في 16 يونيو من كل عام يحتفل محبو جيمس جويس حول العالم بيوم بلوم وكالعادة حفلت المواقع الأدبية والصفحات الثقافية بالعديد من الموضوعات والمقالات عن جويس وروايته عوليس وبطلها بلوم. ومن بين هذه المواد اخترنا أن نقدم لقارئ بستان الكتب ترجمة لما نشرته النيويورك تايمز كإجابة علي سؤال: كيف سنستقبل"عوليس" لو نُشرَت اليوم. تشارلز مكجراث محرر الكتب المعروف، والكاتبة ريفكا جالتشين يعرضان فيما يلي رؤيتيهما للكيفية التي يمكن بها استقبال رائعة جويس لو نُشِرت لأول مرة في وقتنا الحالي: تشارلز مكجراث: طبقًا لمعايير الكتب البذيئة اليوم تبدو ،عوليس أليفة بعض الشيء، ومن الصعب أن تضع نفسك مكان أولئك الذين اتخذوا موقفًا عدائيًا عنيفًا في العشرينات من الكتاب عندما نشرته سيلفيا بيتش ببطولة لأول مرة. ولسبب ما فإن الجزء الذي أزعج المدعين كثيرًا لم يكن ذلك المونولوج الشهير لموللي بلوم ولا حتي الجزء الذي يتضمن ذلك الإدخال الشرجي إن قرأت بعناية، ولكن كان ذلك المشهد الخفيف الوطأة نسبيًا الذي يداعب فيه ليوبولد بلوم نفسه أثناء تحديقه في ملابس جرتي ماكداول التحتية. وكما يوضح كيفن بنرجهام في ، الكتاب الأكثر خطورة،: إن المعركة التي دارت للدفاع عن رواية جويس ،عوليس، ووصفه القيم حول طريقة نشر القصة لم يكن الجنس فيها فقط ما أزعج الرقابة، ولكنه القلق حول بنية الحضارة. فإذا سمحنا بقدر قليل من الإيحاءات الجنسية والممارسات الجنسية الخاطئة فلا نستطيع تخيل الفوضي الشديدة التي يمكن أن تتبع ذلك. وكما نعلم اليوم فإن أكبر الانتهاكات التي جاءت بالرواية لم تكن ضد الأخلاق والتهذيب ولكنها كانت ضد أشكال وتقاليد الكتابة القصصية نفسها. إن أحداث رواية عوليس بأكملها تحدث في يوم واحد، ويتم التنقل من شخصية لأخري بشكل لا يبدو أن به نظامًا معينًا. ومن ناحية الأسلوب فإن الكتاب يمزج بين الأسلوب الرفيع والأسلوب الركيك... بين الشعر والتفاهة ... بين العمق والسطحية. وتوجد لحظات توصف من داخل الشخصية وفصول كاملة من المحاكاة الساخرة، وفصل في شكل مسرحي، وفصل علي هيئة تعاليم دينية في صورة سؤال وجواب ساخر، وحتي بعض الأجزاء التي تقترب من الثرثرة. وبعد قراءة الجزء الخاص بالمرأة المغوية فقد قلق عزرا باوند أنه ربما قد ،ضُرب جويس ضربة عنيفة علي رأسه، علي حد تعبيره. إن رواية عوليس لهي رواية ، متصلة منفصلة،. يُقال أنه بالرغم من أن عددًا لا يحصي من الكتاب مثل ، بيكيت وفيرجينا وولف مع أنها قالت أنها كرهت الكتاب ودونالد بارثليم وديفيد فوستر والاس، تأثروا بهذه الرواية فلم يستطع أحد سوي جويس أن يقوم بأي محاولة علي النطاق نفسه. وتظل كل وسيلة وظفها جويس في الرواية معيارًا لذخيرة الروائي الفنية، ولم يعد أي منها يثير الدهشة بعد. لقد تغيرت القواعد كثيرًا وتوسعت فكرتنا كثيرًا عما هو ممكن روائيًا. فإن ظهرت عوليس اليوم، دون جدل يدعمها ويلفت النظر إليها، لكان من المحتمل أن يتم نشرها في مكان مثل دار نشر ، دالكي، وليس ، راندوم