د. صابر عبد الدايم الصدفة وحدها يمكنها أن تقود صاحب الحق إلي حقه، ولكن ومن واقع التجارب؛ فإن هناك حقوقا كثيرة مهدرة فيما يخص الملكية الفكرية، بل والمادية، بعد أن تحول مجال العلم والثقافة إلي سوق تجاري، وبات أمرا معتادا أن نجد من يدعي أنه تربوي وصاحب علم تسول له نفسه أن يسطو علي جهد غيره الذهني والفكري والبدني، الذي أمضي سنوات في البحث والتدقيق، والغريب أن هؤلاء ممن استخدموا "الفهلوة" هم من يتسلقون ويصلون إلي أعلي المناصب في الجامعات المصرية، وخير دليل علي ذلك ما نسمعه بين فترة وأخري عن عميد كلية أو حتي رئيس جامعة متهم بسرقة كتب وأبحاث زملائه، وبعضها كانت الأساس في نيله إحدي درجتي الماجستير أو الدكتوراه، وهو ما ينذر بخطر جلل ينتظر مستقبل مصر وأبنائها، وفي ظل تنصل كل الأطراف المعنية بالأمر بات علي كل صاحب حق أن يبحث عن حقه وأن يطلع علي جميع الكتب التي تنشر حتي يتأكد أن ما اجتهد فيه لم يسرقه أحد. وحتي لا تكون الصدفة وحدها هي المنفذ لاكتشاف حالات السطو، وجب فضح بعض هؤلاء ليكونوا جرس إنذار يحذر غيرهم، وأن من ينقض علي جهد غيره لا يلومن إلا نفسه، خاصة من ظن أنه أكثر ذكاء من غيره بأن يسطو علي كتاب أو بحث من جامعة بعيدة كل البعد عن جامعته، بل ونوعية أخري غير التي ينتمي إليها، والحالة التي نحن بصددها نموذج لذلك، فأحد أساتذة جامعة الأزهر تعرض كتابه للسرقة أو ما ظنه البعض اقتباسا - وهو أمر غير صحيح علميا - من قبل أساتذة بجامعتي الفيوموالمنيا. الكتاب هو "موسيقي الشعر بين الثبات والتطور" للأستاذ الدكتور صابر عبد الدايم يونس، أستاذ الأدب والنقد والعميد السابق لكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر في الزقازيق، وأمين عام اللجنة العلمية الدائمة للترقيات، والذي طبع في مكتبة الخانجي عام 1993، وتم إصداره بعدها في عدة طبعات بمصر وخارجها، من بينها مكتبة الرشد بالسعودية عام 2006، ودار الكتاب الحديث بالقاهرة عام 2014، وقد تضمنت كل منها إضافات وإضاءات علمية جديدة. تعرض الكتاب للسرقة العلمية مرتين، الأولي عندما قام الدكتور علاء الحمزاوي، أستاذ العلوم اللغوية ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة المنيا، بإصدار ونشر كتابه "محاضرات في العروض والقافية.. موسيقي الشعر" منذ عام 2003 أكثر من مرة، أي بعد كتاب عبد الدايم بعشر سنوات علي الأقل، وقام فيه بالنقل الحرفي من الصفحات الأولي وحتي نهاية الكلام عن علم العروض، وهو ما يعد سطوا واضحا وسرقة متعمدة، تعرض مرتكبها للمحاسبة القانونية في ضوء اللوائح الجامعية وقانون المجلس الأعلي للجامعات وقانون الملكية الفكرية. لم يشر الحمزاوي أو يوثق ما أورده خلال مباحث الكتاب، رغم أن التوثيق من أسس البحث العلمي، وإنما اكتفي بالإشارة في مقدمة الكتاب والتي غالبا لا تقرأ إلي خمسة كتب هي الأفضل مما قرأه في ميدان علم العروض والقافية ومن بينها كتاب موسيقي الشعر للدكتور صابر عبد الدايم، والذي نقل منه حرفيا ما يقرب من 115 صفحة!