الشهادة الإعدادية 2024| 16807 طالبا وطالبة يؤدون أول امتحاناتهم ب108 لجان بالأقصر    جامعة كفر الشيخ الثالثة محليًا فى تصنيف التايمز للجامعات الناشئة    وزير الري يلتقي سفير دولة بيرو لبحث تعزيز التعاون بين البلدين في مجال المياه    آخر تحديث لأسعار الذهب في محال الصاغة اليوم السبت.. بكم عيار 21؟    "الإسكان": غدا.. بدء تسليم أراضي بيت الوطن بالعبور    توريد 575 ألف طن قمح للشون والصوامع بالشرقية    انطلاق المؤتمر الدولي الأول ل«التقدم في العلوم» بالإسكندرية    وفود سياحية تزور المناطق الأثرية بالمنيا    قتلى ومصابون.. إسرائيل ترتكب مجزرة جديدة في جباليا    محمد فايز فرحات: مصر أحبطت محاولات إسرائيل لتهجير الفلسطينيين    القوات الروسية تستهدف المراكز اللوجستية للجيش الأوكراني في منطقة أوديسا    3 منهم قرروا البقاء.. 17 طبيبا أمريكيا يغادرون غزة بعد محاصرتهم بالمستشفى    طيران الاحتلال يشن غارات على جنوب لبنان.. وحزب الله ينفذ هجوما صاروخيا    الزمالك بالزي الأساسي "الأبيض" في مواجهة نهضة بركان بنهائي الكونفدرالية    "قبل نهائي دوري الأبطال".. أبرز أرقام مارسيل كولر مع النادي الأهلي    دوري أبطال أفريقيا.. مران خفيف للاعبي الأهلي في فندق الإقامة    وُصف بالأسطورة.. كيف تفاعل لاعبو أرسنال مع إعلان رحيل النني؟    محمد صلاح: "تواصلي مع كلوب سيبقى مدى الحياة.. وسأطلب رأيه في هذه الحالة"    محافظ الجيزة: مسافات آمنة بين الطلاب في امتحانات الشهادة الإعدادية    بنك الأسئلة المتوقعة لمادة الجغرافيا لطلاب الثانوية العامة 2024    ضبط 14 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    25 صورة ترصد.. النيابة العامة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل 15 مايو    مصرع وإصابة 10 في حادث تصادم بالشرقية    سقوط 3 تشكيلات عصابية تخصصت في سرقة السيارات والدرجات النارية والكابلات بالقاهرة    بعد زفافها.. ريهام حجاج توجه رسالة ل ريم سامي (صور)    سينما الزعيم عادل امام.. أفلام قضايا الوطن والمواطن والكوميديا الموجعة    فيلم شقو يحقق إيرادات 614 ألف جنيه في دور العرض أمس    «السياحة» توضح تفاصيل اكتشاف نهر الأهرامات بالجيزة (فيديو).. عمقه 25 مترا    محسن أحمد يروي قصة اصابته في "زهايمر" وظلمه لأبنائه    "الصحة" تعلق على متحور كورونا الجديد "FLiRT"- هل يستعدعي القلق؟    وظائف وزارة العمل 2024.. فرص عمل في مصر والسعودية واليونان (تفاصيل)    بدء تلقي طلبات راغبي الالتحاق بمعهد معاوني الأمن.. اعرف الشروط    خبيرة فلك تبشر الأبراج الترابية والهوائية لهذا السبب    فانتازي يلا كورة.. تحدي الجولة 38 من لعبة الدوري الإنجليزي الجديدة.. وأفضل الاختيارات    "الصحة": معهد القلب قدم الخدمة الطبية ل 232 ألفا و341 مواطنا خلال 4 أشهر    ما حكم الرقية بالقرآن الكريم؟.. دار الإفتاء تحسم الجدل: ينبغي الحذر من الدجالين    أسعار الخضروات والفاكهة اليوم السبت 18-5-2024 في سوق العبور    وزير التعليم يصل بورسعيد لمتابعة امتحانات نهاية العام.. صور    بينها التوت والمكسرات.. 