هاوس، ولربما لم تكن ستسبب أية ضجة علي الإطلاق. ربما يبدو كتاب جويس فخورًا بنفسه... واسع المعرفة بشكل غير ضروري، وأيضًا قديم الطراز بالٍ في أجزائه البذيئة لجيل قرأ Naked Lunch و Gravits Rainbow. وبفضل قرار وولسي الشديد الأهمية في عام 1933 الذي أقر بأن رواية عوليس هي عمل أدبي جاد وليست عملا فاحشًا فإننا نستطيع اليوم أن نقرأ أعمالا مفعمة أكثر بالحياة. (أحد التفاصيل المبهرة التي وردت في سيرة ، جيمس ميريل، التي كتبها لانجدون هامر هي أن أحد الذين استعان بهم القاضي وولسي لمساعدته في الوصول إلي قراره كان شارلز ميريل والد الشاعر، ومؤسس شريك في Merrill Lynch. لقد أراد القاضي أن يعرف كيف يمكن لرواية جويس أن تصدم شخصًا ذا غرائز جنسية عادية،.) وفي الواقع فإن ما جلب لعوليس قدرًا كبيرًا من الاهتمام في المقام الأول كان قرار منعها. وغالبًا لم يستطع كثير من مشتري الكتاب الأوائل إنهاء قراءته. وحتي اليوم وبعد أن تعلمنا كيف نقرأها، فإن عوليس تظل بعيدة عن أن توصف بأنها كتاب ممتع. وفي محاولتي الأولي - عندما كنت صغيرًا في المدرسة الثانوية توقفت بعد ثماني صفحات أو أكثر. وقد حاولت مرتين أخريين أن أستكمل قراءتها. ولكن عوليس يظل كتابًا لا تستطيع أن تنتهي منه أبدًا. وكلما تعود لقراءته تجد شيئًا لم تلحظه من قبل.. أحيانًا نكتة أو تورية ما، وأحيانًا تفاصيل دافئة عن بلوم وأحيانًا عبارة ساحرة من قبيل:the heaventree of stars hung with humid nightblue fruit. . وفي لحظة عندما يقول كنوسجارد ، كفاحي، وهو يحملق داخل ذاته، تبدو لنا نموذج الملحمة النثرية وهي تعبير عن مدي طموح ومجال الإبداع عند جويس، والذي يبدو مثيرًا للإلهام وإن كان به قدر من الجنون ... تذكار لعصر... ربما عندما يؤمن الناس بشدة في قوة الخيال علي إعادة صنع العالم. ريفكا جالتشين: كتب مُراجِع للكتاب: " لقد قرأت كتبًا كثيرة، ويعد هذا أقلهم متعة". ويقول آخر عن جويس: " إنه جاف، ممل .. مغرور في أسلوبه. ربما يكون كاتبًا جيدًا ولكن كان يجب عليه أن يجعل من عوليس نقطة بداية في بنيان يستطيع أن ينسج منه قصة. أو ببساطة يمكن تقييمه كالآتي: "من الصعب إعطاء تقدير متدنٍ كفاية لأكثر الأعمال الأدبية تدميرًا علي الإطلاق". ولكن بالطبع يمكننا أيضًا أن نجد: " هذا كتاب مبهر لأولئك الذين لديهم صبر ووقت لكي يستكشفوا فصوله ومواضيعه المعقدة". ولكن أكثر الكلام الإخباري التقليدي عن الرواية هو: " إن بطلنا بلوم.. يهودي في أيرلندا متزوج من امرأة أيرلندية محبة للجنس تدعي مولي". ويقول آخر: " لقد ظل المؤلف يغوص في التفاصيل بدلا من تطوير حبكة الرواية، فنحن لا نحتاج أن نعرف كل شيء عن الشخصيات، بل يكفي فقط أن تواصل القراءة حتي ذروة القصة، وإن قارنت ذلك بHunt for Red Octoberستفهم ماذا أقصد. هذه آراء نقدية معاصرة منشورة علي موقع أمازون وأستطيع أن أقرر أنه في بحثي لم أصادف ناقدًا معاصرًا يصف الكتاب بأنه فاحش. وربما هذا يفسر لماذا لا يوجد حقًا غضب عارم