، ولم يشر في الهامش إلي مواضع النقل، وكأنه صاحب الصياغة وكل ما كتب، حتي أنه في بعض الأحيان يشير قائلا "يقول د/صابر عبد الدايم"، وكأن ما سبق وما تلا من تأليفه وتلك الفقرة فقط هي التي تخص عبد الدايم، فهو يوهم القارئ بأن كل القضايا المثارة من جهده وبحثه، وهو ما يبعد تماما عن الأمانة العلمية. وما يزيد الأمر سوءا، أن الدكتور علاء لم يدرك حقيقة ما ينقله، إذ نسخ من الكتاب بيتين من شعر د.صابر وكتب عليهما عبارة الكتاب "مثل قول صاحب هذه السطور من قصيدة بعنوان دوائر النهر"، والتي تقع في صدر ديوان "العاشق والنهر" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1994، والقصيدة مكونة من هذين البيتين فقط، وقد كرر الأمر مع بيتين آخرين من قصيدة "الجبل" المنشورة بديوان "المرايا وزهرة النار" الصادر عن الهيئة العامة للكتاب عام 1988 مع دراسة نقدية للأستاذ الدكتور عبد الحكيم حسان أستاذ الأدب المقارن بكلية دار العلوم سابقا. رغم ما سبق ذكره، نعترف أن الدكتور الحمزاوي تعامل مع الأمر بشيء من الحرفية، مقارنة بما صدر من أساتذة النحو والصرف بكلية دار العلوم جامعة الفيوم، وهما الدكتور مأمون عبد الحليم وجيه، عميد الكلية، والدكتور إبراهيم جميل محمد إبراهيم، حيث نشرا كتاب "دروس في علمي العروض والقافية" متضمنا برنامج اللغة العربية والعلوم الإنسانية لطلبة التعليم المفتوح، وقد كتبا علي غلافه أن العمل من تأليفهما!، مما يعني أن الكتاب يتضمن جهدا بحثيا علميا من نتاجهما، ولم يشيرا إلي الدكتور صابر من قريب أو بعيد في الداخل. اعتمد الباحثان في كل مباحث الكتاب علي النقل الحرفي من كتاب "موسيقي الشعر بين الثبات والتطور"، فمن ص10 وحتي 101، لم يقدما إلا ثلاث صفحات ونصفا وبعض الأبيات المتفرقة في صورة اختبار في علم العروض، والغريب أنهما أشارا إلي بعض المراجع في صفحات قليلة من الكتاب، ولم يثبتا في أي صفحة المرجع الأصلي الذي نقلا عنه، وكأنه نوع من التجاهل وتعمد السرقة. بعد علم د.صابر عبد الدايم بما حدث لجهده العلمي، أرسل تقريرا إلي الدكتور جمال الدين أبو المجد رئيس جامعة المنيا، وآخر إلي الدكتور خالد حمزة رئيس جامعة الفيوم، يشرح فيهما الوضع بالتفصيل ومواضع النقل ويطلب منهما اتخاذ الإجراءات اللازمة لحفظ حقوقه، في الحالة الأولي تحدث الدكتور علاء الحمزاوي مراوغا ومنكرا لكل ذلك، رغم أن الكتاب موجود ويحمل اسمه، أما الحالة الثانية فلم يعيروا الأمر اهتماما وتجاهلوه كأنهم لم يفعلوا شيئا. لا يتوقف الأمر عند الحق الأدبي فقط، ولكن هناك أيضا الحق المادي، ففي ظل الظروف الراهنة وغلاء المعيشة وضعف دخول أساتذة الجامعة، خاصة من يحترم مهنته ولا يلجأ للدروس الخصوصية أو تأسيس مراكز التعليم الخاصة، له الحق الأصيل في الاستفادة من مؤلفاته تجاريا، وعلي جامعته والجامعات التي ينتمي إليها من سطوا علي أعماله أن يعضدوه ليحصل علي كافة حقوقه المادية والأدبية، ليس هو فقط ولكن كل من لهم حقوق مهدرة، بل وعلي الجامعات أن تبحث عن سبيل للتدقيق في المؤلفات الأكاديمية والرسائل للتأكد من أنها جهد صاحبها ولم يأت بها من هنا أو من هناك، وإن كانت الحالة التي تناولناها لأستاذ له باع، فما بالكم إذا كان من تعرض للسطو باحثا في بداية مشواره ومن سطا عليه أستاذا دكتورا ورئيس قسم؟!