5 أطعمة أساسية للحفاظ على صحة القلب والأوعية الدموية    بحثا عن لقبه الأول.. مصطفى عسل يضرب موعدا ناريا مع دييجو الياس في بطولة العالم للاسكواش    مسلسل البيت بيتي 2، موعد عرض الحلقة 9    "الاحتفال باليوم العالمي للمتاحف".. افتتاح متحف الفن الإسلامي في القاهرة    «طائرة درون تراقبنا».. بيبو يشكو سوء التنظيم في ملعب رادس قبل مواجهة الترجي    باحث مصري يتمكن من تطوير حلول مبتكرة لاستخدام الفطريات من نباتات الغابات في الصناعات الدوائية    معاريف تكشف تفاصيل جديدة عن أزمة الحكومة الإسرائيلية    انتظام امتحانات الشهادتين الابتدائية والإعدادية الأزهرية بالقليوبية (صور)    طريقة عمل شاورما الفراخ، أكلة سريعة التحضير واقتصادية    حادث عصام صاصا.. اعرف جواز دفع الدية في حالات القتل الخطأ من الناحية الشرعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-5-2024    مفتي الجمهورية يوضح مشروعية التبرع لمؤسسة حياة كريمة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    الأرصاد: طقس الغد شديد الحرارة نهارا معتدل ليلا على أغلب الأنحاء    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    عيار 21 يعود لسابق عهده.. أسعار الذهب اليوم السبت 18 مايو بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رضوى عاشور وجماعة 9 مارس
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 12 - 2010

كنت أود أن أكتب هذا الأسبوع عن رواية الكاتبة الكبيرة والأستاذة الجامعية المرموقة رضوى عاشور الجديدة والساحرة معا (الطنطورية). وهى رواية بديعة تقدم بانوراما كبيرة غنية وحية للقضية الفلسطينية، منذ بدايات الهجمة الصهيونية الغادرة على هذا الجزء المسالم من الوطن العربى الكبير وحتى اليوم. ولكنى فوجئت، بل صدمت، بالخبر الفضيحة الذى يحيلها فيها مدير جامعتها، جامعة عين شمس التى أسسها طه حسين، إلى التحقيق. يقول الخبر الفضيحة /الخبر العار/ إن رئيس جامعة عين شمس أرسل إخطارات لأربعة من الأساتذة على رأسهم الدكتورة رضوى عاشور للمثول للتحقيق أمام وكيل كلية الحقوق بجامعة عين شمس للتحقيق معهم فى تهمة اقتحامهم الجامعة، (كذا) جامعتهم التى يعملون فيها، وتوزيع حيثيات حكم المحكمة الإدارية العليا بإلغاء الحرس من الجامعات.
كان هذا هو الخبر الفضيحة الذى قرأته ولم أصدق عينىّ وأنا أقرأه. هل يمكن اتهام استاذ جامعة، ناهيك عن أن تكون أستاذة تتميز بدماثة الدكتورة رضوى عاشور وكياستها، باقتحام جامعته. ألم تكف رئيس جامعة عين شمس الفضيحة، التى أحدثها عندما بعث بمذكرة إلى زميله رئيس جامعة القاهرة يشكو فيها عددا من أساتذة جامعة القاهرة من أعضاء جماعة «9 مارس لاستقلال الجامعات المصرية» ويصفهم فيها بعبارات مخجلة، وبخه عليها أكثر من كاتب وصحفى فى أكثر من جريدة ومنبر.
ألم يكفه أنه لم يحل البلطجية، الذين اعتدوا على أساتذة الجامعة فى قلب جامعته، واستباحوا بالسنج والمطاوى حرم الجامعة التى يجب عليه حمايته إلى التحقيق؟ ألم يخجل وهو يدافع عن الحرس الجامعى، الذى لم يتمكن حتى من حماية زوار الجامعة، وهم فى داخل حرمها، من البلطجية الذين اعتدوا عليهم، ووصفهم رئيس الجامعة بأنهم «فتية غيورون على جامعتهم»؟ أم أنه يريد مواصلة تقديم البراهين على شدة إخلاصه لأجهزة الأمن التى يدين لها بالولاء أولا وأخيرا، ولتذهب كل التقاليد الجامعية وقيم الحق والعدالة، وأحكام المحكمة الإدارية العليا، للجحيم. فهو يقينا يدرك، فى زمن الانهيارات والتردى ذاك، أنه لو أمعن فى إثبات ولائه للأمن فربما يعين وزيرا، كسلفه ابن وزير الداخلية الأسبق الذى أصبح وزيرا، بعد أن أبلى بلاء حسنا فى إدارته للجامعة قبله. فنحن فى زمن مقلوب، يؤدى فيه الولاء لقيم استقلال الجامعة الأصيلة، ولقيم الحق والعدل، إلى الإحالة للتحقيق! بينما تستمر فيه البلطجة فى فرض سطوتها وسيطرتها على كل شىء حتى يحكم الانهيار قبضته، ويزج مصر فى حضيض أعمق من هذا الذى تعانى منه، وتطاردها ويلاته.