بشأنها. مرة أخري وحيث أن الكتاب يحتل في بنيته بالأساس مكانة مشجعة في المراجعة بما يتفق والمقاييس، فقد يشعر قليلون بالرغبة في الإقرار بما قد تم بالفعل إقراره. وإني أقر بأني معجبة بكل الآراء التي تبدأ بنجمة واحدة وحتي خمس نجوم كتقييم للكتاب... من أقصرها إلي أطولها، ومن النقد المليء بالأخطاء النحوية وحتي النقد الذي يشبه أطروحات الدكتوراة وهم معًا يكونون معرضًا لصور ذاتية التقطت بكاميرا" عوليس" وهي تتحرك بشكل غريب. أما عن تقديري المعتدل فهو ثلاثة نجوم. فالناس المترددة التي لا تشعر بحاجة لأن تكون متطرفة والتي لا تطلب اهتمامًا، لا تزال تصف بضمير أفكارها وصورها الذاتية العارضة: " إنني أعيش بولاية أوكلاهوما حيث لا يهتم من سمعوا عن جويس ما إن كان الآخرون قد قرأوا له أم لا، ولذلك يا من تقرأون المراجعات النقدية بموقع Amazon فأنتم إما جمهوري المحظوظ أو غير المحظوظ، فإني لم أكتف بقراءتها فقط، بل لم أحركها إلي رف المقايضة بالموقع. فأنا أريدها لتذكرني دائمًا كم يمكنني أن أصبح أبله ملعونًا". ويمكننا أن نقتبس من مقال نقدي أطول مكتوب بشكل قصصي قوي: " حتي وصلت إلي سن التاسعة عشرة لم يحدث أن تجاوزت الفصل الرابع وواجهت السيد بلوم يتسكع في المطبخ ليصنع إفطاره لأبدأ رويدًا رويدًا في استيعاب الفكرة. إن بلوم هو أحد الشخصيات المحببة في الأدب. إنه بائع هاديء خجول بعض الشيء، وذكي بطريقة مذهلة، متزوج من مولي وهي امرأة شهوانية مغوية". في الحقيقة إني أحب الشخص الذي لديه رف للمقايضة وأيضًا الشخص الذي يحب المتسكعين الخجولين. تعد المراجعات النقدية وصفًا مزدوجًا للناقد ولما يتم نقده. وأحد الأمثلة الشهيرة لذلك نجده في تلك الملاحظات سيئة السمعة التي أدلت بها فرجينيا وولف - حتي وإن كانت في يومياتها عن رواية عوليس: " لقد قرأت مائتي صفحة من الكتاب.. لم أصل حتي إلي ثلثه، وشعرت بالسعادة والإثارة والسحر والاستمتاع بأول فصلين أو ثلاثة من الكتاب وحتي نهاية مشهد الدفن، ثم تحيرت ومللت واستثيرت مشاعري وانتابتني غصة وأنا أري شخصأ بلا خبرة يخدش بثوره. إني أري أن هذا الكتاب يفتقر إلي مقومات الكتابة ومقومات الحياة... كتاب من تأليف عامل علم نفسه بنفسه، ويعلم جميعنا كم أن هؤلاء محبطون وأنانيون وينقصهم النضج ويثيرون الغثيان." عندما وصلت لسن التاسعة عشرة سألت شاعرًا عظيمًا سؤالا أخرق عن كيف كان يعرف أن شيئًا جيدًا، وقال لي أنه عادة يعرف أن الشيء جيد من الجملة الأولي أو ربما الثانية وهذا يبدو مرعبًا بالنسبة لي، ويبدو معقولا - وإن كان مازال مرعبًا لي الآن. إن مدح ونقد الآخرين - الذي غالبًا ما يكون شيقًا أن تقرأه كذكريات صغيرة نادرًا ما يمدني بدليل يمكن الاعتماد عليه لكي أقرر ماذا أقرأ. ولذلك إن أردت أن تري كيف من الممكن لعوليس أن تصدمك اليوم فربما أفضل مقال معاصر يجب أن يبدأ بالآتي: " إن موليجان العظيم الأنيق ممتليء الجسم يهبط من أعلي السلم حاملا وعاءً من الزبد يحوي مرآة وموسيا للحلاقة".