللبنانية. بالواقعية التاريخية، و بأنها ترصد حياة الموريسكيين،وهم سكان إسبانيا من المسلمين واليهود الذين أُجبروا علي التخلي عند ديانتهم وعاداتهم ولغتهم لكي يعتنقوا المسيحية وعاداتها ولغتها وذلك بعد انتهاء الاحتلال العربي لها. و قد لا يبعد بناء الزمان و المكان التناوبي بين حاضر الموريسكيين الحالي الذي يعيشونه خارج إسبانيا في شمال إفريقيا إجمالاً ومصر تحديداً، و ماضيهم الذي عاشوه داخل إسبانيا عن سمتها الواقعية التاريخية هذه، لولا أنّ هذا البناء قد كسر نسق السرد التعاقبي بأشكاله المتعددة،سواء أكان من البداية إلي النهاية أو بالعكس أو حتي بالتناوب. ذلك أن هذه الرواية هي روايتان بالفعل، و إذا كانت الثانية نتيجة للأولي فهذا لا يلغي الاختلاف و التباين في مهامهما، إذ من الواضح أنّ مهمة الرواية الأولي هي تتبع فشل الموريسكيين في الملكية، ملكية الوقف المنسي منذ مئات السنين و استحالة استعادته. و مهمة الرواية الثانية هي تتبع فشل الموريسكيين باستعادة هويتهم السابقة علي الرغم من ثوراتهم و تضحياتهم الجسيمة. أما ما يجمع هذا البناء التجاوري في رواية واحدة و يبرّره فنيا الكناية البلاغية التي يمكن استخلاصها من تبادل الأثر الذي تتركه كلتا الروايتين في وعي المتلقي أنا علي سبيل المثال- و هذا ما يجعل رواية "الموريسكي الأخير" تنتمي بقوة إلي أدب ما بعد الحداثة. ذلك أنّ هذه الكناية لا تكشف الحلم الزائف باستعادة الأندلس، و حسب. بل هي تكشف خطأ أدواته بل خطأ الحلم ذاته في وعي العرب و فشلهم في خلق وعي جديد يستجيب لمتطلبات النهوض بحاضرهم و الارتقاء به.و ربما من أجل هذا تسرد الرواية حال حكام العرب في إسبانيا في القرون الوسطي كما لو أنها تسرد حالهم في البلدان العربية في الوقت الحاضر، لتشرح من خلال ذلك قصورا في الوعي عن مفهوم الدولة و المدنية. و كأن مستقبل الشعوب مرتبط بأهواء هؤلاء الحكام و أخلاقهم الحسنة أو الرديئة . لولا أن حال الملوك المسيحيين لم تكن أفضل من أحوال أسلافهم من الأمراء المسلمين حتي بعد تخلي الموريسكيين عن الإسلام في إسبانيا و تدينهم بالمسيحية، لذلك "توالت الثورات والانقلابات، لكنها جميعا باءت بالفشل، ففي عام 1835 اندلعت ثورة شعبية في مالقة، وسرعان ما انتقلت إلي إشبيلية وقادس وجيان وألمرية وقرطبة وغرناطة، ووضعت مجالسها الثورية دستورًا جديدًا عرف بدستور اأندوخارب بمقاطعة جيان، نصوا فيه علي أن الحكم في إسبانيا كونفدرالي،مكونين جيشًا انتصر علي جيشا الملك في معركة امرمي الكلاب وهو الوادي الذي كان القشتاليون يلقون فيه بالموريسكيين لتأكلهم النار،غير أن قادة الاتحاد حلوا أنفسهم بعدما وعدهم وزير الملك بالموافقة علي مطالبهم، لكن النضال من أجل قومية أندلسية لم ينتهِ،حتي جاء بلاس إنفانتي وكاد يعلن دولة خاصة بالأندلس، لولا أن البلاد سقطت في يد فرانكو الذي ألغي الملكية وعصف بكل معارضيه، فلما انتهي عصره عادت البلاد للملكية علي دستور جديد مستوحي من مبادئ قادس، وروح بلاس إنفانتي الذي لقب بالأب الروحي للقومية الأندلسية في إسبانيا". بهذا يتمكن الموريسكيون من تجاوز الصراع القديم القائم علي الدين ليساهموا في تحويل إسبانيا إلي دولة مدنية دستورية، لا فرق فيها لعربي علي أعجمي إلا باحترام قوانين المواطنة. أما الموريسكيون الذين غادروها إنما عادوا إلي أوطانهم الأصلية،و لم تعد مطالبتهم بالاعتذار لهم أو قبولهم من جديد كمواطنين في إسبانيا الحديثة إلا أصداء لأوهام عرقية و دينية عفا عليها الزمن، حتي إنها لم تعد لتلقي آذانا صاغية حتي لدي أسلافهم الذين لا يجيدون حاليا سوي اللغة الإسبانية وما تحمله من غني ثقافي و حضاري. لذلك لا غرابة أن تقوم عميدة الموريسكيين في مصر ببيع البيت الكبير الذي كان يجمعهم قبل وفاتها،وأن يرفض حفيدها أن يرثها في عمادة الموريسكيين، و أن ترتدي حفيدتها الحجاب كدلالة علي اندماجها في المجتمع المصري. أما ما هو مصير ما تبقي من شباب الموريسكيين في اجتماعهم المقبل؟ فهذا ما لم تجب عنه الرواية، و إن أبدت تذمراً من حكم الإخوان للأسباب التي ذكرتها سابقا. إضافة إلي هذا الجهد البارع في التحرّر من وعي العرب الزائف بتاريخهم، بما يشكل إعاقة كبري في تطورهم و تقدمهم. قدّم صبحي موسي من خلال روايته هذه حكاية نادرة و شيقة لإحدي الكوارث الإنسانية الكبري التي نتجت عن التوسع الإمبراطوري للدولتين الأموية و العباسية بحجة نشر الدين الإسلامي. و طالما أنّ التاريخ لا يعيد نفسه، إلا علي شكل شظايا تدميرية ترهق الوعي الحالي و تغرقه في فصامية الماضي و الحاضر، كان لا بدّ من لملمته في هذه الرواية، لتكون بذلك تعويذة فنية تحمي الموريسكيين من لعنة رافقتهم حتي الآن و ربما هذا ما أرادته العميدة من حفيدها أكثر من أيّ شيء آخر، من استعادة ملكية الوقف، أو الحفاظ علي سلالة نقية و الحلم بالعودة إلي وطن لم يكن وطنهم أبدا.