ولا أدرى إن كانت الصديقة العزيزة الدكتورة رضوى عاشور تشعر الآن بشىء من الرضى عن نبوءاتها التى أطلقتها قبل أكثر من عشر سنوات فى روايتها الجميلة (أطياف)، والتى كشفت فيها عن مدى تغلغل الفساد والانحطاط والتردى فى الجامعة المصرية، وقد استحالت تلك النبوءات فى ساحة جامعتها العتيدة إلى كوابيس لا يصدقها عاقل. أم أنها تشعر بالإحباط الذى عانته زرقاء اليمامة، وهى ترى قبيلتها التى لم تصدقها، ولم تستمع لنصيحتها، تسحق أمام أعينها تحت أقدام الغزاة. فقدر جيلنا، جيل الستينيات الذى أغنى الحياة الثقافية وأثراها بإبداعه الجميل، هو أن يبكى، كما تنبأ شاعر جيلنا الكبير أمل دنقل، بين يدى زرقاء اليمامة. فهل نبكى الآن على ما آل إليه حال الجامعة المصرية بين يدى رضوى عاشور؟! بينما نشهد جحافل الغزاة تدفع الجامعة إلى حضيض بعد حضيض؟ أم أن علينا أن نفعل شيئا آخر ندفع به عن الجامعة أولا، وعن مصر كلها، هذا الدمار؟
أقول هذا لأننى أعيش فى لندن، وأنا أقرأ عن هذا التردى والهوان فى الجامعة المصرية، أحداث مسيرات الطلاب اليومية فى الأسبوعين الأخيرين احتجاجا على تقليص الحكومة للإنفاق على الجامعات، واعتزامها رفع مصاريفها. وهى المسيرات التى اخذت تتعاظم ويتسع نطاقها لتشمل طلاب المدارس الثانوية، الذين يدافعون عن مستقبلهم وحقهم فى التعليم الجامعى.
بل إننى أعاصر فى جامعتى، جامعة لندن، ما يمكن أن يكون شرارة انتفاضة طلابية أكبر، وبداية نقد جذرى لأمراض النظام العولمى الجديد. فقد اعتصم الطلاب فى جامعتى، جامعة لندن، منذ أسبوعين، واحتلوا جزءا من كليتنا، كانت الإدارة، استجابة منها لمتطلبات السوق، تستخدمه بشكل تجارى بتأجيره لإقامة لقاءات أو مؤتمرات أو فعاليات مدفوعة، استجابة منها لمنطق السوق. وهو المنطق الذى يرود إجراءات تقليص الحكومة للنفقات، وحرمان التعليم الجامعى من التمويل الذى يستحقه، ونقل العبء إلى الطلاب وأسرهم. فجن جنون الإدارة، بسبب ما يترتب على اعتصام الطلاب فى هذا القسم من إخلال بالتزاماتها التجارية وتقليص لعائداتها المالية، ولجأت للقضاء.
فانضم أغلب الأساتذة للطلاب، خاصة وأن الطلاب باختيارهم هذا القسم من الجامعة لاحتلاله، كانوا حريصين على عدم عرقلة أى جزء من الأجزاء، التى تستخدم فى العملية التعليمية مثل المكتبة أو قاعات الدرس أو حتى مكاتب الإدارة.
وبدأ جدل فكرى وعقلى واسع، على شبكة الجامعة الإلكترونية، ومن خلال إيميلاتها الجماعية حول الأمر شارك فيه الجميع بحرية وعقلانية، من المدير وحتى أصغر الأساتذة. كما تحولت ساحة الاعتصام إلى ساحة جدل فكرى وعقلى حية، يفد إليها كبار مثقفى بريطانيا ومفكريها للمحاضرة والجدل الفكرى مع الطلاب والأساتذة، الذين انضم عدد منهم للاعتصام، دون أن يتهمهم أحد باقتحام الجامعة. وتدور فيها محاضرات ومناظرات فكرية بالغة الأهمية. تتم فيها تعرية منطق السوق الجديدة، والذى يجتاح العالم الغربى بألاعيبه الجهنمية.
ومن خلال الجدل الفكرى العقلى، وهذا هو دور الجامعة كموسسة للعقل والحرية بأساتذتها وطلابها، بدأ يتكشف للجميع الوجه القبيح لمنطق السوق الجديدة ذاك. وهو المنطق الذى دعته الباحثة السودانية المرموقة خديجة صفوت بمنطق «خصخصة الربح وتأميم الخسارة». فمنذ الأزمة المالية العالمية قبل عامين، وتسارع الحكومات الغربية لإنقاذ النظام المصرفى من الانهيار على حساب دافعى الضرائب. بدأ الفكر الغربى فى تمحيص هذا المنطق المغلوط، الذى أتاح للنظام المصرفى خصخصة أرباحه الطائلة طوال عقود، برغم كل ما جرته مضارباته على العالم من ويلات.
ولما بدأ فى التأزم والانهيار، سارعت الحكومات لتأميم خسائره وتحميل المواطن العادى مليارات من التكاليف الفادحة لإنقاذ هذا النظام الفاسد. بل وصل الأمر الآن إلى المضاربة على مستقبل الجيل الجديد ورهنه، من خلال ما يدور الآن من تقليص لنفقات التعليم العالى، لتسديد تلك الخسائر، التى لا ذنب لهم فيها.
وها هو الجدل الذى بدأ فى الجامعة ينتقل إلى البرلمان بسبب تواصل المظاهرات، التى لا يبدو أنها ستتوقف، قبل أن يحدث تغيير جذرى.
أسوق هذا الاستطراد إلى أساتذة «جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعات» للمقارنة، وأنا أطرح سؤالى عليهم. وأعود من جديد إلى الدكتورة رضوى عاشور، وإلى روايتها النبوءة (أطياف)، التى نشرتها قبل أكثر من عشرة أعوام، ورأت فيها كزرقاء اليمامة كل ما يدور من جدل حول الجامعة والحرس الجامعى اليوم.
ليس فقط لأن (أطياف) هى رواية ما جرى للجامعة المصرية بامتياز، ولكن أيضا لأنها الرواية، التى تنطوى على جنين الانشغال الكبير بالقضية الفلسطينية، والذى اكتمل فى صورته المدهشة فى روايتها الأخيرة (الطنطورية)، والتى كنت مشغولا بالكتابة عنها قبل قراءتى للخبر المشئوم أعلاه.
أعود هنا إلى (أطياف) وهى رواية يقدم لنا البناء الفنى فيها حيثيات مضاعفة لإرهاف مصداقية شهادتها حول الجامعة المصرية، وما انتابها من تدهو وتردٍ وانحدار.
فبطلة الرواية «شجر عبدالغفار» هى أستاذة للتاريخ فى إحدى الجامعات المصرية، وكاتبتها «رضوى عاشور» هى الأخرى أستاذة للأدب الانجليزى فى إحدى الجامعات المصرية، جامعة عين شمس التى تحيلها الآن للتحقيق! ومعرفتهما بالجامعة لا يمكن أن يتسرب إليها الشك من أى مصدر.
كما أن الطبيعة الوثائقية، واستخدام تقنيات السيرة الذاتية فى قسم كبير من هذه الرواية، وتقديم القضية من أكثر من منظور: منظور الأستاذة الغيورة على تقاليد الجامعة، ومنظور الطلاب الذين يعيشون مرحلة ترديها، ومنظور الوالغين فى عملية إفسادها وتدميرها وهم يتذرعون بحجج وأسباب متهافتة، كل هذا يرهف وعينا بأهمية هذه الشهادة وبوثائقيتها وبمصداقيتها معا. وإذا كان واجبى كناقد يتابع أعمال رضوى عاشور، ويهتم بها لما تتسم به من فنية وجمال يفرض علىّ تناولها بشكل نقدى يكشف عن التضافر الحميم بين لحمتها وسداتها، بين بنيتها السردية وما تطرحه على قارئها من قضايا خطيرة، فإن واجبى كمواطن مصرى غيور على قضية الجامعة فى بلده، ويدرك أهمية هذه القضية وأثرها الدامى على المجتمع ككل، هو الذى يفرض على أن أطرح على القراء هنا قضيتها المهمة: قضية الجامعة، وهذا ما سأفعله فى الأسبوع المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.